تحاول إيران تعويض الخسائر المالية التي تكبدتها بسبب تدخلها في الصراع السوري، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية ومالية مع النظام السوري وتنفيذ مشاريع تجارية.
ولكن رجّح خبراء اقتصاد للمشارق ألا تؤدي هذه الجهود إلا لنتائج ضئيلة في ظل المنافسة الشديدة التي تواجها الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، ولا سيما من روسيا.
وقال الخبير الاقتصادي السوري والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق محمود مصطفى إن "التنافس الروسي الإيراني يظهر واضحا في سوريا".
وأضاف أن الجانبين يسعيان للحصول على القدر الأكبر من فطيرة إعادة الإعمار تعويضا عن الأموال التي أنفقاها للإبقاء على نظام الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.
ولكنه أشار إلى أنه من الواضح أن حصة إيران من الفرص التجارية الجديدة لم تكن على قدر تطلعات وتقديرات النظام الإيراني الذي كان يأمل في الحصول على عائد كبير في أقصر مدة زمنية ممكنة.
ويمكن عزو ذلك لنفوذ روسيا التي وضعت يدها تاريخيا على مرافق عدة مدرّة للدخل، مثل مناجم الفوسفات في الصحراء الشرقية (البادية) والمرافئ التجارية في طرطوس واللاذقية.
وتابع أنه يبدو أن خطط روسيا "اصطدمت بشدة بالحسابات الإيرانية وأعاقتها، حيث حرمت روسيا إيران من الكثير من موارد الدخل التي كانت إيران تتوقع أن تدر عليها بالأموال".
وأشار مصطفى إلى أنه لم يتبق لإيران في الوقت الحالي إلا الخط البري العابر للمناطق والذي كانت تحاول إنشاءه منذ فترة والذي يربط إيران بسوريا مرورا بالعراق.
وأوضح أن ذلك يخدم كطريق تجاري للسلع الكهربائية الأساسية والمواد الغذائية التي لا تدر بمستوى الدخل الذي كان القادة الإيرانيون يتوقعونه.
ʼسفارة تجاريةʻ في دمشق
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد شاهر عبدالله إن إيران تحاول الحصول على الأموال المخصصة لإعادة الإعمار وتعزيز روابطها التجارية من خلال إنشاء المركز التجاري الإيراني في قلب المنطقة الحرة بالعاصمة دمشق.
ولفت إلى أن التواجد في المنطقة الحرة يعفي الشركات الإيرانية من الضرائب ويتيح لها حرية التصرف وإجراء الصفقات التجارية أو تلك الخاصة بعملية إعادة الإعمار.
وأضاف أن المركز التجاري "ضخم المساحة" حيث يمتد على 4 ألاف متر مربع ويتكون من 12 طابقا ويضم في الوقت الراهن 25 شركة إيرانية تعمل في المجال القانوني والاستثمار المالي والتأمين والشحن والنقل.
وأشار إلى أن هذا المركز التجاري يعتبر "سفارة تجارية لإيران في سوريا".
وتقوم الشركات الإيرانية من خلاله بالتواصل مع الشركات الخاصة والقطاعات الحكومية السورية لإجراء المناقصات والحصول على العقود الجديدة التي من المتوقع أن تدر بالأموال للخزينة الإيرانية.
تكاليف غارقة في سوريا
من جهته، قال الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بمركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية فتحي السيد إن "إيران قد أنفقت أكثر من 30 مليار دولار في سوريا".
وذكر أن ذلك يتضمن الدعم المقدم لأذرع النظام العسكرية والميليشيات التي يدعمها الحرس الثوري ومؤسسات النظام السوري. كما أن إيران قدمت للنظام السوري 3 خطوط ائتمانية تقدر بـ 5.6 مليار دولار على الأقل، بحسب التقرير السوري.
وأضاف أنه سيكون من "الصعب جدا" تعويض هذه النفقات.
وتابع "لم تكن حسابات الزمرة التي تتحكم بالحرس الثوري صحيحة، خصوصا في ظل الأوضاع القائمة والعقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري".
وكانت هناك تقديرات أخرى لتكاليف إيران الغارقة في سوريا أعلى من ذلك.
فوفق تقرير للمجلس الأطلسي نشر في العام 2020، تراوحت تقديرات النفقات العسكرية والاقتصادية الإيرانية الفعلية في سوريا بين 30 مليار و105 مليار دولار في السنوات الـ 7 الأولى من الحرب وحدها.
وفي منتصف حزيران/يونيو 2020، بدأ سريان مفعول أضخم عقوبات أميركية تطبق على سوريا بموجب قانون قيصر .
ويعاقب قانون قيصر الشركات على مستوى العالم التي تتعامل مع نظام الأسد ويمنع تقديم المعونات الأميركية في مجال إعادة الإعمار لحين تقديم مرتكبي الانتهاكات في الحرب السورية للعدالة.
وأوضح السيد أن "الأموال التي ستدفع لإعادة إعمار سوريا تخضع للعديد من الضوابط الدولية"، مشيرا إلى أنه "لا تستطيع إيران وروسيا وسوريا التصرف بشكل منفرد بهذا الخصوص على الإطلاق".
وأكد أن مشاريع إعادة الإعمار تتطلب موافقة دولية جماعية، مما سيحرم الجانب الإيراني من حلم استعادة أية أموال تم إنفاقها لتعزيز الخزينة الإيرانية.
وأشار إلى أن هذه المشاريع تشمل إعادة بناء المنازل والطرقات وشبكات المياه والصرف الصحي والاتصالات ومياه الشرب في كل المناطق.
واستدرك قائلا إن "إيران غير قادرة أساسا على القيام بهذه المشاريع وحدها".