بلغ انعدام الثقة بالنظام الإيراني وبسرديته حول إدارة الجائحة حده الأقصى وسط ارتفاع هائل في الإصابات بكوفيد-19 التي تشهدها البلاد.
وبدءا من يوم السبت الماضي، 10 نيسان/أبريل، خضعت جميع المناطق في أنحاء إيران كافة لدرجات متفاوتة من القيود وفقا لترميز الحكومة لها بالألوان، مع اعتبار اللون الأحمر مؤشرا إلى وجود أكبر عدد من الإصابات يليه اللون البرتقالي.
وتظهر بيانات الحكومة أن 80 في المائة من المناطق الحضرية في إيران إما حمراء أو برتقالية إذ بلغ مجموعها 257 مدينة حمراء و129 مدينة برتقالية.
وتشير أحدث الأرقام الرسمية إلى وجود نحو 2.1 مليون حالة إصابة بكوفيد-19 مع وصول عدد الوفيات حتى يوم الاثنين إلى 64 ألف و764 وفاة، علما أن احتمال أن تكون هذه الأرقام أقل من الأرقام الفعلية كبير جدا.
وبعد أشهر من فتح البلاد عقب إغلاق أولي، دأبت إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لأسابيع على رفض الدعوات إلى إغلاق البلاد مجددا.
فقبل حلول العام الإيراني الجديد، طلبت وزارة الصحة الإيرانية مرارا وتكرارا من الشعب تجنب السفر خلال عطلة مدتها أسبوعين تبدأ في 21 آذار/مارس، لكنها لم تصل إلى حد فرض الإغلاق أو حظر صارم على السفر محليا ودوليا.
ومع ذلك، اضطرت الحكومة في 8 نيسان/أبريل إلى الرضوخ لمطالب المرافق الطبية المنهكة ووحدات العناية المركزة المكتظة وضغط ارتفاع حالات الوفاة في البلاد.
انعدام الثقة بالنظام
وأدت عقود من المعلومات المضللة إلى انعدام ثقة شريحة كبيرة من الإيرانيين بالنظام، خصوصا لجهة توجيهاته وإدارته لجائحة فيروس كورونا.
وعند بداية انتشار الجائحة العام الماضي، نفى النظام في البدء تفشي الوباء على أراضيه وعمد إلى التعتيم على عدد الإصابات والوفيات بانتظار انتهاء الانتخابات البرلمانية.
هذا التأخير في الإعلان عن وجود الوباء مكّن الفيروس من الانتشار على نطاق واسع.
وبعد أن أجبر ارتفاع عدد الموتى الحكومة الإيرانية على الاعتراف بتفشي المرض، بدأ المسؤولون في الكذب حول عدد الحالات التي تعالج في المستشفيات وعدد الوفيات.
وحتى الآن، لم يتضح ما إذا كانت الأرقام الرسمية تعكس الحقائق الفعلية على الأرض.
ووجد تحقيق أجرته خدمة بي بي سي الفارسية في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي أن عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في إيران كان ثلاثة أضعاف مما أعلنه النظام الإيراني.
وروجت طهران أيضا لعدد من نظريات المؤامرة أبرزها أن الولايات المتحدة هي التي خلقت الفيروس،في محاولة لإبعاد اللوم عن الإدارة السيئة التي اعتمدها النظام الإيراني للتعامل مع تفشي الوباء.
وفي تعتيم آخر، حاول النظام منع تسرب معلومات تفيد بأن شركة ماهان إير المملوكة جزئيًا للحرس الثوري الإيراني، لعبت دورا رئيسا في تفشي فيروس كورونا المدمر في إيران، وبالتالي انتشار الفيروس القاتل في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
وتظهر الأدلة أن شركة ماهان للطيران واصلت تسيير عشرات الرحلات الجوية بين إيران والصين خلال ذروة انتشار فيروس كورونا العام الماضي، على الرغم من الحظر الإيراني الرسمي على مثل هذه الرحلات وفي تحد لممارسات الرعاية الصحية السليمة.
وفي الآونة الأخيرة ووسط الارتفاع الهائل في حالات الإصابة بفيروس كورونا في الخريف والشتاء الماضيين، اعتمدت إدارة روحاني الكذب وتحدثت عن عدم قدرتها على شراء واستيراد لقاحات الإنفلونزا، ملقية اللوم مرة أخرى على العقوبات الأميركية.
لكن هذه الأكاذيب كُشفت عبر تسريب تقارير بشأن تلقي أعضاء المجلس لقاحات الأنفلونزا.
وبحسب ما ورد، بيعت لقاحات الإنفلونزا في السوق السوداء بأسعار مرتفعة للأثرياء والذين يتمتعون بعلاقات مع أصحاب النفوذ.
معلومات مضللة بشأن اللقاح
ولطالما لجأت الحكومة الإيرانية إلى تضليل مواطنيها عبر نشر معلومات خاطئة حول اللقاح ضد كوفيد-19.
فقد زعمتزورا وبهتانا أنها عاجزة عن الوصول إلى اللقاحات بسبب العقوبات، حتى مع تخصيص منصة كوفاكس التابعة للأمم المتحدة مبالغ لإيران لشرائها. إلى هذا، وافقت الولايات المتحدة على إرسال شحنة لقاحات إلى إيران في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وما يزيد الأمر سوءا هو التبدل الذي يطرأ بشكل شبه يومي على التقارير حول شحنات اللقاح والتصنيع المحلي.
ففي كانون الثاني/يناير، حظر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئيعلى الحكومة استيراد لقاحات كوفيد-19 من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهو الأمر الذي كشف أن الأولوية بالنسبة له هي للتحالفات السياسية على حساب صحة الشعب الإيراني ومصالحه.
وفي أعقاب هذا الحظر، قال مسؤولون حكوميون إنهم سيشترون اللقاح "من دولة معينة" رافضين ذكر اسمها خوفا من ردود فعل شعبية عنيفة بسبب عدم الثقة باللقاحات الصينية والروسية.
وحتى مسؤولو الصحة العامة في إيران من أعضاء فرقة العمل الخاصة بكوفيد -19، قد أعربوا عن عدم ثقتهم فيها.
واشترت إدارة روحاني في النهاية لقاحات سبوتنيك من روسيا، وفي حين وصلت الشحنة الأولى تأجل وصول الشحنة الثانية لأسباب مالية وفقا لوزارة الصحة الإيرانية.
وبدلا من التركيز على اللقاحات والاقتصاد المعطل، واصل خامنئي استخدام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لتمويل أذرعه الإقليميين والدفع قدما بالسياسات التوسعية.
وأدى إعطاء الحرس الثوري الأولوية للتدخل الإقليمي على حساب مصلحة الشعب الإيراني إلى تفاقم الاستياء من النظام الإيراني في الداخل وإلى ازدراء طهران والإيرانيين في الخارج.
وكل هذا لم يترك لغالبية الشعب المعذب سوى الازدراء لحكومته وعدم الثقة بها.