دأبت إيران على تكرار مقولة أن العقوبات الأميركية تعوق حصولها على لقاحات مضادة لكوفيد-19، ويعتقد أنها كانت تسعى عبر الإسراف في ترديد هذا الزعم إلى صرف الانتباه عن سوء إدارتها للأزمات التي عصفت بالبلاد.
إلا أن خبراء يؤكدون أنه مثلما فشلت الجمهورية الإسلامية في استجابتها لأزمة لقاح الإنفلونزا في الخريف الماضي، فهي مسؤولة أيضا عن سوء إدارة استيراد لقاحات فيروس كورونا (كوفيد-19) التي تم اعتمادها مؤخرا.
وما يزيد الطين بلة بالنسبة لإيران هو أن الحكومة لم تعتمد مبدأي السرعة والشفافية في المعلومات التي قدمتها للشعب الإيراني بشأن سبل حصولها على اللقاحات.
ووفق التلفزيون الإيراني الرسمي، كان الرئيس حسن روحاني قد أعلن أمام مجلس الوزراء أنه أصدر تعليماته لمسؤولي وزارة الصحة لشراء لقاحات مضادة لفيروس كورونا "من دولة معينة" دون تسميتها.
ولم يذكر أيضا عدد جرعات اللقاح التي طُلب شراؤها.
وأضاف روحاني أن العقوبات الأميركية عرقلت جهود حكومته لشراء لقاح مضاد لكوفيد-19.
من جهة أخرى، نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية في 9 كانون الأول/ديسمبر عن وزير الصحة سعيد نمكي قوله إنه في الوقت الذي تواصل فيه العقوبات الأميركية منع إيران من تحويل الأموال إلى الخارج من أجل شراء اللقاحات، "يجري لحسن الحظ حلحلة هذه العقدة".
ولم يحدد كيف دفعت إيران ثمن الجرعات.
تنصل من المسؤولية وتناقض
وأوضح مراقبون إن تحميل العقوبات مسؤولية معظم المشاكل التي تواجه حكومة روحاني، إن لم يكن كلها، ليس سوى وسيلة للتنصل من المسؤولية وصرف نظر الشعب الإيراني عن الإخفاقات المتتالية.
"الذنب ذنبهم لأن العقوبات الأميركية تستثني المواد الغذائية والأدوية"، حسبما قال محلل بحري إيراني سابق أصر على عدم ذكر اسمه.
ولطالما أكدت الولايات المتحدة أن العقوبات موجهة ضد النظام الإيراني وليس الشعب الإيراني، كما أنها تبقي على مجموعة كبيرة من الاستثناءات والأذونات لبيع إيران السلع الزراعية والأغذية والأدوية والأجهزة الطبية.
وفي هذا الإطار، كشف رئيس جمعية مستوردي الأدوية الإيراني ناصر رياحي في 1 كانون الأول/ديسمبر، أنه "حتى في ظل العقوبات، نستورد 30 في المائة من أدويتنا من الولايات المتحدة".
إلى هذا، توقع المحلل البحري أن ينتهي المطاف باللقاحات المضادة لكوفيد-19 إلى السوق السوداء حتى حين تنجح الحكومة في استيرادها.
ورجح أن يكون للحرس الثوري "يد في ذلك وأن يأخذ نصيبه من الأرباح".
وتكشف سيناريو مماثل في الخريف الماضي عندما أعلنت الحكومة مرارا عدم توفر لقاحات الإنفلونزا لعامة الناس بسبب العقوبات.
ففي فصل الصيف، وعد الإيرانيون بالحصول على لقاح الإنفلونزا، وهو وعد لم يتم الوفاء به في الوقت الملائم. وتسربت بعد عدة أشهر تقارير بشأن تلقي أعضاء البرلمان لقاح الأنفلونزا، على الرغم من ادعاء الحكومة عدم توفره..
وتوفرت لقاحات الإنفلوانزا في إيران اعتبارا من أوائل كانون الأول/ديسمبر، لكن شرائح متعددة من الشعب ترددت في تلقيها لأن توفرها جاء متأخر جدا ووسط تقدم موسم البرد والإنفلونزا. ويفضل الكثيرون أيضا عدم المخاطرة بالذهاب إلى مرفق طبي للحصول على الجرعة لما يستتبع ذلك من خطورة التعرض لكوفيد-19.
وأعلنت إيران عن أكثر من 50 ألف وفاة بسبب فيروس كورونا من بين أكثر من مليون إصابة مؤكدة، في أسوء حالة تفشي للوباء في الشرق الأوسط.
سبل عدة لشراء اللقاح
وفي الأسبوع الماضي، نقلت وكالة أنباء إرنا عن نمكي قوله إنه بينما اشترت إيران مسبقا 16.8 مليون جرعة من لقاح كوفيد-19 عن طريق نظام كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية، فإنها "تتعاون أيضا مع دول أخرى لإنتاج لقاح"، وأن الاختبارات البشرية على اللقاح في إيران ستبدأ خلال فصل الربيع.
ومنذ بضعة أشهر، أعلنت الحكومة أنها "مستعدة للتعاون" مع الصين لتطوير لقاح، وهو أمر رفضته الدوائر الطبية الإيرانية بشدة. ومنذ ذلك الحين لم ترد تقارير أخرى حول هذه المسألة، في وقت تواصل فيه الصين جهودها لتطوير لقاح دون أي ذكر لإيران.
وتحدثت تقارير أخرى عن تعاون مماثل مع روسيا أو احتمال شراء اللقاح من موسكو، وهو ما رفضه أيضا الخبراء الإيرانيون.
يذكر أن منظمة الصحة العالمية لم توافق على أي من اللقاحات المنتجة في الصين وروسيا.
بدوره، قال عضو اللجنة الحكومية الإيرانية لمكافحة فيروس كورونا مسعود مرداني في 7 كانون الأول/ديسمبر إن "العقوبات لن يكون لها تأثير على وصول [إيران] إلى لقاح فيروس كورونا". كما أكدت منظمة الصحة العالمية أنها ستزود إيران باللقاح.
وفي حديثه للمشارق، قال الصحافي الإيراني المقيم في واشنطن شاهين محمدي للمشارق إن ما يشيعه كبار المسؤولين حول منع العقوبات الأميركية إيران من الحصول على اللقاح هو مجرد "أكاذيب".
وتابع أن "إيران لديها سبل عدة للحصول على لقاح فيروس كورونا ولقاح الإنفلونزا وأية أدوية أخرى تحتاجها".
وأضاف "بين هذه السبل، إعفاءات وزارة الخزانة الأميركية لتصدير الأغذية والأدوية والآلية التي أنشأتها الولايات المتحدة مع سويسرا، إضافة إلى آلية إينستكس (INSTEX)، في إشارة إلى الآلية المالية الخاصة التي أنشأها الاتحاد الأوروبي للتبادل التجاري المحدود مع إيران.
في الواقع، من الطبيعي تماما لإيران أو الجمهورية الإسلامية أن تستخدم الدعاية. فلديها وصول ليس فقط إلى الأدوية واللقاحات، بل أيضا إلى موارد مالية جيدة. وهي تبيع الآن على الأقل 500 ألف برميل من النفط. يضاف إلى ذلك النفط الذي يرسل إلى سوريا والنفط المهرب، وأيضا موارد بيع المياه والرياح والتربة والغاز والبنزين والكهرباء ومناجم إيران. يمكن للمرء أن يقول إن الجمهورية الإسلامية لديها فعلا موارد مالية كثيرة، حتى في فترة فرض العقوبات. ويكمن سبب لجوء الجمهورية الإسلامية إلى الدعاية وإلقاء اللائمة في مشاكلها على العقوبات، في واقع أنه يتم إنفاق الموارد المالية التي تجنيها من بيع المناجم على المنطقة. لذا، فهي تريد أن تغطي على عدم كفاءة النظام. باختصار، يوجد مال ولقاحات، لكن ليس للشعب.
الرد1 تعليق