لم تعد الآلة العسكرية للنظام السوري سوى ظلًا لما كانت عليه سابقا بعد أن أنهتكها حرب عمرها عقد من الزمن، وباتت اليوم تعمل بدعم من قوى خارجية وتحت سيطرتها، منها على وجه الخصوص إيران وروسيا، حسبما أكد محللون.
فهذه القوات لم تعد تعمل كجيش متماسك بل أصبحت عبارة عن مزيج من القوات النظامية والميليشيات المتحالفة معها، تتنافس قوى خارجية للسيطرة على كل منها واستخدامها لتنفيذ أجنداتها الخاصة.
وفي هذه الدولة المفككة، واجهت القوات الموالية للنظام في الصحراء الشرقية (البادية) سلسلة من الهجمات التي شنها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وعلى سبيل المثال، نصب عناصر داعش في 8 شباط/فبراير الجاري كمينا لقافلة لقوات النظام في محافظة دير الزور، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 26 من جنودها ومن عناصرالميليشيات المتحالفة معها، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتعرضت حافلات قوات النظام في شرقي سوريا لسلسلة من الكمائن في أواخر كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير، قتل خلالها العشرات من جنود النظام على أيدي داعش.
ومنذ آذار/مارس 2019، أسفرت هجمات تنظيم داعش عن مقتل أكثر من 1200 من مقاتلي النظام والميليشيات المتحالفة معه.
ويقول محللون إن هذه الهجمات تؤشر إلى أحد أمرين: إما أن الدعم الروسي لقوات النظام السوري مقصر بشدة، أو أن دعم النظام السوري لا يشكل أولوية بالنسبة لروسيا فيما تسعى لتحقيق أهداف إقليمية أوسع.
وتشمل هذه الأهداف السيطرة على موارد سوريا الطبيعية وموانئها.
تفريغ قوات النظام
وعلى الرغم من أن الأحداث الأخيرة سلطت الضوء على هذا الوضع، إلا أن تفريغ الجيش السوري بدأ منذ اندلاع الحرب.
ففي السنوات الأولى من الصراع، عانت قوات النظام من سوء الإدارة والفرار من الخدمة وخسائر فادحة بالعتاد والأفراد في المعارك، بحيث أوشك الجيش على الانهيارمع حلول عام 2013.
وفي عام 2015، تدخل النظام الروسي وبدأ عملية إعادة بنائه.
وكما حلت جهود الإنقاذ هذه بعضا من مشاكل الرئيس السوري بشار الأسد، فإنها وضعته أمام مشاكل أخرى أبرزها قلب الهيكلية الذي كان يعتمدها للقيادة والسيطرة عبر تعيين مسؤولين روس في المناصب العليا.
واستكمل النظام نفسه تمهيد الطريق أمام ارتهانه الكامل.
فقد أصدر الأسد المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2013، الذي أتاح ترخيص الشركات الأمنية الخاصة، موفرا بذلك للقوى الخارجية آلية تمكنها بشكل قانوني من التمتع بوجود مسلح لها داخل سوريا.
وفي تقرير صدر في تموز/يوليو 2019، أشار معهد الشرق الأوسط إلى أن "هيمنة الوحدات شبه العسكرية واعتماد النظام عليها" أضعف قدرة القيادة العليا للجيش العربي السوري على تنسيق العمليات الهجومية والدفاعية.
وجاء في التقرير أن انتشار هذه الميليشيات خلق "تحديا خطيرا" لقدرة النظام على "حفظ النظام العام في المناطق التي يسيطر عليها".
الميليشيات تتمع بنفوذ كبير
وفي هذا السياق، قال صالح العفيسي، الضابط السابق بالجيش السوري الذي انشق عنه لينضم إلى الجيش السوري الحر المعارض في حلب، إن الميليشيات التابعة لروسيا وإيران تسيطر على معظم مناطق النظام.
وأضاف أنه "حتى الميليشيات الموالية للنظام التي ظهرت في بداية [الصراع السوري] انقسمت ولاءاتها الآن بين إيران وروسيا"، مشيرا إلى أن جنود النظام ليس لهم أية سلطة على الأرض.
وأكد أنه على "الجنود النظاميين التنسيق مع الميليشيات، حتى أن بعض المناطق ممنوعة عليهم بشكل كامل".
وتابع أن الجيش السوري عانى من الانشقاقات والتهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى هذه المشاكل، يتزايد عدد الشباب الذين يختارون الانضمام إلى الميليشيات بدلا من الجيش الوطني.
وفي حين ساهم تجنيد مقاتلي المعارضة السابقين في زعزعة استقرار الجيش، فشل النظام في الوقت عينه في جعل القوات النظامية خيارا جاذبا لعناصر الميليشيات الذي يسعى إلى إعادتهم إلى حظيرته.
من جانبه، قال الناشط من دمشق محمد البيك إن قدرات الجيش السوري تراجعت كثيرا خلال السنوات الماضية إذ انخفض عديده الإجمالي إلى 140 ألف جندي وضابط ومجند بعد أن كان في العام 2011 أكثر من 600 ألف.
وأردف أنه "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدد الجنود الذين يجب أن ينتشروا على طول الحدود وعلى الجبهات الداخلية، نجد أن العدد غير كاف على الإطلاق، هذا بالإضافة الى تراجع القدرات وغياب أي مخطط استراتيجي عام".
وتحدث عن انهيار المعنويات بسبب عجزالنظام عن دفع سوى رواتب شهرية ضئيلة للجنود "بالكاد تكفيهم لتأمين معيشتهم بضعة أيام".
وأشار إلى أن عناصر الميليشيات يتقاضون نحو ضعف رواتب القوات النظامية، وقد تمكن الكثير منهم من زيادة دخلهم عبر السيطرة على نقاط التفتيش.
وفيما يتقاضى جنود النظام ما يكفي بالكاد لتأمين لقمة العيش، "فهم يدركون تماما أن الميليشيات التابعة لإيران وروسيا تدفع لعناصرها رواتب مجزية مقارنة برواتبهم"، على حد قوله.
ويدركون أيضا، وفقا له، أن الأمر الفصل "هو للميليشيات التي تقاتل إلى جانبهم وليس لهم أو لضباطهم، ما يجعلهم في وضع غير مستقر".
روسيا وإيران تسعيان لتحقيق مكاسب
وفي تقرير صدر في أيلول/سبتمبر الماضي بعنوان "لم تعد موثوقة بعد الآن؟ الوضع الراهن للقوات المسلحة السورية"، أشار المجلس الأطلسي إلى الثمن الباهظ الذي دفعه النظام السوري مقابل تلقيه مساعدة خارجية.
ولفت التقرير إلى أنه "في الوقت الذي عززت فيه موسكو وطهران فعالية الجيش السوري في ساحة المعركة وأوقفتا خسائره على الأرض، فقد تحقق هذا الانتصار بثمن باهظ مع تراجع احتكار نظام الأسد لوحده السيطرة على الجيش".
وذكر التقرير أن "القوتين الأجنبيتين تشاركان بشكل متزايد حتى في تعيين كبار الضباط وقادة الوحدات ورئاسة قيادة المخابرات".
"كما عملتا، وأحيانا بشكل تنافسي، على مأسسة العديد من الميليشيات ودمجها في هيكل قيادة الجيش السوري".
وأضاف أن "صناعة القرار المرتبطة بالاستراتيجيات العملياتية تسيطر عليها روسيا بشكل كامل تقريبا، وبدرجة أقل إيران". وأوضح أن "وحدات الجيش السوري المرتبطة بإحدى هاتين القوتين الأجنبيتين، تشارك بشكل متزايد في المعارك التي تخطط لها وتديرها قوات أو مستشارو حليفهم الخارجي".
ونتيجة لذلك، أكد التقرير أنه "يمكن الافتراض أن موسكو تؤثر أيضا على تخصيص الموارد داخل الجيش".
وأوضح مركز كارنيغي للشرق الأوسط في تقرير صدر في آذار/مارس 2020 بعنوان "كفاءة القوات المسلحة السورية: تحليل للمساعدة الروسية"، أن "روسيا اختارت العمل مع الجيش النظامي، وتركت القوات غير النظامية تحت سيطرة النفوذ الإيراني".
وذكر التقرير أن"الخطط الروسية لتوحيد القوات تحت قيادة واحدة تتعارض بشكل مباشر مع مصالح إيران التي تعتمد عليها سوريا بسبب شبكتها الواسعة من التشكيلات الموالية وغير النظامية".
"هذه التشكيلات تمولها إيران، وبالتالي فهي أكثر إخلاصا لطهران منها لدمشق. إن الكلمة الأخيرة في تكوين الجيش النظامي ستبقى مع روسيا، ومن غير المرجح أن تكون موسكو مستعدة للتنازل أمام إيران في هذه المسألة".