بعد مرور نصف عام من المظاهرات التي اعترفت بها إيران الآن وأودت بحياة أكثر من 200 شخص، تخشى جماعات حقوق الإنسان أن تكون الخسائر الحقيقية الناتجة عن الحملة القمعية أكبر بكثير وأن لا أحد سيقدم للعدالة.
وقد اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران خلال الفترة من 15 إلى 19 تشرين الثاني/نوفمبر بعد ارتفاع مفاجئ في أسعار الوقود، وذلك فيما اعتبر في أعنف حركة احتجاجية للمعارضة للمواطنين منذ "الحركة الخضراء" عام 2009 التي هزت الجمهورية الإسلامية في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها.
ويقول نشطاء إن الحملة القمعية الأخيرة على المظاهرات، مصحوبة بتعتيم شبه كامل على الإنترنت، كانت أكثر شراسة من تلك التي وقعت قبل عشر سنوات.
وللمرة الأولى هذا الشهر اعترفت إيران بوقوع قتلى مدنيين على نطاق واسع.
وقال مجتبى زولنور، رئيس لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية بالبرلمان الإيراني، في الأول من شهر حزيران/يونيو إن 230 شخصاً قتلوا - بينهم ستة من أفراد قوات الأمن.
لكن منظمة العفو الدولية أصدرت تقريراً في شهر أيار/مايو أثبتت فيه حدوث 304 حالة وفاة للمتظاهرينوالتي وصفتها بأنها لم تكن بأي حال من الأحوال حصيلة نهائية، كما دعت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى فتح تحقيق في حوادث القتل التي وقعت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
من جهتها أشارت راحة بحريني، باحثة في الشؤون الإيرانية في منظمة العفو الدولية، إلى أن المنظمة "تعتقد أن العدد الحقيقي للوفيات أعلى بكثير مما أعلنوه".
وأضافت "تقريرنا يثبت حالات الوفيات بين الرجال والنساء والأطفالالذين استطعنا توثيقها. ولا تزال السلطات تخفي الحقيقة بشكل فعال".
وقالت إن السلطات الإيرانية لم تقدم أية تفاصيل - سواء تعلق الأمر باأسماء الضحايا أو أعمارهم أو أجناسهم.
وأردفت تقول إن "البيان الرسمي الأخير يعكس استمرار استراتيجية السلطات في إنكار وتشويه الحقيقة والهروب من المساءلة والعدالة".
كما أكدت بحريني أن "الإفلات من العقاب في إيران مسألة راسخة لدرجة أنه لا يوجد احتمال في المستقبل القريب بإجراء تحقيقات جنائية محلية".
’التحقق من كل حالة‘
ويأتي التحقيق في كيفية تعامل إيران مع نتائج المظاهرات في لحظة صعبة لقيادتها.
ففي الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها في أزمة خانقة، تفاقمت بسبب العقوبات، أثار إسقاط طائرة أوكرانية في شهر كانون الثاني/يناير مزيدًا من الاحتجاجات؛ فيما أدى انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد- 19) الجديد إلى فقدان الأرواح ومزيد من المعاناة الاقتصادية.
في نفس السياق، تشكو جماعات حقوق الإنسان خارج إيران من عدم التحقيق مع أي شخص من أي رتبة حتى الآن.
وبحسب منظمة العفو الدولية، قتل جميع الضحايا، باستثناء أربعة، برصاص قوات الأمن الإيرانية.
وكانت الطلقات التي توجه إلى الرأس أو الرقبة أكثر أسباب الوفاة شيوعًا.
في هذا الشأن، قالت شادي الصدر، وهي محامية ترأس مجموعة المساءلة عن العدالة لإيران "بإعلان هذا الرقم، لم يعترفوا بأخطائهم وانتهاكهم للحق في الحياة".
وقالت "عليهم فتح تحقيق في كل حالة فردية".
وقد صنف أمر صادر عن مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي الضحايا إما على أنهم كانوا من المتفرجين أو المتظاهرين ممن يحملون أسلحة أو أولئك الذين كانوا عزلا.
وأشارت الصدر إلى أن الأمر اعتبر جميع عمليات القتل قانونية ولم يوص بأي تحقيق.
وقال تقرير اللجنة المشتركة الدولية "الأمر الوحيد المتبقي للسلطات هو تصنيف الضحايا ونوع الفئة التي تنتمي إليها من بين الأشخاص الذين قتلوا بشكل قانوني كما هو مبين في القوانين الإيرانية".
ويعتبر القتللى من المارة شهداء يستوجب أن تتلقى أسرهم تعويضات منتظمة من الدولة.
وستحصل عائلات الذين قتلوا أثناء المظاهرات بدون أسلحة على أموال الدم - المعروفة باسم الدية - وهي ممارسة شائعة في إيران.
في هذا الصدد قالت الصدر إن "الحكومة أسكتت العديد من العائلات باستخدام أساليب مختلفة"، والتي تضمنت أيضا ابتزاز الناس للتوقيع على تعهد بالصمت قبل السماح لهم برؤية جثة أحبائهم.