حقوق الإنسان

خبراء يشككون في دقة حصيلة المظاهرات في إيران

سينا فرهادي

تجمع لمتظاهرين إيرانيين حول نار مشتعلة خلال تظاهرة نظمت للاحتجاج على ارتفاع أسعار المحروقات في طهران في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. [وكالة الصحافة الفرنسية]

تجمع لمتظاهرين إيرانيين حول نار مشتعلة خلال تظاهرة نظمت للاحتجاج على ارتفاع أسعار المحروقات في طهران في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. [وكالة الصحافة الفرنسية]

بعد أشهر من قمع عنيف لتظاهرات نظمت جراء ارتفاع سعر المحروقات، قدم المسؤولون الإيرانيون أخيرا حصيلة رسمية وأقروا بمقتل بعض الأشخاص لأسباب مجهولة.

وقال خبراء في الشأن الإيراني للمشارق إنه مع أن هذا الإقرار يشكل تحولا عن الموقف السابق للنظام، إلا أن البعض يشعرون أنه غير كاف بينما يدعي آخرون عدم صحة هذه الحصيلة الرسمية مشيرين إلى أنها في الواقع أكبر بكثير.

وانطلقت تظاهرات في مختلف أنحاء البلاد في 15 تشرين الثاني/نوفمبر عقب صدور قرار صادم برفع سعر المحروقات بنسبة وصلت إلى 200 في المائة.

وبعد أكثر من 6 أشهر أي في 1 حزيران/يونيو، أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني النائب مجتبى ذو النور أن 230 شخصا قتلوا فيما أصيب الآلاف في التظاهرات.

أقر وزير الداخلية الإيرانية عبدالرضا رحماني فضلي مؤخرا أن 45 متظاهرا قتلوا بأسلحة غير قياسية. [الصورة من موقع فضلي الإلكتروني]

أقر وزير الداخلية الإيرانية عبدالرضا رحماني فضلي مؤخرا أن 45 متظاهرا قتلوا بأسلحة غير قياسية. [الصورة من موقع فضلي الإلكتروني]

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية على لسان ذو النور، أن 6 من بين الـ 230 شخصا الذين لقوا حتفهم، كانوا "أفرادا رسميين وعناصر من القوات الأمنية".

وادعى أن 20 في المائة من القتلى كانوا "عناصر مهمتهم حفظ النظام والسلام" من قوات الشرطة والأمن والاستخبارات وقوة الباسيج المقاومة، وهي مجموعة شبه عسكرية تستخدم للأمن القومي.

وتابع أن 7 في المائة "قتلوا في مواجهات مباشرة مع قوى الأمن"، واصفا إياهم بالمشاغبين المسلحين، بينما قتل 26 في المائة آخرين "لأسباب مجهولة".

وادعى ذو النور أيضا إصابة نحو 2000 مدني و5000 عنصر من القوات المنتشرة على الأرض لإنفاذ القانون والنظام.

وكان وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي قد أشار في 30 أيار/مايو إلى أن بين 200 و255 شخصا قتلوا في التظاهرات، مدعيا أن 40 أو 45 منهم قتلوا "بأسلحة غير قياسية".

وقبل ورود هذه التصريحات، كان المسؤولون الإيرانيون قد نفوا مرارا وتكرارا حصيلة القتلى التي تداولتها وسائل الإعلام الأجنبية والمجموعات الحقوقية، واصفين إياها بأنها مجرد "أكاذيب" مع تقاذف مسؤولية الإبلاغ عن العدد الرسمي بين مختلف الهيئات الحكومية.

أرقام الحكومة ʼغير موثوقةʻ

وفي هذا السياق، ذكر الطالب والناشط علي زنجاني للمشارق أن "الحصيلة التي أصدرها المسؤولون الحكوميون مؤخرا غير موثوقة".

وقال إن التظاهرات حصلت قبل 6 أشهر، "ولا يُسمح لأي مصدر مستقل بزيارة إيران والتحقيق في هذه المسألة".

وتابع "طوال فترة طويلة من الزمن، امتنعت السلطات المعنية عن تقديم أي معلومات عن هذه المسألة، وتلقى الصحافيون تهديدات فور السؤال عنها.

وعلى سبيل المثال في كانون الأول/ديسمبر الماضي، طرح أحد المراسلين السؤال التالي على المدعي العام الإيراني: "يسأل الشعب عن سبب عدم الإعلان عن حصيلة القتلى".

فرد المدعي العام بغضب "هل أنت ممثل عن الشعب؟"

وأوضح زنجاني أنه لم يكن مسموحا ولا يزال من غير المسموح للصحافة نشر أي أخبار أو تقارير مستقلة في هذا الشأن، مشيرا إلى أنه "وجهت تهديدات إلى كل العائلات ولا مجال للعديد منها للتواصل مع أي وسيلة إعلام لإسماع صوتها".

وتساءل "في مثل هذا الوضع، كيف يمكن الوثوق بهذه الأرقام؟"

وأشار إلى أن الطريقة الأفضل للتأكد من عدد الضحايا في هذه الظروف، تكمن في النظر إلى الأرقام التي سجلتها المستشفيات المحلية خلال التظاهرات.

وقال إنه "في حالة واحدة فقط" مثلا، قتل ما لا يقل عن 34 شخصا بعد أن نقلوا إلى مستشفى واحد في كرج. وتابع "يمكن بالتالي توقع ما حصل في عشرات المدن الأخرى ومئات المستشفيات".

ولفت إلى أن هذه الأرقام لا تشمل من قتلوا في الشوارع ولم تسلم جثثهم لعائلاتهم "إلا بعد فترة طويلة من الوقت"، قائلا إن "للحكومة الإيرانية تاريخ حافل بتزوير الإحصاءات وتلفيق الأكاذيب".

وأكد أن ذلك يظهر جليا في طريقة تعامل الحكومة مع أزمة فيروس كورونا المستجد، بحيث لم يتم تسجيل آلاف الوفيات بكوفيد-19 في الحصيلة الرسمية.

وذكر أن عناصر الحرس الثوري الإيراني متمركزون في المستشفيات "ويقررون عدد الوفيات [بفيروس كورونا] التي يمكن الإبلاغ عنها كل يوم".

وتابع أنه على هذا الأساس، "من السهل تصور حجم الأكاذيب التي تم تلفيقها عن تظاهرات تشرين الثاني/نوفمبر".

عائلات المتظاهرين محرومة

وفي هذا السياق، قالت الصحافية مينا بشيري المقيمة في طهران للمشارق "لا شك في أن حصيلة القتلة في تشرين الثاني/نوفمبر تتجاوز إلى حد كبير عتبة الـ 230 قتيل، مشيرة إلى أن منظمة العفو الدولية قد وثقت ما لا يقل عن 304 وفاة.

وقالت إنه عندما تتمكن منظمة خارج إيران من تحديد أكثر من 300 حالة وفاة بمجرد التواصل مع العائلات التي تأثرت بعمليات القتل، من المنطقي التفكير أن تحقيقا مستقلا كان ليكشف عن عدد أكبر من الضحايا.

ولفتت إلى أن العديد من هؤلاء الضحايا يتحدرون من عائلات ريفية فقيرة لا وصول لها إلى منظمات مثل منظمة العفو الدولية، حتى عبر الإنترنت، ولم تتمكن من الإبلاغ عما حل بها.

وقالت بشيري إنه باعتبار حجم التظاهرات في إيران، "أعتقد أن الأرقام التي قدمتها الحكومة هي خاطئة تماما".

ورجحت أن يكون تقرير صدر عن رويترز وتحدث عن حصيلة بـ 1500 قتيل، أكثر دقة. وقالت إنه بافتراض أن الحصيلة الرسمية صحيحة، "فماذا يعكس قتل 230 شخصا، غير وحشية وإجرام الحكومة الإيرانية؟"

وذكرت أنه حتى لو اعترف كبار المسؤولين بأن ثلاثة أرباع هذا العدد أي نحو 170 شخصا، قتلوا على يد الحكومة، "فهل يمكن فعلا من وجهة نظر الحكومة الدفاع عن مجزرة راح ضحيتها 170 شخصا؟"

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500