نواكشوط، موريتانيا - قال مراقبون إن مقتل مدير الديوان التابع للرئيس المالي الانتقالي و3 آخرين في الآونة الأخيرة، يدل على فشل المهمة المزعومة لمجموعة المرتزقة الروسية فاغنر.
يُذكر أن مجموعة فاغنر التي هي كناية عن شركة أمنية خاصة يقودها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، موجودة في مالي حاليا لمكافحة الإرهاب بحسب ما يزعمه حكام البلاد العسكريون وحليفتهم روسيا.
وبحسب المعومات، أبرمت مجموعة المرتزقة عام 2021 عقد شراكة مربح مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، مع نشرها ما يقدر بـ 2000 عنصر تابع لها لحماية قادة البلاد وقمع النشاط المتطرف.
ويقال إن فاغنر تتلقى شهريا مبلغا من المال قدره 10 ملايين يورو (11 مليون دولار) مقابل خدماتها شبه العسكرية.
ولكن قال مراقبون مطلعون على الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل بإفريقيا، إن الهجوم الذي نفذته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة في نيسان/أبريل الماضي يثبت فشل مجموعة فاغنر في مهمتها المزعومة.
وأسفر الهجوم الذي تبنته الجماعة المتطرفة في 18 نيسان/أبريل، عن مقتل 3 من مرافقي الرئيس المالي العسكريين قرب الحدود الموريتانية، إضافة إلى عمر تراوري مدير ديوان رئيس المجلس العسكري في مالي العقيد أسيمي غويتا.
وأعلنت الجماعة أيضا مسؤوليتها عن تنفيذ هجوم آخر في 19 نيسان/أبريل، أودى بحياة 7 جنود ماليين.
وقال المحلل الموريتاني بكاري سي أن هذه الهجمات "باتت تطرح المزيد من التساؤلات بشأن وجود فاغنر في مالي وبقية الدول الأفريقية التي تعتمد عليها".
وأكد أن هذا الحادث يشير إلى أن مجموعة فاغنر قد تكون "عاجزة فعلا عن حماية الرئيس المالي ومحيطه المقرب منه".
وتابع أنه في حال صح ذلك، فستكون "هذه مشكلة حقيقية لقادة حكومة مالي وستكون لها تداعيات أخرى في الدول التي تعتمد على عناصر فاغنر في حماية أمن قادتها".
وأوضح أن الاحتمال الثاني قد "يكمن في أن فاغنر لا يهمها أصلا حماية مصالح الحكومة المالية... وإنما تركز جهودها على حماية معادن الذهب واليورانيوم" في البلاد.
تصاعد هجمات القاعدة
وباعتبار الاحتمالين السابقين، أعرب محللون أمنيون عن مخاوفهم المتزايدة من تصاعد وتيرة الهجمات التي تشنها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على القرى المالية.
ورجح الباحث في شؤون الجماعات المسلحة سيد أحمد ولد أطفيل أن تزداد تلك الهجمات "استنادا إلى ضعف ردود الفعل الصادرة من الجيش المالي وعناصر فاغنر تجاه هجمات تنظيم القاعدة".
وأشار إلى أن "استراتيجية تنظيم القاعدة تقوم على استغلال نقاط الضعف الموجودة لدى العدو المفترض وهو الحكومة المالية وفاغنر، وبالتالي ستزيد من هجماتها الإرهابية على القرى والأماكن الأخرى".
وذكر أنه سيشن الهجمات "ليشتت انتباه الدولة المالية وليثبت للسكان عجز [حكومتهم] عن توفير الأمن، بل وتورطها في جلب العدو الخارجي ممثلا في عناصر فاغنر".
وفي هذه الأثناء، ساهم حضور عناصر فاغنر في مالي بإضعاف التنسيق الأمني بين باماكو وبقية جيرانها.
ولفت أطفيل إلى انسحاب مالي من "مجموعة دول الساحل الخمس" ومن القوة العسكرية المشتركة التابعة لها.
وتنطبع أيضا علاقات قادة باماكو مع الدول الغربية بالتوتر، علما أن قوات هذه الدول تساعد في حفظ الأمن ضمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما).
هذا وصوت البرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء، 9 أيار/مايو، على قرار يدعو الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف مجموعة فاغنر رسميا على أنها "جماعة إرهابية".
وفي هذا السياق، قال النائب بنجامين حداد "أينما عمل عناصر فاغنر، تراهم ينشرون عدم الاستقرار والعنف. إنهم يقتلون ويعذبون ويذبحون وينهبون. يرهبون ويتلاعبون بالناس وهم يتمتعون بحصانة شبه كاملة".
ولفت إلى أنهم ليسوا مجرد مرتزقة تحفزهم "الرغبة في المال"، بل "يتبعون استراتيجية أوسع تمتد من مالي إلى أوكرانيا لدعم السياسات العدوانية لنظام الرئيس (فلاديمير) بوتين".
ألمانيا تستعد لسحب قواتها
أما ألمانيا التي تساهم منذ العام 2013 بنحو ألف عنصر في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، فقررت سحب قواتها من مالي خلال الأشهر المقبلة.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في بيان صدر بتاريخ 4 أيار/مايو، "شئنا أم أبينا، ما يحصل في منطقة الساحل يؤثر علينا".
وذكر الصحافي بشير ولد ببانه أن هذه "إشارة واضحة إلى اضطراب الأوضاع الأمنية الناجمة عن وجود فاغنر".
وأكدت الحكومة الألمانية عزمها الوفاء بتعهدها لجهة تعزيز الأمن في منطقة الساحل من خلال تعديل مسار التزامها المتعلق بالأمن تجاه دول النيجر وموريتانيا وخليج غينيا.
وكانت برلين قد أعلنت قرار انسحابها من مالي في نهاية عام 2022، معللة ذلك بالظروف التي لم تعد مؤاتية لاستمرار مشاركتها في البعثة.
وجاء ذلك بعد أن ألغى حكام مالي العسكريون الذين استولوا على السلطة في باماكو عام 2020 التحالف مع فرنسا وشركائها الأوروبيين في مكافحة الإرهاب، واختاروا بدلا عنه تحالفا عسكريا وسياسيا مع روسيا.
وبدوره، اعتبر الصحافي النيجيري كريم ميغا أن هذه الخطوات أضرت أكثر مما أفادت أمن منطقة الساحل.
وأوضح أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تنتشر في المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر، مضيفا أن الجماعات الإرهابية كثفت هجماتها مؤخرا في مالي ودول الساحل الأخرى.
ويسعى حكام مالي العسكريون إلى إخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها جراء الانقلاب العسكري الذي قادوه عام 2020 ضد حكم الرئيس بوبكر كيتا.
وكانت الحكومة الانتقالية قد حددت يوم 18 حزيران/يونيو المقبل موعدا لتنظيم استفتاء على الدستور الجديد للبلاد، أي بعد شهرين من إلغاء موعده الذي كان مقررا في 19 آذار/مارس الماضي.