قال مراقبون إن اعتقال وسجن صحافي أميركي في روسيا مؤخرا بتهمة "التجسس" يسلط الضوء على أوجه تشابه بين الاعتقالات من هذا النوع التي تنفذها كل من روسيا وإيران والدوافع الكامنة وراءها.
واستخدمت الدولتان هذه الاستراتيجية بشكل ممنهج كوسيلة لترهيب المعارضين أو لاستخدام السجناء كأوراق ضغط للحصول على تنازلات من بلدانهم الأم، كالإفراج عن الأموال المحجوبة أو تبادل الأسرى.
وتم بتاريخ 29 آذار/مارس في يكاترينبورغ اعتقال مراسل صحيفة وول ستريت جورنال إيفان غيرشكوفيتش البالغ من العمر 31 عاما والذي يغطي أخبار روسيا لصالح الصحيفة المعروفة عالميا، بتهمة التجسس وقد نفى هو والصحيفة بشدة هذه التهمة.
ويعتبر غيرشكوفيتش المتحدر من والدين منفيين ولدا في الاتحاد السوفياتي، أول صحافي أميركي يحتجز في روسيا بتهمة التجسس منذ نهاية الحرب الباردة.
وقبله، كان آخر صحافي أميركي محتجز في روسيا هو مراسل يو إس نيوز آند وورلد ريبورت في موسكو نيكولاس دانيلوف الذي اعتقل عام 1986 بتهمة التجسس واحتجز في سجن تابع للاستخبارات السوفيتية مدة 13 يوما.
وتم في روسيا أيضا إلقاء القبض على نجمة الرابطة الوطنية الأميركية لكرة السلة للسيدات بريتني غرينر يوم 4 آذار/مارس 2022، لحملها كمية صغيرة من زيت القنب وحكم عليها بالسجن 9 سنوات.
وفي 8 كانون الأول/ديسمبر، أجرت روسيا والولايات المتحدة عملية تبادل للأسرى، تمت خلالها مقايضة غرينر بتاجر أسلحة روسي هو فيكتور بوت.
في وقت سابق من العام 2022، أطلق أيضا في عملية تبادل سجناء مع روسيا سراح العنصر السابق في مشاة البحرية الأميركية تريفور ريد.
ولا يزال مواطنان أميركيان آخران قيد الاحتجاز في روسيا، أحدهما عنصر سابق آخر في مشاة البحرية الأميركية المدعو بول ويلان الذي اعتقل عام 2018 بتهمة التجسس وأمضى حتى الآن 5 سنوات في السجن من عقوبة مدتها 16 عاما.
وبدوره، اعتقل مارك فوغل، 61 عاما، في آب/أغسطس 2021 عندما حاول الدخول إلى روسيا وبحوزته كمية صغيرة من الماريوانا الطبية وكان يحمل وصفة طبية تجيز له استخدامها.
ومنذ العام 2017، قامت روسيا كل سنة باحتجاز مواطن أميركي واحد على الأقل، وفقا لتقرير صدر في أيلول/سبتمبر 2022 عن حملة إعادة أهلنا إلى الوطن.
وفقا لتقرير صدر عن الإذاعة الوطنية العامة في نيسان/أبريل، أقدمت موسكو على اعتقال عدد متزايد من المواطنين الأميركيين.
أساليب روسية في إيران
يُذكر أن إيران شهدت على مر السنين عمليات اعتقال وسجن عدد من الرعايا الأجانب وذوي الجنسية المزدوجة. وكما هي الحال في روسيا، اتهم العديد منهم بالتجسس.
وقال محللون مطلعون على الوضع إن أوجه الشبه بين أساليب الاعتقال والاستجواب والاعترافات القسرية والتعذيب، تشير إلى أن إيران تقلد روسيا السوفياتية وروسيا الحديثة في ملاحقة المعارضين.
وأوضح أستاذ علوم سياسة مقيم في إيران "إذا قرأتم عن الطرق التي تستخدم لاستجواب السجناء في روسيا السوفياتية كما في روسيا اليوم، تتضح لكم مباشرة أوجه الشبه بين ما يقوم به النظام الإيراني وما يفعله الروس".
وقال شريطة عدم الكشف عن هويته إن أحد الأعمدة الرئيسة لسلالة بهلوي التي حكمت إيران حتى عام 1979، كان تعزيز التعليم المناهض للماركسية ومحاربة انتشار وتمدد الشيوعية من الصين والاتحاد السوفياتي المجاور.
وذكر أن الناشطين الماركسيين والشيوعيين كانوا جزءا من الحركة المناهضة للملكية في الفترة التي سبقت الثورة الإسلامية عام 1979، عندما انضموا إلى المتعاطفين مع الثورة الإسلامية.
ومن جانبه، قال سجين سياسي إيراني سابق اعتقل بسبب أنشطته الماركسية في ثمانينيات العام الماضي، إنه في الأيام الأولى التي لحقت الثورة الإسلامية كان هؤلاء الناشطين "جزءا من آلة الدعاية ضد الشاه".
وأضاف للمشارق أنه من الواضح أنهم استعانوا بالدليل السوفياتي عندما وصل النظام الإيراني الحالي إلى السلطة.
وتابع "كانت النقاط المشتركة عديدة ومن الواضح أنهم كانوا يطبقون ما قرأوه وتعلموه".
احتجاز حاملي جنسية مزدوجة في إيران
ويقبع حاليا العديد من حاملي جنسية مزدوجة في السجن الإيراني ذات السمعة السيئة إيفين.
واعتقل رجل الأعمال والمدافع عن الحياة البرية مراد طهباز الذي يحمل الجنسية الإيرانية والأميركية والبريطانية، خلال حملة قمع ضد الناشطين البيئيين في كانون الثاني/يناير 2018.
وقد توفي زميله الكندي-الإيراني كافوس سيد إمامي بعد أسابيع قليلة من اعتقاله في ظروف مشبوهة.
واتهم مسؤولو النظام طهباز و7 آخرين من دعاة حماية البيئة بجمع معلومات سرية حول مناطق إيران الاستراتيجية تحت ستار مشاريع بيئية وبحثية.
ونقلت محطة بي بي سي عن خبراء بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة قولهم إنه "من الصعب فهم كيفية الربط بين العمل على الحفاظ على النباتات والحيوانات الإيرانية والقيام بأعمال تجسس ضد المصالح الإيرانية".
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، اتُهم طهباز و3 من زملائه بـ "الإفساد في الأرض" وهو اقتباس قرآني استخدم منذ الثورة الإسلامية عام 1979 لتبرير عقوبة الإعدام بحق السجناء السياسيين.
وتم تغيير التهمة لاحقا إلى "التعاون مع الدولة المعادية، الولايات المتحدة".
وللنظام تاريخ طويل في اتهام الناشطين السياسيين بـ"محاولة قلب نظام الحكم" بعد توجيه تهمة "الإفساد في الأرض" إليهم.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، ألقى الحرس الثوري الإيراني القبض على سياماك نمازي وهو مواطن أميركي-إيراني كان يعمل في شركة نفط الهلال ومقرها دبي.
وألقي القبض على والده المسن باقر في شباط/فبراير 2016، بعد حصوله على إذن لزيارة ابنه في سجن إيفين.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، حُكم عليهما بالسجن 10 سنوات بتهمة "التعاون مع دولة معادية أجنبية". وأفرج عن باقر نمازي في تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن ابنه لا يزال مسجونا في إيران.
كذلك، اعتقل المواطن السويدي-الإيراني أحمد رضا جلالي الأخصائي في طب الطوارئ في نيسان/أبريل 2016 أثناء قدومه من السويد.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه ظل في السجن مدة 7 أشهر، وقضى 3 منها في السجن الانفرادي قبل أن يُسمح له بمقابلة محام.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017، أدين جلالي بـ "نشر الإفساد في الأرض" وحُكم عليه بالإعدام. وقال محاموه إن قرار المحكمة استند إلى أدلة تم الحصول عليها بالإكراه.
وفي نيسان/أبريل 2021، ذكرت أنباء أنه نُقل إلى زنزانة يوجد فيها أشخاص آخرون. ولا يزال مسجونا، على الرغم من عدم الإعلان عن تاريخ لما وصفه مسؤولو المحكمة بإعدامه الوشيك.
ولا يزال مزدوجو الجنسية الآخرون رهن الاعتقال في إيران، وبينهم رجل الأعمال الأميركي-الإيراني عماد شرقي المتهم بالتجسس.
في غضون ذلك، أفرج في شباط/فبراير عن الأكاديمية الإيرانية-الفرنسية فاريبا عادلخاه التي اعتقلت عام 2019 بتهمة التآمر على الأمن القومي ونشر دعاية ضد الحكومة الإيرانية. ولكنها لا تزال عاجزة عن السفر مع رفض السلطات الإيرانية إعادة أوراقها الثبوتية إليها.
وقال أستاذ العلوم السياسة المقيم في إيران إن "الطرق المتشابهة التي تعتمدها إيران وروسيا لسجن واتهام من تخشاهما، تعكس طريقة إدارة الديكتاتوريات المتحالفة المنعزلة بلدانها".
وأضاف "في بعض الحالات، تفوقت طهران على موسكو في طريقة تعاملها مع السجناء من مزدوجي الجنسية، لكن أفكار القمع العامة متشابهة بشكل واضح".