تستخدم بيجين جيشا من المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي وتستغل نتائج محركات البحث لتضخيم معلومات مغلوطة حول الصين ونشرها، لا سيما تلك المتعلقة بوضع أقلية الأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانغ.
ودأبت الصين على استخدام المنصات الإلكترونية كغوغل وبينغ ويوتيوب وفيسبوك وتويتر وغيرها، لنشر السرديات الهادفة إلى إضعاف المؤسسات الديموقراطية وبث الأكاذيب للجمهور في جميع أنحاء العالم، حسبما أورد معهد بروكينغز يوم 6 تموز/يوليو.
وقال المعهد نقلا عن تقرير نشر في شهر أيار/مايو بالتعاون مع التحالف لتأمين الديموقراطية التابع لصندوق مارشال الألماني، إنه "فيما يتعلق بمجموعة كبيرة من المواضيع ذات الأهمية الجيو-سياسية، استغلت بيجين نتائج محركات البحث لنشر المحتوى الذي تروج له وسائلها الإعلامية الرسمية والتي تضخم المعلومات المضللة التي يروج لها الحزب الشيوعي الصيني".
وأضافت أنه من المرجح بالنسبة لمستخدمي الإنترنت الذين يتوجهون إلى محركات البحث للحصول على معلومات حول شينجيانغ أن "يصادفوا مقالات بشأنها نشرتها وسائل الإعلام الرسمية الصينية".
هذا وتُتهم بيجين باحتجاز أكثر من مليون من أبناء أقلية الأويغور وغيرهم من الجماعات الناطقة بالتركية، ومعظمهم من المسلمين، وذلك في المنطقة التي تقع في أقصى غربي البلاد في إطار حملة قمع مستمرة منذ سنوات وصفتها الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات ونشطاء حقوق الإنسان بأنها "إبادة جماعية".
وتقدم تقارير جديدة نشرت في شهر أيار/مايو الماضي حول مراكز الاحتجاز في شينجيانغ المزيد من الأدلة على انتهاكات الحقوق، بما في ذلك الوسائل العنيفة لفرض الاعتقال الجماعي والتعذيب و الاغتصاب الممنهج ، إضافة إلى التعقيم القسري وفرض العمل بالسخرة.
وتبين الأدلة أن القرار بتنفيذ هذه الانتهاكات قد يكون اتخذ من قبل السلطات العليا في بيجين، حسبما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس يوم 24 أيار/مايو.
وأضاف في إشارة إلى جمهورية الصين الشعبية، أنه "سيكون صعبا أن نتخيل أن ممارسات ممنهجة للقمع والاحتجاز وتنفيذ حملة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسان لا تحصل على المباركة، أو لا تحصل على الموافقة من أعلى السلطات في الحكومة الصينية".
إلا أن النظام الصيني ينكر وقوع انتهاكات ويصف المعسكرات بأنها "مراكز تدريب مهني" تدرّس مهارات تتصدى لمغريات التطرف الإسلامي.
وأوضح تقرير معهد بروكينغز أن زرع المنافذ الإعلامية الحكومية الصينية في نتائج محركات البحث، يلعب دورا رئيسا في جهد بيحين لقولبة رؤية الخارج حول ما يجري في شينجيانغ.
فعلى مدار أربعة أشهر بين تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وشباط/فبراير 2022، تتبع معهد بروكينغز والتحالف لتأمين الديموقراطية نتائج محركات البحث متتبعين المصطلحات المرتبطة بشينجيانغ.
ووجدا أن "21.5 في المائة من أهم النتائج في غوغل نيوز وبينغ نيوز تضمنت ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية الصينية، وأن ربع أهم نتائج على يوتيوب تضمنت حسابات تدعمها الدولة".
أما "بالنسبة لعمليات البحث على الويب، فكانت 6.5 في المائة من أهم النتائج تعرض محتوى وسائل إعلام الدولة".
ويعني ذلك أن المستخدمين الذين يسعون لمعرفة الوضع في شينجيانغ سيصادفون حتما المعلومات المضللة التي تنشرها وسائل الإعلام الرسمية الصينية.
المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي
إلى هذا، تسعى بيجين إلى قولبة آراء الأجانب حول الصين عبر مجموعة من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
فعلى إحدى قنوات اليوتيوب، يرسم الأب والابن البريطانيان لي وأولي باريت صورة متفائلة ومثيرة عن الحياة في الصين، ويردان أيضا على الانتقادات الموجهة ضد النظام الاستبدادي ويدافعان عن سياساته تجاه شينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان.
وفي فيديو حصل على أكثر من 277 ألف مشاهدة، قال لي باريت إن استخدام مصطلحات مثل "السخرة" و"الإبادة الجماعية" في مسألة شينجيانغ هو محاولة لاستمالة مشاعر الناس.
وأضاف أن "كل ما يأمل الغرب أن يفعله هو أن يزعزع استقرار منطقة شينجيانغ لإيقاف صعود نجم الصين".
وينشر شخصا مؤثرا آخر على اليوتيوب محتوى مشابها هو سيروس جانسن، مواطن يحمل جنسية أميركية-ألمانية مزدوجة يعيش في الصين .
وقال في فيديو حصل على أكثر من 440 ألف مشاهدة إن "لا أحد في الغرب كان يمكن أن يتخيل أن الصين ستحقق مثل هذا النجاح. ويشكل هذا النجاح السبب الأكبر وراء هجوم وسائل الإعلام الغربية الدائم على الصين".
وقال باريف أيضا عبر قناة بست شاينا على اليوتيوب "يقولون إبادة جماعية. إبادة جماعية. لا يوجد دليل على الإبادة الجماعية. لا يوجد دليل على الفظائع. اثبت زيف هذه المزاعم مرات عدة".
وتحاول هذه الفيديوات التي يظهر فيها رجال قوقازيون (بيض) يتحدثون بالإنجليزية إعطاء المصداقية للروايات التي يختلقونها.
وأوردت صحيفة نيويورك تايمز في 13 كانون الأول/ديسمبر "لكن على الجانب الآخر من الكاميرا، يقف جهاز كبير من المنظمين الحكوميين ووسائل الإعلام الإخبارية التي تسيطر عليها الدولة وغيرهم من المضخمين الرسميين، وكلهم جزء من محاولات الحكومة الصينية الواسعة لنشر الرسائل المؤيدة لبيجين حول الكرة الأرضية".
وقال صانعو المحتوى على اليوتيوب إنهم هم الذين يحددون ما يظهر في الفيديوات، وإن هدفهم هو مواجهة الرؤى السلبية المتزايدة عن الصين.
لكن حتى لو لم يروا أنفسهم كأدوات دعاية، فإن كادر بيجين من الدبلوماسيين "المحاربين الذئاب" يستخدمهم بهذه الطريقة. وعرض دبلوماسيون صينيون وموظفو سفارات وغيرهم من المسؤولين الفيديوهات في المؤتمرات الصحافية، وقاموا بتضخميها على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز أن المسؤولين الصينيين يستخدمون اليوتيوب وتويتر كـ "مكبرات صوت دعائية للعالم الأوسع"، علما أن كلاهما محجوبان في الصين لمنع الانتشار غير المتحكم فيه للمعلومات.
وقال إريك ليو، وهو منسق محتوى سابق لوسائل التواصل الاجتماعي الصينية، إن "الصين هي المنتهك العملاق الجديد الذي وصل إلى وسائل التواصل الاجتماعي العالمية. والهدف ليس الفوز بل إحداث الفوضى وإثارة الشكوك حتى يضيع الحق وسط الباطل".
جهود القضاء على الدعاية المضللة
يمثل استخدام الحزب الشيوعي الصيني للمؤثرين الأجانب تحديا متزايدا أمام منصات التواصل الاجتماعي العالمية وجهودها لتحديد الحسابات التابعة للدولة، حسبما قال المعهد الاسترالي للسياسة الاستراتيجية.
وأوضح المعهد أن المحتوى حول شينجيانغ الذي يعده مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي الأجانب "يُستخدم في إطار حملة دعاية عالمية أوسع من قبل الدولة الصينية لمواجهة التقارير المنتقدة لانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، وكثيرا ما يتم ذلك عبر التضخيم على منصات التواصل الاجتماعي الأميركية".
وأضاف أنه "بين كانون الثاني/يناير 2020 وآب/أغسطس 2021، نشرت حسابات خاضعة لسيطرة الدولة الصينية على منصات التواصل الاجتماعي الأميركية ما لا يقل عن 546 منشورا على الفيسبوك وتوتير وشاركت مقالات من مواقع قناة CGTN أو غلوبل تايمز أو شينغوا أو شاينا ديلي على الويب كانت قد ضخمت محتوى مواقع تواصل اجتماعي تتعلق بمنطقة شينجيانغ من 13 حساب من حسابات المؤثرين".
وذكر أن "الفيديوات التي يظهر فيها مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي الأجانب، كثيرا ما تكون هي المحتوى المفضل الذي تعيد الكيانات الحكومية الصينية صياغته ودعمه على شبكة الإنترنت".
ولطالما استخدم النظام الصيني كاستراتيجية له فكرة أن الدعاية التي يعدها الأجانب يمكن أن تكون فعالة على نحو خاص.
في خطاب له عام 2016، قال زهو لينغ الذي كان آنذاك رئيس تحرير صحيفة شاينا ديلي، "لقد كنا دائما نولي أهمية كبيرة لـ 'الاستعانة بالآخرين للتحدث نيابة عنا'، واستخدمنا الأصدقاء الدوليين لتقديم دعاية أجنبية".
وأوضح أنه لكي تكون الدعاية الصينية أكثر فعالية، ينبغي أن تمزج بين "ما نود أن نقوله" وبين ما يريد الجمهور الأجنبي أن "يسمعه".
هذا وبدأت شركات التواصل الاجتماعي في اتخاذ إجراءات ضد جهود بيجين على هذه الجبهة.
وفي هذا الإطار، أوردت مجموعة تحليل التهديدات التابعة لغوغل أنه تم إغلاق عشرات الآلاف من قنوات اليوتيوب التي تنشر الدعاية الصينية.
وفي كانون الثاني/يناير، أغلقت الشركة 4361 قناة على اليوتيوب في إطار تحقيقها المتواصل في عمليات التأثير المنسقة المرتبطة بالصين، وفي شهر شباط/فبراير، أغلقت 6103 قناة وفي آذار/مارس أغلقت 7304 قناة.
وفي شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو، أغلقت غوغل ما إجماله 5616 قناة على اليوتيوب تنشر معلومات مغلوطة حول مجموعة منوعة من المواضيع.
وفي شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، أغلقت شركة تويتر نحو 3500 حساب كانت تنشر دعاية مؤيدة للحكومة، وشكلت غالبيتها جزءا من شبكة تضخم السرديات الصينية المتعلقة بقمعها للمسلمين في شينجيانغ.
وفي الوقت نفسه تقريبا، أغلقت شركة فيسبوك أكثر من 500 حساب بعدما ضخمت منشورات من عالم زائف كانت وسائل الإعلام الحكومية الصينية قد استشهدت به.