كشف تحقيق أجري مؤخرًا أن شبكة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المزيفة تعمل على تشويه التصورات الدولية حول مجموعة متنوعة من القضايا المهمة، والدفع بالروايات المؤيدة للصين والطعن بمصداقية الآراء التي تنتقد القيادة الصينية.
وفي هذا السياق، أفاد مركز مرونة المعلومات ومقره المملكة المتحدة في 5 آب/أغسطس أن "عملية التأثير المنسقة على توتير وفيسبوك ويوتيوب تستخدم مزيجا من الحسابات المزورة والحسابات المعاد توظيفها".
وأضاف أن "الروايات التي تم تضخيمها في هذه الحسابات تشبه تلك التي روج لها مسؤولون بالحكومة الصينية ووسائل الإعلام المرتبطة بالدولة في الصين".
وتركز الشبكة على تحريف ما حصل ويحصل في الملفات الساخنة، كملفات جائحة كوفيد-19 وانتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ والخلاف السياسي في هونغ كونغ، إضافة إلى الصراعات الخارجية كالذي يجري في أفغانستان والقوانين الأميركية لحيازة الأسلحة.
وقال كاتب التقرير ومدير التحقيقات في مركز مرونة المعلومات بنجامين سترايك "يظهر بحثنا دليلا على وجود جهد متعمد لتشويه التصورات الدولية بشأن قضايا مهمة، وتتم في هذه الحالة لصالح الصين".
وأضاف أن المحتوى نُشر باللغتين الإنجليزية والصينية.
وأشار إلى أن الروايات التي تروج لها الشبكة تشبه إلى حد بعيد محتوى حسابات ممثلي الحزب الشيوعي الصيني ووسائل الإعلام الحكومية الصينية.
وتابع سترايك "يبدو أن هدف الشبكة هو نزع الشرعية عن الغرب من خلال تضخيم الروايات المؤيدة للصين".
وفي المجموع، قدر مركز مرونة المعلومات أن هناك ما بين 300 إلى 500 حساب على تويتر و40 إلى 55 حسابا وصفحة على فيسبوك و12 حسابا على يوتيوب.
إنكار حصول انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ
وتعمد بعض الحسابات إلى ترديد نفي حصول انتهاكات لحقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ بالصين، حيث يؤكد المجتمع الدولي أن بكين ترتكب إبادة جماعية.
فقد سجنت بكين أكثر من مليون من أبناء الأيغور وغيرهم من المسلمين التُرك ، إضافة إلى أبناء العرق الكازاخستاني والقرغيزي، فيما يصل إلى 400 مركز احتجاز تشمل معسكرات "التثقيف السياسي" ومراكز الاحتجاز قبل المحاكمة والسجون.
ويعيش ملايين آخرون في ظل نظام صارم من المراقبة والضوابط.
وبعد أن أنكرت بكين في البداية وجود المعسكرات، باتت اليوم تدافع عنها واصفة إياها بـ "مراكز تدريب مهني" تهدف إلى القضاء على الإرهاب وتحسين فرص العمل.
ومع ذلك، يدرك الكثيرون أن هذه المرافق هي مراكز اعتقال قسري شبهها بعضهم بـ "معسكرات الاعتقال".
وتستمع لجنة مكونة من تسعة محامين ومحللين حقوقيين مقيمين في المملكة المتحدة يطلق عليها اسم "محكمة الأيغور"، إلى أدلة من شهود كجزء من تحقيق مستقل حول ما إذا كانت الصين مذنبة بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في معاملتها للأيغور والأقليات المسلمة الأخرى في منطقة شينجيانغ.
ووفقا للمحكمة، تشمل التهم الموجهة للصين "القتل والأذى الجسدي أو العقلي الخطير، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والاسترقاق والفصل القسري للأطفال عن والديهم والتعقيم القسري والنقل القسري أو الترحيل والفصل العنصري والسخرة وإزالة الأعضاء بشكل قسري والاختفاء القسري وتدمير التراث الثقافي أو الديني والاضطهاد والزواج القسري وفرض رجال الهان الصينيين على أسر الأويغور".
ووصفت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المزيفة التي كشف عنها مركز مرونة المعلومات مثل هذه التهم بأنها "أكاذيب ملفقة من قبل الولايات المتحدة والغرب".
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في شباط/فبراير إن معاملة الصين للأقليات العرقية في شينجيانغ "مثال ساطع" على تقدمها في مجال حقوق الإنسان.
لكن الأدلة الواضحة على الاسترقاق والسخرة داخل مصانع القطن في شينجيانغ تثير حتى اليوم الاحتجاج العالمي، كما أثارت التحقيقات في الاغتصاب المنهجي والتعقيم والإساءة للنساء المسلمات الغضب الدولي.
أشخاص مزيفون ينشرون معلومات مضللة
وتمتلك الشبكة أيضا أوجه شبه قوية مع ما يسمى بشبكة الدعاية "Spamouflage Dragon" التي كشفت عنها شركة التحليلات الاجتماعية غرافيكا.
وكانت شركة غرافيكا قد كشفت وجود أنشطة لشبكة الدعاية على يوتيوب وتويتر وفيسبوك في أيلول/سبتمبر 2019. ولاحظت تركيزا على نشر معلومات مضللة عن كوفيد-19 في شباط/فبراير 2020. وأطلقت الشبكة الزائفة مقاطع فيديو باللغة الإنجليزية في حزيران/يونيو 2020.
وقالت غرافيكا إنه في النصف الثاني من عام 2020، أزالت منصات التواصل الاجتماعي الثلاث "كميات هائلة من التدوينات على Spamouflage، في غضون ساعات من نشرها".
"ومع ذلك، استمرت الشبكة وتطورت"، حسبما قالت في تقرير نشر في شباط/فبراير الماضي.
وقام مركز مرونة المعلومات بتحديد الهاشتاغات والتقنيات التي تفضلها الشبكات المكتشفة سابقا، مثل Spamouflage، ووجد المزيد من الحسابات التي أظهرت دلالات تشير إلى أنها جزء من عملية التأثير.
وعلى سبيل المثال، تستخدم العديد من الحسابات المزيفة صورا للملف الشخصي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وعلى عكس الصور المسروقة، لا يمكن تتبع الصور، التي تبدو واقعية ويتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، باستخدام البحث العكسي عن الصور.
وباتت هذه الوسيلة هي الأكثر شيوعا في حملات التضليل، إذ أصبح مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات أكثر قدرة على التعرف على الحسابات المشبوهة.
وقال المدير التنفيذي لمركز مرونة المعلومات روس بيرلي إن "الحسابات التي تم اكتشافها في عملية التأثير هذه على تويتر استخدمت مزيجا من تقنية StyleGAN لتوليد صور أشخاص للملفات الشخصية عن طريق التعلم الآلي، واعتمدت على شبكة أكبر بكثير من الحسابات التي تستخدم صورا تبدو أكثر واقعية وصورا متحركة وحسابات معاد توجيهها".
وقال " يبدو أن العديد من الحسابات على فيسبوك ويوتيوب أعيد استخدامها لأغراض أخرى".
ويشير استخدام الحسابات المعاد توجيهها إلى أن ملكية الحسابات تغيرت في وقت ما، إما من خلال الاستيلاء من مكبات كلمات المرور أو من خلال شرائها من بائع حسابات مسروقة، بحسب التقرير.
التملص من شبكة ’جدار الحماية العظيم‘
ومع حظر معظم شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسة في الصين بواسطة ما يسمى بشبكة "جدار الحماية العظيم"، عززت بكين وجودها الدبلوماسي على وسائل التواصل الاجتماعي واتخذت نهجا أكثر تصادمية لتشكيل التصورات حول الصين عبر الإنترنت.
ومنذ حوالي عامين، كان حضور الدبلوماسيين الصينيين محدودا جدا على موقع تويتر المحظور في الصين، إلى جانب يوتيوب وغوغل وفيسبوك.
أما اليوم، فقد أكد باحثون مستقلون أن نحو 200 سفارة أو قنصلية صينية تستخدم منصات التواصل الاجتماعي.
وهؤلاء الدبلوماسيون الذين يسمون "الذئاب المحاربة"، وهو اسم مشتق من سلسة أفلام صينية رديئة، يروجون لنظريات مؤامرة متضاربة بهدف زرع الفوضى وإلقاء اللوم على أطراف أخرى في كل المشاكل الداخلية والدولية.
وبدأت جهود بكين في الوقت الذي تصاعدت فيه الاحتجاجات المناهضة للصين في هونغ كونغ في آذار/مارس 2019، وازدادت قبل الانتخابات الرئاسية في تايوان في كانون الثاني/يناير 2020، وبلغت ذروتها في الأشهر التالية عندما أصبح من الواضح أن وباء كوفيد-19 يجتاح العالم.
وفي حين أن "الذئاب المحاربة" في بكين يروجون بشكل أساسي لمحتوى المواقع الإلكترونية والمنافذ الإخبارية المدعومة من النظام، فإنهم يستخدمون أيضا وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية والروسية، إضافة إلى "المؤثرين" الغربيين، كمصادر مصادقة خارجية أو "مستقلة"، حسبما أكد معهد بروكينغز للأبحاث في واشنطن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
فقد قال المعهد إنه "في غياب شبكة المؤثرين بالوكالة التي أنشأتها، لجأت الصين إلى استخدام وسائل الإعلام الحكومية والحسابات الحكومية الرسمية لروسيا وفنزويلا وإيران من أجل نشر الرسائل المعادية للغرب والتي تتماشى بشكل كبير مع المصالح الجيوسياسية للصين، عامدة بذلك إلى التملص من قدر من المسؤولية ومضيفة قدر آخر من الشرعية".