بيروت -- كشف شهر رمضان المبارك عن عمق وقع الأزمة الاقتصادية على اللبنانيين في ظل عجز الكثيرين عن توفير الحد الأدنى من أطباق الإفطار الرمضاني اليومي، وذلك بسبب الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية.
وفيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية من حبوب ولحوم وخضار، وفي كثير من الحالات "كنتيجة مباشرة لحرب روسيا على أوكرانيا، تدنت القدرة الشرائية للسكان، ما تسبب في موجة عارمة من المعاناة.
وكشف رمضان أيضا نسبة الفقر المتنامية في لبنان، والتي باتت تشمل نحو 80 في المائة من اللبنانيين وفقا لدراسة أعدتها دائرة الإحصاء المركزي وصدرت في آذار/مارس الفائت.
اعتادت المواطنة فاطمة شعيتو مؤخرا على التسوق بسوق خضار في البسطة ببيروت حيث تبحث عن المواد الأرخص ثمنا بين الأساسيات لإطعام عائلتها المؤلفة من 6 أفراد.
ومثل كثيرين في لبنان، لا يتجاوز راتب زوجها الشهري مليوني ليرة (أقل من مائة دولار حسب سعر صرف الدولار بالسوق السوداء التي تتحكم بالقيمة الفعلية للعملة).
وقالت شعيتو إن "هذا المبلغ بالكاد يسمح لنا بشراء الحد الأدنى من المواد الغذائية والبسيطة لأسبوع واحد. وأقبلنا على الشهر الفضيل بجيوب خاوية".
وأضافت المتوفر من المال لا يسمح لها بتأمين سفرة الإفطار التقليدية "الغنية بالمقبلات وأطباق اللحمة والدجاج والفاكهة والحلويات ومشروبات رمضان" التي كانت تتقاسمها مع الأقارب.
ولفتت شعيتو إلى أن كلفة تحضير مائدة رمضانية واحدة تحتاج لنحو 300 ألف ليرة لإطعام أولادها وجبة رئيسة بلا لحوم، مشيرة إلى أن سعر قارورة الغاز يبلغ نحو 300 ألف ليرة أيضا.
وبحسب دراسة نشرتها الشركة الدولية للمعلومات، فقد ارتفعت كلفة طبق الفتوش لخمسة أشخاص بنسبة 311 في المائة، وذلك في ظل زيادة أسعار مكوناته التي تضم البندورة والخيار والخس والبقدونس.
وتلقي شعيتو باللوم على الأوضاع الراهنة على المنظومة الحاكمة "وتحكّم دويلة حزب الله بالدولة، ما تركنا فقراء معدمين".
'إلقاء اللوم على حزب الله'
بدوره، قال الرجل السبعيني عبد دوغان، وهو من سكان بيروت، "نعيش اليوم تداعيات تحكم حزب الله بالدولة التي استسلمت له بالكامل".
وأضاف أن حزب الله اختطف القرار اللبناني، ودمر علاقات لبنان بالخليج بسبب مشاركته في حروب المنطقة، ما ساهم بتسارع الانهيار الاقتصادي في البلد.
واستطرد "نحن نعيش تبعات سياسة حزب الله"، مشيرا إلى أن شهر رمضان "كشف فقر المسلمين الذين يقتاتون للإفطار اليومي فتات الخضار وأطباقا خالية من اللحوم والدجاج".
وتابع "كنا نتغنى بسفرة رمضان، أما اليوم، نحن الفقر بعينه".
ودفع هذا الواقع الجمعيات الخيرية إلى المبادرة ومحاولة تعويض العجز على موائد الأهالي، عبر إعداد آلاف وجبات الإفطار وتوزيعها يوميا.
ومن بين تلك الجمعيات جمعية أجيالنا الشبابية التي تنشط مطابخها في بيروت والشمال والبقاع.
وفي هذا الإطار، أوضحت رئيسة الجمعية لينا الزعيم الدادا للمشارق، أن الجمعية كانت في السنوات الماضية تقدم إفطارا يوميا لخمسة آلاف عائلة.
أما اليوم، باتت الجمعية تقدم وجبات إفطار لـ 18 ألف عائلة يوميا، حسبما أضافت.
في المقابل، هناك 12 ألف عائلة مسجلة على منصة الجمعية على الإنترنت، ولكن الجمعية عاجزة عن تلبية حاجاتها.
وتابعت "للأسف، بات مجمل اللبنانيين فقراء، حتى الطبقة الوسطى اختفت وتطرق بابنا للحصول على المساعدات الطبية والاستشفائية وإيجار البيت والحصص الغذائية، واليوم الإفطار الرمضاني".
إلا أن الجمعية تعاني هي الأخرى من نقص التمويل في ظل الأزمة الاقتصادية ووسط تزايد الطلب على خدماتها، حسبما أوضحت.
أما في طرابلس، حيث تخطت نسبة الفقر 70 في المائة، اضطرت جمعيات مثل جمعية سوا مننجح لتقليص عدد الوجبات المقدمة بسبب غلاء المواد الغذائية وتراجع التبرعات.
ولفتت رئيسة الجمعية ديانا درنيقة إلى أن الجمعية "كانت تعد 2000 وجبة إفطار يومية، لكنها اليوم تقدم 500 وجبة فقط مكونة من شوربا وسلطة وطبق لحم رئيس وعصير وخبز وحلو".
وقالت "نقف اليوم عاجزين عن تلبية كل ما يردنا من طلبات لتقديم الإفطار اليومي".