القاهرة - تركت التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا تأثيرا كبيرا على الاقتصاد المصري، وقد ظهر ذلك بشكل كبير خلال شهر رمضان مع الارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية.
وإن ارتفاع تكاليف المعيشة الذي يحمّل كثيرون الحرب التي شنتها روسيا مسؤولية جزئية فيه لا سيما مع ما استتبعها من مشاكل في استيراد القمح وتوفره، أجبر معظم العائلات على خفض نفقاتها خلال الشهر الكريم.
وقال الخبير الاقتصادي في جامعة عين شمس، فخر الدين عوض الله إن الاقتصاد المصري كان بالكاد يخطو خطواته الأولى نحو التعافي في أعقاب جائحة فيروس كورونا، عندما تلقى ضربة جديدة من الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأوضح للمشارق أن هذه حال العديد من الدول، إلا أن مصر لربما تأثرت بشكل أشد كونها تواجه أصلا أزمة اقتصادية.
وعام 2016، مضت الحكومة المصرية قدما في تنفيذ خطة للتعافي الاقتصادي لمواجهة التحديات المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، تشمل هذه التحديات "مشكلة في ميزان المدفوعات تتجلى في سعر صرف مبالغ فيه ونقص في العملات الأجنبية [و]عجز كبير في الموازنة أدى إلى ارتفاع الدين العام".
وأضاف أن مصر تعاني من "نمو منخفض مع ارتفاع بمعدلات البطالة".
وأشار عوض الله إلى أنها تعاني أيضا من "تراجع عائدات السياحة وقيام العديد من المستثمرين بسحب استثماراتهم"، لافتا إلى أن الحكومة أجبرت على تطبيق حزمة تدابير استثنائية للتعامل مع هذا التراجع.
وكشف عن زيادة كبيرة في أسعار القمح والحبوب والأعلاف، ما أدى بدوره إلى موجة ارتفاع الأسعار في السوق المحلي طالت جميع المنتجات دون استثناء.
وأوضح أن "هذا الأمر انعكس على قدرة المواطن الشرائية خاصة بالنسبة للمواد الأساسية كاللحوم ومنتجات الطيور والزيوت والحبوب والبقوليات".
وأكد عوض الله أنه مع حلول شهر رمضان، ظهر هذا الأمر بشكل أكبر مع ارتفاع الطلب على السلع الأساسية.
ارتفاع قياسي في الأسعار
وفي ظل هذه الأوضاع، اشتكى خالد علي وهو صاحب متجر لبيع المنتجات الغذائية في القاهرة، من ارتفاع الأسعار منذ بداية الحرب الروسية.
وقال إن "أسعار اللحوم ارتفعت بنسبة تصل إلى 50 في المائة حيث تخطى سعر الكيلو الـ 300 جنيه مصري (9.70 دولار) والطيور والأسماك والزيوت والسكر والخبز بنسب تصل إلى 70 في المائة".
وأضاف أن تأثير ارتفاع الأسعار ظهر في أنماط التسوق قبل شهر رمضان، "حيث امتنعت معظم العائلات عن شراء حاجياتها التي تكفيها لكل الشهر وفضلت الشراء اليومي".
وأوضح أن بعضهم توقف عن شراء سلع معينة أو قلص كميات الأصناف الرمضانية إلى أقل من نصف ما كانوا يستهلكونه في السابق، مثل ياميش رمضان (أي الفواكه المجففة والمكسرات).
ومن جانبها، قالت سماح عمر وهي مدرّسة لغة إنجليزية في مدرسة خاصة بالقاهرة إن "شهر رمضان هذا العام كان قاسيا جدا".
وأوضحت عمر أن راتبها الشهري بالكاد يغطي نفقات أسبوع واحد فقط من الشهر الكريم.
وكشفت للمشارق أنه لولا الدخل الإضافي الذي تجنيه من الدروس الخصوصية، لما تمكنت على الإطلاق من تلبية احتياجات أسرتها خلال شهر رمضان.
وأكدت اضطرارها هذا العام إلى تغيير الكثير من عاداتها السابقة، مثل إعداد وجبة إفطار تضم العديد من الأطباق لتقتصرها اليوم على "صنف أساسي فقط، بالإضافة إلى نوع واحد من الحلويات وكذلك المشروبات".
تراجع التبرعات الخيرية
ومن جهته، قال إيهاب عبده الذي يعمل في مؤسسة خيرية توزع الطعام والوجبات الجاهزة خلال الشهر الكريم، إن المصريين الذين يعتمدون على التبرعات الخيرية خلال شهر رمضان يكتفون هذا العام بأقل مما كانوا يتلقونه سابقا.
وأوضح أن "التبرعات تقلصت هذا العام بحدود 40 في المائة بسبب الحالة الاقتصادية الناتجة عن تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما أثر بالتالي على مخططات التوزيع خلال هذا الشهر".
وأشار للمشارق إلى أن تراجع التبرعات من جميع المصادر يظهر أن "جميع المصريين تضرروا من تبعات الأزمة الأوكرانية".
وتوجب على المؤسسات الخيرية إعادة تقييم مستوى احتياج الأسر المدرجة في قوائمها من أجل تقديم التبرعات لمن هم في أمس الحاجة إليها، وخاصة في المناطق الريفية منخفضة الدخل.
وكشف عبده أنه تم اللجوء إلى تقديم حصص أصغر في الوجبات الجاهزة التي يتم توزيعها وقت الإفطار، وباتت هذه الوجبات "تقتصر على المواد الغذائية الضرورية للصائم والتي تؤمن له السعرات الحرارية الضرورية أولا".