بيروت -- أدى الفقر المدقع ونقص فرص العمل إلى إحباط اللاجئين السوريين في لبنان خلال شهر رمضان المبارك هذا العام، مع مواجهة البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية.
وأدى الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية، إضافة إلى تفشي الفقر والبطالة، إلى تآكل القوة الشرائية.
يعيش أكثر من نصف السكان في لبنان تحت خط الفقر، ويطالب الكثير منهم بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة برمتها، إذ يعتبرونها غير كفؤة وفاسدة ويحمّلونها مسؤولية الأزمة الراهنة.
وعبر إحكام قبضته على عملية صناعة القرار الحكومية، تسبب حزب الله في تعقيد وتأخير جهود البلاد للحصول على دعم دولي حيوي من شأنه أن يساعد لبنان على إخراج نفسه من أزمته الاقتصادية.
وفي حديثها للمشارق، قالت اللاجئة السورية المقيمة في مخيم سعدنايل بوادي البقاع، شما الحديد، وهي تستعرض محتويات ثلاجتها، "في العادة لا مكان لي لوضع إصبع فيها لأنها تكون ممتلئة باللحوم والدجاج والخضروات لإعداد وجبات الإفطار الرمضانية".
"ولكن كل ما لدينا اليوم هو قدر من الخضروات المحشوة التي سنتناولها على مدى وجبتي إفطار".
بعد نزوحها من حمص، تعيش الحديد في مخيم سعدنايل منذ ثماني سنوات مع زوجها وابنتيهما المراهقات ووالدة زوجها.
وقالت إنه في الماضي، "وبعد يوم طويل من الصيام، كنت أقوم بتحضير أشهى الأطباق: سلطات وفتوش وكباب ودجاج وعصائر وتمر".
أما اليوم، تابعت الحديد، "يقتصر إفطارنا على سلطة وشوربا وبطاطا، ومن حين لأخر محاشي بالزيت، فيما الحلويات اختفت من القائمة".
وعلق زوجها خالد العلي، 50 عاما، "ظروفنا المالية معقدة جدا بسبب أوضاع لبنان، ووضعي الصحي لا يسمح لي بالعمل لخضوعي لأربع عمليات قسطرة بالقلب ولإصابتي بشلل نصفي أثر حادث سير".
وأشار إلى أن الأزمة المالية في لبنانقد أثرت بشدة على ظروفهم المعيشية.
وقال العلي "أنفق 400 ألف ليرة لبنانية نحصل عليها من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لشراء الحد الأدنى من الغذاء. نحن في هذا الوضع منذ أكثر من عام".
نقص في المساعدات
وعلى بعد خطوات من خيمة العلي، خيمة النازحة عوفة علي الخضر، 43 عاما، التي قالت إن "تحديات رمضان الحالي كبيرة جدا".
ولفتت الخضر، وهي أم لثمانية أولاد، أنهم لا يملكون لرمضان هذا العام سوى الفاصوليا والأرز ومن وقت لأخر السلطة.
وابنها الأكبر، 20 عاما، وزوجها كلاهما عاطل عن العمل.
وأوضحت أن "الإفطار اليومي لا يسد جوع أولادي ... فمن أين نأتي بالمال والعمل معدوم وأسعار المواد الغذائية جنونية".
وأضافت "كنت اشتري بـ ١٥ ألف ليرة لبنانية كيلو لحم والخبز ومكونات الفتوش أوالتبولة، أما اليوم لا يكفي هذا المبلغ لشراء كيلو بندورة وكيلو بطاطا".
وأكدت الخضر أنه "حتى الجمعيات التي كانت تقدم لنا حصصًا غذائية وإفطارات غابت هذا العام".
وأوضحت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد أن 9 من كل 10 أسر سورية تعيش حاليا في فقر مدقع، لأن نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع ارتفعت عام 2020 من 55 في المائة إلى 89 في المائة.
وقالت إن الناس يعيشون على أقل من 308.728 ليرة لبنانية شهريا في لبنان نتيجة التضخم الحاد وجائحة فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت، في آب/أغسطس الماضي، وكلها دفعت المجتمعات الضعيفة، ومن ضمنها اللاجئون السوريون، إلى حافة الفقر.
وكشفت أبو خالد أن مفوضية اللاجئين عملت منذ نيسان/أبريل 2020 وبالتعاون مع شركائها والتشاور مع السلطات اللبنانية، إلى رفع المساعدات النقدية الشهرية من 260 ألف إلى 400 ألف ليرة لبنانية للأسرة الواحدة، كما رفع برنامج الغذاء العالمي مساعدته الغذائية من 40 ألف إلى 100 ألف ليرة لبنانية للشخص الواحد.
وأشارت إلى أنه "لا يمكن لمفوضية اللاجئين تقديم مساعدة نقدية شهرية سوى إلى 25 في المائة من اللاجئين السوريين، وتصل هذه النسبة إلى 62 في المائة مع مساهمة برنامج الغذاء العالمي بتقديم بمساعدات غذائية أو نقدية".
القضاء على الكرامة
وتعتبر الظروف في المخيمات غير الرسمية في مجدل عنجر قاسية بشكل خاص، إذ أغلب الذين يعيشون فيها لا يتلقون المساعدات.
ويقيم أحمد محمد العلي، 42 عاما، مع زوجته رحمة الحسين وأطفاله الأربعة وأمه المريضة نظيلة العلي في أحد تلك المخيمات.
العلي نجار عاطل عن العمل منذ عامين، يبيع أمام خيمته الخبز والكعك وجلاب رمضان من إعداده.
لكنه أكد أن المدخول لا يسمح "بشراء مكونات صحن السلطة، فكيف بمتطلبات مائدة رمضان". وأردف "نعيش أسوأ أوجه الفقر في هذا الشهر الفضيل".
وقالت زوجته رحمة، 37 عاما، "منذ بداية رمضان، وأنا أدخل المطبخ وأسأل نفسي مرارا وتكرارا ماذا يمكنني أن أعد للإفطار".
وأضافت "أعد يوميا الأطباق نفسها: بطاطا مقلية ومعكرونة مسلوقة أو أرز وسلطة، وجميعها خالية من اللحم، فيما حلويات رمضان غير موجودة".
وتابعت أن "أزمة لبنان قصمت ظهرنا كما قصمت ظهر اللبنانيين".
وقالت نظيلة والدة العلي إنها تبكي على "ما آلت إليه أحوالنا".
وأضافت أنها كانت تحضر وجبة الأفطار "في بيتنا الكبير في حمص" وأولادها مجتمعون حولها.
وختمت قائلة "النزوح بهدلنا وأزمة لبنان قضت على كرامتنا".