عدن -- مع دخول الحرب في اليمن عامها الثامن يوم السبت، 26 آذار/مارس، تزداد الأحوال سوءا مع تقديرات على مستوى البلاد تشير إلى أن نحو ثلاثة من كل أربعة أشخاص (أي 23.4 مليون من إجمالي السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة) يحتاجون اليوم إلى المساعدات.
ووفقا للأمم المتحدة، سيواجه 19 مليون شخص الجوع في الأشهر المقبلة، في حين أن أكثر من 160 ألف شخص يعيشون في ظروف تشبه المجاعة.
ويتوقع أن يعاني نحو 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد في الأشهر المقبلة، فيما يواجه أكثر من نصف مليون طفل بالفعل المجاعة التي تهدد الحياة.
ويقدر البنك الدولي أن نصف المنشآت الطبية في اليمن فقط قادرة على القيام بوظيفتها بصورة كاملة، وأن 80 في المائة من السكان يواجهون مشاكل في الوصول إلى الغذاء وماء الشرب والخدمات الصحية.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن الصراع الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2014 حين نفذ الحوثيون المدعومون من إيران انقلابا في صنعاء ، قد تسبب في مقتل 377 ألف شخص، سواء بصورة مباشرة أو بسبب الجوع والمرض.
ووفق منظمة الهجرة الدولية، فإن نحو 190 ألف مهاجر من بعض البلدان التي دمرتها الحروب في القرن الأفريقي، بما فيها إثيوبيا والصومال، عالقون في اليمن حيث يحتاجون للمعونة.
وقال منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، مارتين غريفيث، أمام مجلس الأمن يوم 15 آذار/مارس إن اليمن في طريقه لأن يصبح حالة طوارئ مزمنة حيث تظهر مظاهر الجوع والمرض وأشكال البؤس الأخرى بصورة أسرع مما تستطيع وكالات الإغاثة التعامل معه.
وفي الاجتماع نفسه، ألقى مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله علي الفضل السعدي اللائمة في المعاناة الإنسانية في اليمن على "التصعيد العسكري المتواصل من جانب الحوثيين ورفضهم المشاركة في جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة".
وقال إن اليمن ما يزال بحاجة لدعم دولي كبير حيث تشير التقديرات إلى أن الحرب أعاقت تطوره لأكثر من عقدين.
ودعا إلى وقف عاجل لسفك الدماء، داعيا مجلس الأمن إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الحوثيين والنظام الإيراني لإيقاف التصعيد العسكري وإنهاء الصراع.
هجمات الحوثيين وعرقلة عمليات الإغاثة
هذا ورفض الحوثيون دعوة من مجلس التعاون الخليجي للمشاركة في محادثات بالرياض بين 29 آذار/مارس و7 نيسان/أبريل، وشنوا بعد بضعة أيامموجة من الهجمات عبر الحدود استهدفت منشآت مدنية في السعودية.
واستهدفت موجة الهجمات محطة لتوزيع المنتجات النفطية تابعة لأرامكو في جدة ومحطة كهرباء في ظهران الجنوب ومحطة غاز تابعة لأرامكو في مدينة ينبع الصناعية ومحطة بنزين في خميس مشيط.
واستخدمت الجماعة صواريخ كروز إيرانية لمهاجمة محطة تحلية مياه في الشقيق ومحطة توزيع منتجات نفطية تابعة لأرامكو في جازان، فيما دمر التحالف العربي زورقا مسيرا قبالة ساحل الحديدة.
وفي حديثه للمشارق، قال وكيل وزارة العدل اليمنية، فيصل المجيدي، إنه بالإضافة إلى شن الهجمات، يواصل "الحوثييننهب الموارد والمساعدات الدولية".
من جهته، أكد الناشط الحقوقي عبد الرحمن برمان أن الحوثيين "يعرقلون عمليات الإغاثة ويصادرون المواد الإغاثية ويعيقون عمل المنظمات الدولية والمحلية التي تحاول تسليم المساعدات".
وأشار إلى أن "الجماعة التي تدعمها إيران تتسبب بكارثة إنسانية في اليمن"، داعيا الحكومة اليمنية للعمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على الحوثيين لوقف أنشطتهم الخبيثة.
أما المحلل الاقتصادي فارس النجار، فقال إن "الحوثيين يتحملون مسؤولية المعاناة الإنسانية بسبب إصرارهم على تبديد كل مبادرات السلام".
وأضاف أن الجماعة "ما زالت تعبث بالاقتصاد الوطني بسبب حالة الانقسام النقدي والجمركي والمالي التي أوجدتها".
اليمن في حالة خراب
ودمرت الحرب الكثير من تراث البلاد المعماري الثري.
فقد تعرضت أبراج اليمن الشهيرة المبنية من الطوب اللبن والمساجد والكنائس والمتاحف لأضرار، وتضرر الكثير من المواقع الأثرية المهمة والمعالم السياحية، فيما نهبت القطع الأثرية وهربت إلى الخارج.
وقالت الأمينة العامة للجمعية اليمنية للتاريخ والآثار، أسمهان العلس، إن "الإهمال والجهل استحدثا مستوى من الخسارة لم يعد من الممكن عكسه".
وفي الماضي، كانت الأمم المتحدة تشيد بمحمية الحسوة الطبيعية في عدن كمنارة لجهود الحفظ، لكن الحرب حولتها إلى أرض خراب مليئة بالقمامة وتفوح منها رائحة مياه الصرف.
يذكر أن مبادرة الحسوة كانت الأولى من نوعها في اليمن، فخلقت وظائف وحققتدخلا وصل إلى 96 ألف دولار أميركي في العام 2012. لكن هذه المنطقة، التي كانت لفترة طويلة ملاذا لطيور النحام وغيرها من الطيور المهاجرة، أصبحت الآن ممتلئة بالغربان.
في هذه الأثناء، تظهر على جدران منازل العاصمة المؤقتة عدن آثار الرصاص وتحولت مبانيها إلى ركام، فضلا عن احتضانها لصور "شهداء" لا تعد ولا تحصى. هذه الآثار هي الآثار الظاهرة للصراع الذي لا ييدو أنه سينحسر.
فالمياه والكهرباء متقطعان ويخدمان كتلة سكانية يقول عنها المسؤولون إنها تضاعفت ثلاث مرات وأصبح تعدادها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، مع قدوم أشخاص للجوء إلى المدينة بحثا عن الأمان من القتال في أماكن أخرى.
وقال محافظ عدن، أحمد لملس، إن اندلاع الحرب كان "كارثة" وترك البنية التحتية للمدينة في حالة خراب.
وأضاف لملس الذي نجا بأعجوبة من انفجار سيارة مفخخة في تشرين الأول/أكتوبر، "ما نزال نعاني من تبعات الحرب".
وأوضح أن الضغوط هائلة على أهالي عدن الذين يناضلون من أجل توفير المال لشراء السلع الأساسية وسط ارتفاع التضخم.
وتابع أن "الأحوال المعيشية أثرت نفسيا على الناس"، لكنه أصر على أن "عدن ما تزال صامدة وستعود الحياة إليها".