أعلن رجال دين مسلمون عن دعمهم للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين بسبب إساءة معاملتها للأقليات المسلمة في شينجيانغ، مؤكدين ضرورة أن تحذو الدول الإسلامية حذو واشنطن.
وكانت الولايات المتحدة قد كشفت في 16 كانون الأول/ديسمبر عن سلسلة من الإجراءات ضد الصين، بدأت بتصويت المشرعين على مشروع قانون يحد من التجارة معها وفرض عقوبات جديدة على أكبر شركة لتصنيع الأجهزة المسيرة الاستهلاكية في العالم.
وصوت مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على مشروع قانون يجعل من الولايات المتحدة أول دولة تحظر فعليا جميع الواردات من منطقة شينجيانغ الصينية بسبب مخاوف من أن تكون نتاج عمل بالسخرة، وقد وقع الرئيس الأميركي جو بايدن عليه ليصبح قانونا ساري المفعول في 23 كانون الأول/ديسمبر الجاري.
يُذكر أن ما يقدر بنسبة 20 في المائة من الملابس المستوردة إلى الولايات المتحدة كل عام، يدخل في صناعتها قطن من شينجيانغ.
وقامت السلطات الصينية باحتجاز ما لا يقل عن مليون من أبناء مجتمع الأويغور وغيرهم من الأقليات الناطقة بالتركية في معسكرات بمنطقة شينجيانغ شمالي غربي الصين، ومعظمهم من الأقليات المسلمة.
ووجدت جماعات حقوق الإنسان والحكومات الأجنبية أدلة على تعرض هؤلاء لعمليات اعتقال جماعي والعمل القسري والتلقين السياسي والتعذيب والتعقيم بالقوة، إضافة إلى الاعتداء الجنسي.
وتحاول الصين أيضا طمس تقاليدهم الثقافية الإسلامية ودمجهم قسرا مع أغلبية الهان الصينية.
ووصفت واشنطن الحملة بالإبادة الجماعية، في وقت صنفت بكين هذه المواقع بأنها مراكز تدريب مهني.
وأطلقت إدارة بايدن أيضا سلسلة من العقوبات ضد حملة الرقابة في شينجيانغ، حيث تقول جماعات حقوقية إن الصين تعمل على تطوير تقنيات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتتبع الحمض النووي لمراقبة الأويغور.
ومن بين الشركات التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات، شركة إس.زي دجي تكنولوجي، وهي أكبر منتج للأجهزة المسيرة الاستهلاكية على الإطلاق في العالم.
ومن بين هذه الشركات المستهدفة أيضا، شركة شيامن مييا بيكو إنفورميشن التي طورت تطبيقا هاتفيا لتتبع الملفات على الهواتف، وشركة كلاودووك تكنولوجي التي طورت برنامجا للتعرف على وجوه الأويغور والتبتيين وأرسل إلى زيمبابوي في خطوة تهدف إلى تحسين التكنولوجيا، وفقا لوزارة الخزانة.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين في إشارة إلى جمهورية الصين الشعبية، إن "هذه الكيانات الثمانية تدعم بصورة نشطة حملة مراقبة وملاحقة أبناء الأقليات العرقية والدينية في جمهورية الصين الشعبية، وجلهم من مسلمي الأويغور في شينجيانغ".
وفي 17 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت بكين عن "معارضتها الشديدة" للخطوة المتخذة، محذرة من أنها ستتخذ "جميع الإجراءات الضرورية" لحماية الشركات الصينية.
موقف جماعي
وفي هذا السياق، قال الشيخ الأزهري والأستاذ المحاضر في الشريعة والقانون بجامعة الأزهر نايف عبد ربه إن العقوبات الأميركية المفروضة على الحكومة الصينية لانتهاكها حقوق المسلمين، تشكل "موقفا مشرفا وإنسانيا".
وأشار إلى أن العقوبات "ستكون أداة فعالة [تؤثر] على العديد من الحكومات وتدفعها لاتخاذ خطوة مماثلة والضغط على الحكومة الصينية لوقف إساءة معاملتها العنصرية ضد هذه الشريحة من الشعب الصيني".
وذكر أن إصرار المسؤولين الصينيين على الإيحاء بأن دوافع العقوبات هي سياسية، هو توجه "خاطئ وغير مقبول لأن الحقائق تؤكد وقوع هذه الانتهاكات، ومعظمها موثق".
وأعتبر الشيخ هاشم المجهد وهو رجل دين شيعي من منطقة الأحساء بالسعودية، أن قرار الولايات المتحدة بمعاقبة الصين على انتهاكها لحقوق المسلمين ينبع من السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة لجهة الاعتراف بالحرية الدينية.
وقال إن الولايات المتحدة لديها علاقات وثيقة مع الدول الإسلامية وهي منخرطة معها في شراكات استراتيجية تغطي مروحة كبيرة من المجالات بدءا بالأمن ووصولا إلى العلاقات الاقتصادية، وتقوم هذه الشركات على أساس الاحترام المتبادل بغض النظر عن الانتماء الإثني أو العرقي أو الديني.
وأكد على قدرة الأئمة المسلمين حول العالم في أن يكونوا أداة فعالة وأساسية في وقف انتهاكات حقوق المسلمين.
وتابع "لا ينطبق ذلك فقط على الدول العربية والشرق أوسطية والخليجية، ولكن أيضا وبشكل أساسي على الدول الأوروبية التي تسمح بحرية المعتقد والدين وتدعمها".
وأردف أن "الموقف الجماعي سيكون له تأثير كبير وفعال للغاية في مواجهة الصين لحملها على وقف تهميش لمسلمين الصينيين واحتجازهم وتعقيمهم [قسرا]."
محفز دولي
من جهته، أعرب خريج جامعة الأزهر وإمام مسجد القضيبية في المنامة عاصمة البحرين، الشيخ عبد الله الحسيني، عن أمله بأن تكون العقوبات "حافزا للدول العربية والإسلامية وحتى الأوروبية لاتخاذ خطوة مماثلة".
وقال "لا توجد أقلية دينية في أي مكان في العالم قادرة على إنهاء الظلم الذي تتعرض له دون دعم دولي".
وأضاف أن "المسلمين اندمجوا في العديد من الدول والمجتمعات وبلغوا مناصب قيادية نافذة خاصة في الدول الأوروبية".
وأكد أن "الدفاع عن مسلمي الصين أصبح بالتالي ضرورة لوقف التعدي على حقوقهم، وعاملا رئيسا لتخفيف معاناتهم وضمان حياة مستقرة لهم كباقي المواطنين الصينيين".
ولفت الحسيني إلى أن "الدول الإسلامية والدول ذات الأغلبية المسلمة لم تقم بما ينبغي عليها القيام به تجاه مسلمي الصين".
وأوضح "ربما يعود ذلك إلى حسابات سياسية واقتصادية واتفاقيات ثنائية، لكن يمكن تجاوز هذه العقبات... تحت مظلة موقف جماعي يحمي حقوق هذه الأقلية ولا يشكل خطرا على مصالح هذه الدول".
وختم مؤكدا أن المنظمات العربية والإسلامية يمكن أن تقدم حلولا ترضي الجميع وتؤمن حياة كريمة وطبيعية لمسلمي الصين.