تصاعد الدخان من حريقين في سماء إيران يوم الخميس، 3 حزيران/يونيو، مشكلا دليلا فعليا على مشاكل النظام الإيراني المتزايدة والترتيب الخاطئ للأولويات الذي يعتمده النظام.
وأعلنت البحرية الإيرانية أن إحدى أكبر سفنها غرقت يوم الأربعاء بعد أن اشتعلت فيها النيران أثناء قيامها بـ "مهمة تدريب" قبالة ميناء استراتيجي بالقرب من خليج عمان.
وفي حادث منفصل، اندلع حريق هائل في ساعة مبكرة من مساء الأربعاء في مصفاة نفط كبرى جنوب طهران، توفر للعاصمة الجزء الأكبر من حاجتها من الوقود.
وتقع المصفاة في منطقة صناعية كبيرة بضواحي طهران، على بعد بضعة مئات من الأمتار فقط من المناطق السكنية.
وتمت السيطرة تدريجيا على ألسنة اللهب الشديدة وأعمدة الدخان الأسود التي بقيت تشاهد بأم العين من أماكن بعيدة في أنحاء العاصمة بعد ساعات عدة من اندلاع الحريق.
ولكن اشتعلت النيران مجددا في المصفاة في وقت مبكر من يوم الخميس، بعد أن أفاد السكان المحليون عن سماع دوي انفجار هائل.
ونفى المتحدث باسم المصفاة شاكر الخفاعي شائعات عن نقص الوقود في طهران، ولكن أظهرت صور التقطت من العاصمة يوم الأربعاء طوابير طويلة من المركبات عند محطات الوقود، ما يشير إلى مخاوف من عدم توفر الوقود.
وكانت البلاد قد شهدت عام 2019 احتجاجات واسعة في مختلف المناطق بسبب ارتفاع أسعار البنزين، جوبهت من النظام بحملة قمع وحشية وبانقطاع الإنترنت لأيام عدة.
غرق إحدى أكبر سفن البحرية الإيرانية
وقالت البحرية الإيرانية إن حريقا اندلع يوم الثلاثاء في سفينة الإمداد البريطانية الصنع "خرج"، ويبلغ طولها أكثر من 200 متر وكانت موجودة قبالة ميناء جاسك في خليج عمان.
وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي عمودا كثيفا من الدخان يتصاعد مما قيل إنه السفينة المحترقة.
وذكر بيان صدر عن البحرية أن الحريق اندلع "في أحد أنظمة" السفينة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
واستمرت جهود مكافحة الحرائق "على مدى 20 ساعة" قبل أن تغرق السفينة.
وأوضحت البحرية أنه "نظرا لامتداد الحريق، فشلت عملية إنقاذ سفينة خرج وغرقت في المياه قبالة جاسك".
ونقلت وكالة تسنيم للأنباء الإيرانية عن رئيس العلاقات العامة بالبحرية بهزاد جهانيان قوله إن النيران اشتعلت في السفينة عند الساعة 11 من قبل ظهر يوم الثلاثاء أثناء تنفيذها "مهمة تدريبية" في "المياه المحلية".
وغرقت السفينة قرابة الساعة 8:30 من صباح يوم الأربعاء.
وتم إجلاء المتدربين وأفراد الطاقم البالغ عددهم 400 شخص، مع تسجيل إصابة 20 منهم بجروح أو حروق طفيفة.
وأشار جهانيان إلى أن سبب الحريق "لم يتضح بعد".
وقال جيريمي بيني من شركة جاينس للاستخبارات الدفاعية مفتوحة المصادر، إن سفينة "خرج" كانت مهمة لإيران باعتبارها السفينة الوحيدة المتخصصة التي تمتلكها والقادرة على إعادة إمداد السفن الحربية في البحر.
وأشار بيني إلى أن "الإيرانيين غالبا ما يصفونها بأنها ’حاملة مروحيات‘، لكنها في الواقع سفينة إمداد وهي من العتاد المفيد سيما أنها السفينة الوحيدة المتخصصة التي تملكها البحرية الإيرانية التابعة للجمهورية الإسلامية لتقوم بهذا الدور".
وقالت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، إن السفينة غادرت مع المدمرة ألبورز في 19 أيار/مايو لتنفيذ مهمة متمحورة حول "التدريب والاستخبارات والقتال".
وتقع مدينة جاسك الساحلية والقريبة من موقع غرق سفينة "خرج"، بجوار مضيق هرمز، وهو ممر استراتيجي على رأس الخليج يمر عبره خُمس إنتاج النفط العالمي.
وتملك جاسك أهمية استراتيجية لدى إيران، إذ تخطط الحكومة لجعلها موقع ثاني أكبر ميناء لتصدير النفط في البلاد.
تجارب لم يتم التعلم منها
ووقع آخر حريق هائل في طهران في كانون الثاني/يناير 2017 في مبنى بلاسكو التجاري الشهير، وأسفر عن مقتل العشرات من رجال الإطفاء وأثار موجة من الغضب بعد فشل احتوائه بسبب نقص المعدات والخبرة المهنية في قسم الإطفاء.
وفي حينه، أعرب الرئيس الإيراني حسن روحاني عن أمله بأن تشكل مأساة بلاسكو "درسا للمستقبل".
وكلف الحريق عمدة طهران في ذلك الوقت محمد باقر قاليباف، فرصته للترشح للرئاسة.
هذا وتسببت إساءة الحكومة ترتيب أولوياتها وعدم اهتمامها بشعبها وتفضيلها السياسات الإقليمية التوسعية للحرس الثوري الإيراني، على مدى السنوات القليلة الماضية بوقوع حوادث محلية وإقليمية مميتة أحيانا كان من الممكن تجنبها.
وفي 23 أيار/مايو، أفادت وسائل إعلام محلية أن 9 أشخاص أصيبوا في انفجار بمصنع ينتج المواد المتفجرة في وسط إيران، وبعدها بثلاثة أيام أدى انفجار في خط أنابيب بمجمع للبتروكيماويات بالقرب من ساحل الخليج الإيراني إلى مقتل شخص واحد.
وفي نيسان/أبريل الماضي، أدى انفجار في منشأة نطنز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم إلى تسليط الضوء على الثغرات التي تعتري الأمن الداخلي للنظام الإيراني.
وتُظهر هذه الحادثة كغيرها في العام الماضي، أن إيران عاجزة عن حماية ما تعتبره أكبر مصادر فخرها الوطني.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز أن انقطاع التيار الكهربائي في منشأة نطنز الناجم عن انفجار متعمد، أدى إلى تعطيل عمليات تخصيب اليورانيوم في إيران لأشهر عدة.
وفي أيار/مايو الماضي، تعرضت سفينة حربية إيرانية إلى نيران صديقة خلال مناورة بحرية قبالة جاسك، مما أسفر عن مقتل 19 بحارا كانوا على متنها.
وقال التلفزيون الرسمي حينها إن سفينة الدعم اللوجستي كوناراك تعرضت للقصف بعد "نقل هدف تدريبي إلى موقعه وعدم ترك مسافة كافية بينها وبينه".
في حادث مؤسف آخر وقع في كانون الثاني/يناير 2020، أخطأ الحرس الثوري في التعرف على رحلة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية رقم 752 المتجهة إلى كييف بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار الإمام الخميني الدولي في طهران، وهو فشل أودى بحياة 176 مدنيا كانوا على متنها.
وبعد نفيها للحادثة مدة 3 أيام، اعترفت طهران بإسقاط الطائرة ملقية اللوم على "خطأ بشري" وواصفة الحادثة بأنها "خطأ كارثي".
إساءة ترتيب الأولويات
وقال محللون إن سلسلة الأخطاء القاتلة التي حدثت على مدار عام تثير تساؤلات حول مدى فعالية استراتيجية طهران العسكرية وجهوزية القوات المسلحة الإيرانية.
وقال ثيودور كاراسيك أحد كبار مستشاري غولف ستيت أناليتيكس في واشنطن، في حديثه لموقع عرب نيوز بعد حادثة جاسك في أيار/مايو الماضي،"بدلا من التركيز على إنشاء جيش قوي قادر على حماية الدولة الإيرانية، اختار النظام التركيز على نشاط الميليشيات والطائرات المسيرة وتطوير الصواريخ البالستية وصواريخ كروز".
وأدى تركيز الحرس الثوري الإيراني على الأيديولوجيا بدلا من تركيزه على اكتساب الخبرة إلى إضعافه عسكريا، وبدا ذلك جليا مع الغارة الأميركية التي قتلت أكبر قادته العسكريين قاسم سليماني في بغداد في كانون الثاني/يناير 2020.
وفي الداخل، لم يتمكن الحرس الثوري الإيراني من حماية المنشآت العسكرية والنووية ومحطات الطاقة الأساسية مما يشتبه بأنه أعمال تخريبية.
الاعتراف بالخطا فضيله.
الرد1 تعليق