بيروت -- يجلس يحيى خالد اللوز أمام خيمة أسرته في مخيم بسعدنايل في سهل البقاع اللبناني، محاولا التقاط إشارة الواي فاي على هاتف قديم لإكمال حصته الدراسية بمادة الرياضيات.
وقال الطالب الذي يبلغ من العمر 14 عاما وينحدر من محافظة حمص السورية، "إنها حال جميع طلاب المخيم. شبكة الانترنت ضعيفة جدا والكهرباء بالكاد متوفرة، لذا، نحاول التقاط الشبكة خارج الخيمة".
وكل ليلة، وبعد عودته من العمل بفي مطعم، يستخدم يحيى هاتف والده القديم للمشاركة في فصول دراسة أونلاين. لكن يتعين عليه أولا الانتظار ريثما ينهي أشقاؤه الخمسة الأصغر سنا دراستهم عن بعد على الهاتف نفسه.
ويعمل يحيى نهارا لمساعدة عائلته التي تواجه ضائقة مالية، وتراه لذلك يحاول تعويض دروسه لاحقا عبر الاستعانة بدروس مسجلة على أشرطة مرئية يرفعها معلموه على شبكة الإنترنت.
ووفق والدهم خالد عمر اللوز، فإن يحيى وأشقاءه مجتهدون ويقومون بواجباتهم الدراسية ولو في ساعة متأخرة من الليل لأنهم لا يستطيعون دوما الوصول إلى شبكة الإنترنت بسبب بطئها أو انقطاع الكهرباء أثناء النهار.
وفي لبنان، كما هي الحال في مناطق أخرى من العالم، فرضت جائحة كورونا التعلم عن بعد بدلا من التعلم في الفصول الدراسية. ويواجه الطلاب صعوبات في التعليم الافتراضي، بما في ذلك الوصول إلى أجهزة لوحية أو هواتف محمولة.
وتظهر بيانات وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية أن عدد الطلاب غير اللبنانيين المنتسبين إلى المدارس الرسمية ضمن دوام بعد الظهر يبلغ نحو 200 ألف طالب، 99 في المائة منهم لاجئون سوريون، مقابل نحو 49 ألفا يحضرون خلال دوام قبل الظهر وغالبيتهم من السوريين.
‘تحديات كبيرة'
وأوضح مدير جمعية بيوند، جو عواد، أن مكتب الجمعية في سعدنايل يواصل مساعدة الأطفال من خلال التعليم.
وقال إن التركيز الآن هو على التعليم عن بُعد ومساعدة الأطفال نفسيّا وأكاديميّا واجتماعيّا واقتصاديّا، مشيرا إلى أن أنهم يواجهون ظروفا قاسية، خاصة عندما يكون الطفل العامل المعيل الوحيد لعائلته.
وأضاف أنه في ضوء التحديات المختلفة، بما في ذلك نقص وسائل الاتصال وخدمة الإنترنت السيئة، تعمل الجمعية على تهيئة عملية التعلم بحيث تناسب ظروف كل طفل على حدة.
وفي خيمة بمخيم غير رسمي في مجدل عنجر، تتقاسم الطالبة نسرين حسين السهو، 14 عاما، فصلا دراسيا مؤقتا مع اثنين من أشقائها وثلاثة من بنات خالاتها تتراوح أعمارهم بين 8 و10 أعوام.
وقالت نسرين إنها تحضر فصولها بعد الظهر عبر برنامج زووم على حاسوب، لكن كثيرا ما تفوتها دروس جراء بطء الإنترنت وانقطاع الكهرباء.
فيما قال شقيقها مضحى، الذي يتابع دراسته للصف الخامس ابتدائي عبر هاتف والدته، إنه يتطلع لفتح المدرسة من جديد كي يستطيع التفاعل مع المعلمين والطلاب شخصيا.
من جانبها، قالت الوالدة رائدة دردوع الحسين إنها واجهت مشاكل في تأمين الوصول للتعلم عن بعد لأبنائها.
وأضافت أن الأسرة تواجه ظروفا اقتصادية واجتماعية وصحية صعبة بسبب أزمة لبنان، و"ليس لدينا مردود مالي لأن فرص عمل زوجي معدومة".
بدورها، أوضحت لوري هوفيفيان، وهي منسقة التواصل بجمعية كياني، أن أكثر من 4 آلاف طالب يحضرون المدارس التي أنشأتها الجمعية في مخيمات سهل البقاع.
وقالت إن الجمعية توفر التعليم على شبكة الإنترنت لطلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية، وأن الطلاب الأكبر سنا عادوا مؤخرا للتعلم الحضوري، وأنه توجد خطط لعودة كل الطلاب قريبا.
هذا وتتضمن أبرز التحديات الأسر الأمية والأسر الكبيرة التي تعيش في مساكن مزدحمة ولامبالاة بعض الوالدين بتعليم أولادهم وعدم تمكن بعض الطلاب من تنزيل جميع المواد بالوقت المخصص لذلك.
ولفتت إلى أنه وسط انهيار الوضع الاقتصادي بشكل خطير وجائحة كورونا، فقد تم تركيز الاهتمام والموارد على الاحتياجات الأساسية للأطفال بدلا من التعليم كالغذاء والمأوى.
تعليم غير رسمي
هذا ويعيش أكثر من نصف السكان في لبنان وأيضا اللاجئين السوريين تحت خط الفقر جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أشهر والتي تُحمل مسؤوليتها للطبقة السياسية الفاسدة وغير الكفوءة.
إلى هذا، ساهم حزب الله عبر هيمنته على عملية صنع القرار الحكومي، في تعقيد وتعطيل جهود البلد للحصول على الدعم الدولي الأساسي الذي من شأنه أن يساعده على إحراج نفسه من أزمته.
وبحسب متحدث باسم مكتب اليونيسيف في بيروت، فإن المنظمة تعمل من أجل الأطفال الأكثر ضعفا من كل الجنسيات، بمن فيهم الأطفال الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية ومجتمعات محرومة حيث تتزايد المخاطر بسبب الكثافة السكانية العالية والمصاعب الاقتصادية ونقص الخدمات الاجتماعية.
وأضاف الناطق أن المنظمة تساعد وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان على ضمان تغطية الرسوم المدرسية، وأن المنظمة كانت تدعم خطة التعلم عن بعد.
لكن جراء الوضع الاقتصادي المتأزم للغاية، يفتقد العديد من الأطفال فرصة التعلم عن بعد.
وأوضح الناطق أن التحديات الرئيسة التي تواجة توفير التعليم تكمن في الأزمات المتعددة التي يواجهها لبنان راهنا.
فالجائحة عطلت التعلم الحضوري إضافة إلى أن انفجار مرفأء بيروت دمر المنازل والمدارس، ونتيجة للأزمة الاقتصادية، لا تستطيع الكثير من الأسر تحمل التكاليف المرتبطة بذلك.