تأتي العلاقات الباردة بين أوكرانيا وإيران فيما تعزز الولايات المتحدة من وجودها الأمني في وسط أوروبا وشرقها، حيث تقوم بنشر قواتها في منطقة يسهل منها الوصول إلى إيران من الشمال عبر البحر الأسود.
وكانت العلاقات بين إيران وأوكرانيا قد توترت منذ أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة ركاب أوكرانية يوم 8 كانون الثاني/يناير، 2020، ما أسفر عن مقتل كل من كان على متنها وعددهم 176 شخصا.
وتسببت محاولة إيران اللاحقة في التعتيم على المعلومات المتعلقة بتحطم رحلة الخطوط الجوية الأوكرانية 752 وتجنب المساءلة الكاملة عن الكارثة، في المزيد من تراجع العلاقات بين البلدين.
وقال محللون إن هذه الضبابية، التي وصفها وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بأنها "مجرد محاولة مثيرة للسخرية لإخفاء الأسباب الحقيقية لإسقاط طائرتنا" ، سيكون له تداعيات جيوسياسية كبيرة بالنسبة إيران.
وتأتي هذه العلاقات المتوترة في وقت تعزز فيه الولايات المتحدة من وجودها الأمني في وسط أوروبا وشرقها، لا سيما في بولندا التي تقع إلى الشمال الغربي من أوكرانيا، وربما أيضا في بلاد أخرى حول البحر الأسود.
ويوم الثلاثاء، 13 نيسان/أبريل، قال وزير الدفاع الأميركي مارك إيسبر إنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تنشر المزيد من القوات على طول منطقة البحر الأسود الاستراتيجية لردع التهديدات المحتملة.
تعزيز الوجود الأميركي في بولندا
وبحسب دائرة البحوث التابعة للكونغرس الأميركي، فإن الولايات المتحدة تحتفظ "بوجود عسكري تناوبي في بولندا يبلغ قوامه نحو 4500 فرد".
لكن هذا الوجود يتزايد، مع انتقال القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا إلى أماكن أخرى.
وفي آب/أغسطس، رفع اتفاق جديد أبرم بين الحكومتين الأميركية والبولندية عدد العسكريين الأميركيين في بولندا بمقدار ألف جندي.
وكانت وارسو قد قالت في ذلك الوقت إن مستوى القوات الأميركية في بولندا يمكن أن يرتفع بسرعة إلى 20 ألف إذا استدعت الحاجة ذلك.
وكانت كل من بولندا وأوكرانيا قد اتخذت موقفا حازما إلى جانب الولايات المتحدة منذ أن دفعتهما الاعتبارات الجيوسياسية والاستراتيجية للتحرك نحو الغرب. ويشترك كلا البلدين السلافيين في حدود برية ويتمتعان بعلاقات جيدة نسبيا.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، جددت أوكرانيا وبولندا التزامهما بمثلث لوبلين، وهي شراكة ثلاثية مع ليتوانيا تتعلق بمسائل الدفاع وتهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجارة والسياحة بين هذه الدول.
وبحسب دائرة البحوث بالكونغرس والقيادة الأوروبية الأميركية، فقد كانت العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا قوية منذ عام 2014، حيث يجري البلدان مناورات عسكرية منتظمة، بما في ذلك نسيم البحر (Sea Breeze) والمسعى المشترك (Joint Endeavour) والرمح الثلاثي السريع (Rapid Trident) ومناورة القوات الجوية متعددة الجنسية السماء الصافية 2018 (Clear Sky 2018).
وقال البنتاغون في بيان إن مناورة الرمح الثلاثي السريع 2020، التي جرت في مقاطعة لفيف الأوكرانية في أيلول/سبتمبر بقيادة الجيش الأميركي، شارك فيها "نحو 4100 جندي من 10 دول متحالفة وشريكة".
وأجرت القوات الخاصة الأميركية والأوكرانية أيضا مناورة مشتركة بين 16و24 أيلول/سبتمبر، هي مناورة Fiction Urchin.
وأعلنت القوات المسلحة الأوكرانية يوم 3 نيسان/أبريل أنها ستجري مناورات عسكرية مشتركة تسمى كوساك ميس 21 (Cossack Mace 21) مع قوات حلف الناتو في وقت لاحق من هذا العام.
كما أن القوات المسلحة الأوكرانية والبولندية تجري تدريبات منتظمة مع القوات الأميركية، حيث أن كلاهما يشاركان في مناورة عسكرية متعددة الجنسيات بقيادة أميركية، وهي مناورة "المدافع-أوروبا 21" (DEFENDER-Europe 21)، التي انطلقت في آذار/مارس.
ويشارك في هذه المناورة السنوية، التي تهدف لبناء الجاهزية وقابلية التشغيل البيني بين القوات المسلحة الأميركية وقوات حلف الناتو والشركاء، نحو 28 ألف جندي من 26 بلدا لإجراء عمليات متزامنة تقريبا.
وهي تظهر قدرة القوات المسلحة المشاركة على العمل كشريك أمني استراتيجي في مناطق غرب البلقان والبحر الأسود.
وسيجرى معظم هذه المناورات التدريبية في شهر أيار/مايو، عبر أكثر من 30 منطقة تدريبية في 12 بلدا، على أن تستمر المناورة حتى شهر حزيران/ يونيو.
تداعيات جديدة على إيران
ويقول محللون إن هذا النوع من الأنشطة له تداعيات جديدة حيث تسعى الولايات المتحدة لاحتواء العدوان الإيراني، وذلك عبر تمكينها من الوصول إلى الجمهورية الإسلامية من الشمال.
فالبحر الأسود يحد أوكرانيا همن الجنوب، ومن هناك يوجد مسار مباشر إلى إيران عبر تركيا أو جورجيا أو أذربيجان.
وتتعاون جورجيا بصورة روتينية مع القوات الأميركية، حيث تشارك في مناورات مثل الرد الفوري (Immediate Response) والأفق المشتركة (Shared Horizons) والرمح الثلاثي السريع والروح المرنة (Agile Spirit).
كما أن أذربيجان تشارك في الشراكة من أجل السلام التابعة لحلف الناتو، وتعمل الولايات المتحدة مع القوات الأمنية الأذربيجانية في توفير التدريب والمعدات في المجالات ذات الأولوية، بما فيها الأمن البحري في بحر قزوين وقابلية التشغيل البيني مع حلف الناتو.
وتسمح أذربيجان كذلك بعمليات تحليق ومسارات برية إلى أفغانستان للأغراض العسكرية والتجارية، فضلا عن أن القوات الأذربيجانية منتشرة هناك.
ومع تطور العلاقات مع بولندا العضو في الناتو ومع أوكرانيا الشريكة في الحلف، فقد أصبح لدى الولايات المتحدة دولتان أوروبيتان يمكنها الاعتماد عليهما إذا احتاجت إلى تكثيف جهودها لاحتواء إيران.
وقد يتوجب على القوات الإيرانية التي اعتادت على رؤية القوات الأميركية في الشرق الأوسط أن تأخذ في الاعتبار التواجد غير المعتاد للقوات الأميركية إلى شمالها.
التقارير ممتازة. شكرا لكم وأحسنتم عملا!
الرد1 تعليق