باريس -- في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كان المعارض الإيراني روح الله زم يدير موقعا إخباريا يحظى بجمهور كبير في فرنسا، وكان مع عائلته ويستفيد من وضع اللاجئ ومن الأمن في بلد المنفى هذا.
ولكن بعد نحو عام، أي في 12 كانون الأول/ديسمبر، أعدم زم في إيران بقرار قوبل بتنديد دولي.
كيف تحوّل مصير زم من حياة مريحة نسبيا في فرنسا إلى مقتله عن عمر يناهز الـ 47 سنة على يد شانقه في بلده الأم الذي استهدف زم زعماءه في سياق عمله؟
ووالد زم، محمد علي زم، هو رجل دين لا يزال مقيما في إيران وكان في وقت سابق شخصية بارزة في المؤسسات الثقافية الإيرانية.
وكان دعمه للثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه في العام 1979 قويا لدرجة أنه أطلق على نجله اسم مؤسسها روح الله الخميني.
وقال زملاء وأصدقاء لروح الله زم في فرنسا إنه أخطأ عندما استدرج برحلة إلى العراق في تشرين الأول/أكتوبر، متحديا تحذيراتهم من الخطر المحدق وواقعا في فخ أعد لاستغلال طبيعة شخصيته.
وقال مهتب غرباني، وهو كاتب إيراني مقيم في باريس ولاجئ كان يعمل مع زم، "لعب لعبة خطيرة بذهابه إلى العراق وخسر".
وتابع "استدرج في لعبة نفسية قذرة حاكها هذا النظام".
مواجهة النظام الإيراني
وأقام روح الله زم في فرنسا نحو 5 سنوات تقريبا، وقد استقطب مليوني متابع تقريبا على قناته "أمد نيوز" على تليغرام، مشجعا الناس على المشاركة في التظاهرات خلال شتاء 2017-2018 وناشرا من وقت لآخر مزاعم مثيرة للاهتمام بشأن القيادة الإيرانية.
وكان زم ابنا ذا امتيازات لأب نافذ، واستفاد من اتصالات جيدة مع أشخاص في طهران حافظ عليها حتى بعد مغادرته إيران إثر التظاهرات التي نظمت في 2009 جراء انتخابات متنازع عليها، وتوجه إلى ماليزيا قبل الاستقرار في فرنسا.
وقال مزيار، وهو صديق ولاجئ إيراني عمل في موقع "أمد نيوز" وطلب عدم الكشف عن اسمه الكامل، "عندما كانت هناك خلافات على النفوذ بين المسؤولين، كانوا يلجأون إلى زم".
وأضاف "كان يقدم المعلومات بلا قيود، لم يكن هناك خط أحمر. لم يكن يحترم الرئيس أو المرشد الأعلى أو أي أحد آخر. كان ينتقد حتى والده".
ولكن نجاح "أمد نيوز" والتطرف المتزايد لزم أدى إلى نتائج عكسية، إذ علّق تليغرام الحساب إثر تحريض أتباعه على استخدام قنابل المولوتوف ضد الشرطة.
وبدا أن نفوذ زم يتراجع. وبدأ حتى أصدقاؤه يتساءلون ما إذا كان يسعى بصورة مفرطة للإطاحة بالنظام الإيراني.
كان مستعدًا لـ ʼالوقوع في الفخʻ
وفي هذا السياق، قال حسن فرشتيان، وهو محام مقيم في باريس كان يساعد زم، إن "روح الله أصبح معروفا جدا. دعا للإطاحة بالنظام ولربما بدأ باعتبار نفسه زعيما".
وتابع "شيئا فشيئا، خسر أصدقاءه".
وأوضح غرباني "كان وحيدا ومعزولا، ولم يكن يحظى بثقة جزء من المعارضة الإيرانية في المنفى".
كان أيضا يتلقى عددا متزايدا من التهديدات، ما دفع الشرطة الفرنسية إلى تأمين الحماية له.
وقال أصدقاؤه إن هذه كانت فترة صعبة لزم، علما أنه كان رجلا طموحا جدا خشي من التراجع السريع للوجود الإعلامي الذي بناه.
وقال مزيار "كان في وضع يستطيع فيه اتخاذ القرارات السيئة والوقوع في الفخ".
وفي منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، توجه إلى مكتب فرشتيان في باريس وأعلم المحامي المذهول قراره بالسفر إلى العراق لمقابلة علي السيستاني وهو أبرز رجال الدين الشيعة في البلاد.
ʼلن تعود أبدًا'
وكان من المفترض أن تُطلق من هذه المقابلة قناة تلفزيونية جديدة، وهو طرح جاء من فرد أدعى أنه رجل أعمال إيراني.
وأدرك زملاء زم الخطر على الفور، نظرا لنفوذ إيران الأمني في العراق.
وقال فرشتيان "صرخت في وجهه قائلا: إذا ذهبت، فهذه ستكون النهاية. لن تعود أبدًا إلى فرنسا".
ولكن زم سافر إلى عمّان ومنها إلى بغداد في اليوم التالي.
وذكر مزيار "الكل حذره من السفر، حتى حارسه الشخصي، ولكنه رد ببساطة أنه تعب من الانتظار. وذهب للأسف".
واتصل زم بزوجته من مطار عمّان، ولكن يبدو أنه تم القبض عليه فور وصوله إلى بغداد.
ولاحقا تم عصب عينيه ووضعه في سيارة وأخذه إلى الحدود الإيرانية، مثلما ظهر في شريط فيديو شوهد في وقت لاحق على التلفزيون الرسمي الإيراني.
وفي تموز/يوليو الماضي، أجريت مقابلة معه على التلفزيون الرسمي، وهي طريقة تستخدم مع الأسرى في إيران ويعتبرها الناشطون اعترافا قسريا يتم انتزاعه بالتعذيب.
وقد تمت مقابلته ضمن برنامج "بدون مجاملة" الذي يقدمه علي رضواني، علما أن هذا الأخير هو رسميا صحافي بإذاعة جمهورية إيران الإسلامية التابعة للدولة، إلا أن ناشطين يقولون إنه في الواقع محقق تابع للحرس الثوري الإيراني.
أعدم ʼبسرعة غير اعتياديةʻ
وأدين زم بعدة اتهامات، منها "نشر الفساد" والتجسس لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، منها فرنسا وإسرائيل، وهي اتهامات نفاها بشدة هو ومؤيدوه.
وجاء إعدامه في 12 كانون الأول/ديسمبر، بعد 4 أيام فقط من الإعلان عن تأكيد حكم المحكمة العليا، الأمر الذي يعكس سرعة غير اعتيادية.
وكتب والده عبر حسابه على إنستغرام أنه سُمِح له بلقاء نجله قبل يوم من تنفيذ الإعدام، ذاكرا أنه لم يتم إطلاع روح الله على هذا القرار.
وكتبت ابنته نياز على مواقع التواصل الاجتماعي أن والدها اتصل من تطبيق واتساب، والغريب أنه اتصل من رقم بريطاني يبدأ بـ 44+، قبل ساعات من إعدامه.
وكتبت "أدركت أن هذه كانت النهاية، والأصعب هو أنني كنت أعلم ولم أستطع فعل أي شيء!".
وعبّرت الولايات المتحدة وأوروبا عن غضبها الشديد من قرار الإعدام هذا، في حين قالت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن ثمة "مخاوف خطيرة" من أن القبض على زم خارج إيران "يمكن أن يرقى لعملية خطف".
ولكن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال إنه لم يعتقد أن مقتل زم سيضر بالعلاقات بين إيران وأوروبا، لافتا إلى أن الإعدام يأتي في إطار القانون الإيراني.
رسالة إلى المعارضين الإيرانيين
وبالنسبة للمعارضين المقيمين في فرنسا، شكّل الإعدام تحذيرا مفاده أنه لا يمكن ضمان أمنهم حتى خارج البلاد.
حيث قال غرباني "أرادوا من خلال هذا الإعدام توجيه رسالة إلى الموالين للنظام بعدم اتخاذ مسار آخر. وأرادوا أيضا إظهار قوتهم للمعارضين خارج إيران ونشر الرعب في صفوفهم".
يُذكر أن النظام الإيراني قتل نحو 360 شخصا خارج إيران منذ الثورة الإسلامية، بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية الأميركية.
وأضافت الوزارة أنه تم تنفيذ اغتيالات في 40 دولة، "وبصورة رئيسية من خلال ذراع الحرس الثوري خارج إيران (أي فيلق القدس) أو وزارة الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية أو وكلاء [إيران] كحزب الله اللبناني".
وكان كل الضحايا تقريبا من المنشقين أو أفراد المعارضة للجمهورية الإسلامية.