قال خبراء إن الهجمات المتواصلة التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران ضد قواعد التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في العراق قد تنعكس سلبيا وبحدة على النظام الإيراني، بما أن فرنسا وهي داعم قوي للعراق تشكل المفتاح الذي تحتاجه إيران وأذرعها للتحرك في أوروبا.
فعلى سنوات عديدة، بذلت فرنسا جهودا حثيثة لمساعدة العراق على التغلب على التحديات التي يواجهها ودعم قطاعاته الأمنية والتنموية والخدمية.
ومن خلال مهاجمة مصالح البعثات الدبلوماسية والتحالف الدولي في العراق وتقويض الجهود الفرنسية فيه، فإن الميليشيات المدعومة من إيران تبعد فرنسا عن إيران، الأمر الذي سيعرض قدرة النظام الإيراني وحزب الله اللبناني على العمل في أوروبا للخطر.
وقد تم استهداف مواقع عسكرية ودبلوماسية أجنبية بعشرات الصواريخ والهجمات بالقنابل المزروعة بجانب الطريق منذ أواخر عام 2019، بما في ذلك هجوم استهدف السفارة الأميركية ببغداد في 20 كانون الأول/ديسمبر 2020.
فرنسا مفتاح لوصول إيران إلى أوروبا
ووفق تحليل نشره المجلس الأطلسي في 13 آب/أغسطس، "تمنح بروكسل في الوقت الراهن حقوقا تشغيلية كبيرة داخل الاتحاد الأوروبي لحزب الله الذي هو كناية عن تنظيم إرهابي يهيمن على السياسة اللبنانية".
وقال التقرير إن "سياسة الاتحاد الأوروبي تعكس إلى حد كبير التفضيلات الفرنسية. فمن الممكن أن تُحدث باريس تغييرا بين ليلة وضحاها، إذا أرادت ذلك".
ويعد ذلك منطقيا، إذ أن فرنسا مرتبطة ارتباطا أوثق بلبنان مقارنة بأي دولة عظمى أوروبية أخرى، علما أن لبنان كان سابقا تحت الانتداب الفرنسي.
وقد انقلبت الأمور في السنوات الماضية بالنسبة لحزب الله اللبناني، لا سيما أن عددا متزايدا من الدول بما في ذلك بريطانيا وألمانيا، صنفه جماعة إرهابية، وذلك وسط اعتراف متزايد بأن لا تمييز إطلاقا بين جناحيه السياسي والعسكري.
وأضاف التقرير أنه رغم ذلك، فإن "فرنسا لطالما أمالت سياسة الاتحاد الأوروبي لصالح وصول مطلق لكل الأحزاب في لبنان، بما في ذلك حزب الله الذي له مقاعد في كل من البرلمان والحكومة".
وقد خدم ذلك مصالح فرنسا، إذ مكّنها من الحصول على "قنوات متواصلة مع كافة مفاصل الحكم في لبنان".
ولكن كانت كلفة هذا الوصول عالية، وهي معرضة للارتفاع بصورة أكبر. وفي وجه الهجمات التي تنفذها أذرع إيران في العراق، قد تبتعد فرنسا عن هذا الموقف بصورة تامة، حسبما ذكر خبراء.
ومن شأن ذلك أن يزيد من عزلة حزب الله وإيران، علما أنهما مستهدفان بحملة العقوبات الأميركية.
وفي السياق نفسه، وبعد انفجار 4 آب/أغسطس في مرفأ بيروت، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إيران من أي تدخل في لبنان.
دعم السيادة العراقية
وقال المحلل السياسي العراقي غانم العابد إن الهجمات التي يشنها وكلاء إيران، بما فيها الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية والمقرات الدبلوماسية، تثير قلق دول العالم.
وأضاف أنها تشكل "تهديدا كبيرا" لاستقرار العراق والمنطقة، مشيرا إلى أن الموقف الفرنسي من هذه الهجمات واضح للمراقبين والمحللين.
وذكر أن "فرنسا دانت في أكثر من مرة استهداف البعثات الدبلوماسية وأظهرت رسائل حازمة بأنها ضد أي مساس بسيادة العراق".
وعلى سبيل المثال، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول زيارة رسمية له إلى العراق في أيلول/سبتمبر، وقال إن "المعركة من أجل سيادة العراق مسألة أساسية".
وقبل شهر من ذلك، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي قد عقدت محادثات في بغداد، وتعهدت بمواصلة تقديم الدعم لمعركة العراق ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وبعد زيارة ماكرون، قال رئيس المجلس الاستشاري في الرئاسة العراقية علي الشكري إن فرنسا "ستدعم كل الجهود الرسمية لتعزيز السيادة العراقية والتعامل مع العراق كدولة ذات سيادة كاملة".
وأكد العابد أن "هجمات الميليشيات وعلى رأسها كتائب حزب الله، تسيء لسمعة العراق ومكانته، وأنها محاولة لإغراقه في تبعات سياسية واقتصادية وفي عزلة دولية".
وتابع أن "هذا ما تريده إيران"، مشيرا إلى أن الجمهورية الإسلامية تطبق سياسة "إضعاف الدول والتدخل بشؤونها لفرض الهيمنة عليها".
وذكر أن فرنسا وبقية الحلفاء الدوليين يقفون اليوم مع العراق وحكومته في مقاومة التمدد والتأثير السيء لميليشيات إيران.
وشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة العراقية في هذه الفترة الحاسمة "باستثمار هذا الزخم والالتفاف الدولي للعمل على تثبيت هيبة الدولة وقوة القانون ضد كل [الميليشيات] الطائفية".
الرد العراقي على المسلحين
ومن جانبه، قال الناطق باسم العشائر العربية في نينوى الشيخ مزاحم الحويت إن "الحكومة تعاملت بقوة مع القصف الأخير للمنطقة الخضراء"، في إشارة إلى هجوم شن في 20 كانون الأول/ديسمبر على السفارة الأميركية في بغداد.
وكانت القوات العراقية قد لاحقت المهاجمين عقب الهجوم، وألقت القبض على عدد من أعضاء ميليشيا عصائب أهل الحق المدعومة من إيران.
وأضاف الحويت أن رد الحكومة الذي لا لبس فيه "مؤشر واضح على نفاد صبرها من الممارسات غير المسؤولة للميليشيات المدعومة من إيران".
وبعد عمليات الاعتقال، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على استعداد حكومته لكبح جماح الميليشيات التي حاولت الانتشار بالشوارع والتهديد بإرباك الأوضاع الأمنية.
وأضاف أن التدابير الحكومية لكبح أنشطة ميليشيات إيران "أخذت طريقها للتنفيذ" الآن.
وتابع أن العراق تلقى "رسائل تأييد ودعم من فرنسا" وبقية الدول "لمساندته في أية خطوة تفضي لتعزيز سيادته الوطنية وتسير به لبر الأمان والازدهار".
وشدد على أن الدعم الفرنسي والدولي يهدف لتقوية صمود العراق في وجه الميليشيات التي تدعمها إيران والتي تلحق الأذى بالدولة العراقية.