قامت بيجين على مدى سنوات باستخدام قوة شركة هواوي العملاقة في مجال التكنولوجيا للحصول على معلومات من مصادر مطلعة داخلية عن المفاوضات والصفقات التي تجري حول العالم.
ومع بروز انقسامات أكثر فأكثر ضمن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومع حصول الصين على نسبة ضخمة من الإنتاج النفطي من المنظمة، قال مراقبون إن التهديد الذي تشكله هواوي بات أكبر من أي وقت مضى.
وما يشكل مصدر قلق أساسي هو الاتفاقيات التي وقعتها هواوي الصينية مؤخرا مع شركة الاتصالات السعودية الرائدة زين السعودية وشركة دو، وهي إحدى شركات الاتصالات الأسرع نموا في الإمارات.
وعلى هامش ملتقى عالم الهاتف النقال لعام 2023 الذي نظم في برشلونة بين 27 شباط/فبراير و2 آذار/مارس، وقعت هواوي وزين السعودية مذكرة تفاهم لتعاون استراتيجي من أجل بناء شبكة رائدة عالمية من الجيل الخامس والنصف "5.5 جي سيتي".
هذا ووقعت أيضا قبل يوم من ذلك كل من هواوي ودو التي تندرج ضمن شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة مذكرة تفاهم بشأن تعاون استراتيجي على الجيل الخامس والنصف، متعاونتين بصورة "وثيقة" من أجل "تغطية حصة كبيرة من سوق الشرق الأوسط".
واستثمرت شركة هواوي مليارات الدولارات وحققت وجودا شبه احتكاري في الشرق الأوسط وإفريقيا، وبالتالي قد يبدو من الطبيعي للشركة العملاقة في مجال التكنولوجيا أن تعزز شراكتها مع موفري التكنولوجيا المحليين.
ولكن هواوي، التي تعتبر ظاهريا شركة عادية مصنعة للهواتف المحمولة والمنتجات الاستهلاكية، مدعومة إلى حد كبير من قبل الحكومة الصينية ولها صلات عميقة بجيش التحرير الشعبي.
وأدى هذا الواقع، إلى جانب الخلاف الأخير بين السعودية والإمارات في سياق منظمة إوبك، إلى إثارة مخاوف بشأن تواجد هواوي المتزايد في البلدان المنتجة للنفط.
اختبار التحالفات
وبدأت الانقسامات تظهر ضمن تحالف أوبك في 2021 عندما وقع خلاف بين السعودية والإمارات بشأن القرارات المرتبطة بإنتاج النفط وتسعيره.
وفي شهر تموز/يوليو من العام نفسه، ترأست السعودية مفاوضات مع روسيا التي تندرج ضمن كتلة أوبك+ المؤلفة من 13 دولة، وهو ما أدى إلى اتفاق بزيادة إنتاج النفط تدريجيا للدول الأعضاء.
وشكّل الاتفاق ظاهريا تغييرا مرحبا به عقب الركود الذي رافق جائحة كوفيد، ولكن المحادثات تعثرت على خلفية اقتراح لتمديد مدة تلك التدابير حتى نهاية العام 2022.
وطالبت الإمارات، التي لا تؤيد إلا زيادة على المدى القصير، بشروط أفضل لتمديد الاتفاق حتى العام 2022.
وعبّر وزير الطاقة الإماراتية سهيل محمد المزروعي عن معارضته للاتفاق، ما أدى إلى خلاف علني نادر بين الدولتين الخليجيتين.
وقال المزروعي لقناة سكاي نيوز عربية آنذاك "من غير المعقول القبول بمزيد من الظلم والتضحية، فقد تحلينا بالصبر".
ورد وزير الطاقة السعودية الأمير عبد العزيز بن سلمان بمرارة، مشيرا إلى أن الإمارات باتت معزولة ضمن كتلة أوبك+.
وقال لتلفزيون بلومبرغ "إنها المجموعة بكاملها مقابل دولة واحدة، وهو أمر مؤسف بالنسبة لي لكنه الواقع".
واختلف الجانبان مجددا في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي عندما قررت أوبك+ خفض إنتاج النفط بصورة كبيرة لدعم أسعار النفط الخام.
وقال محللون إن الخلاف العلني يشير إلى مشاكل أكبر بين الدولتين الصديقتين.
وكتب سامي حمدي رئيس تحرير مجلة إنترناشونال إنترست لإنسايد أرابيا في تموز/يوليو 2021، إن "ثقة الرياض التامة باتفاقها كانت عالية لدرجة أنها لم تفكر في أي سيناريو حيث قد يتم تحديها علنا من قبل دول أخرى في الأوبك، ناهيك عن أقرب حليف لها، وهي أبو ظبي".
وتابع أنه "في حين أنه من الممكن أن تكون الأزمة التي نشأت مع الخلاف العلني بشأن النفط قد تفاقمت، إلا أن ردة فعل السعودية تشير إلى استياء وخيبة أمل أعمق تجاه أقرب الحلفاء إليها، وهو أمر يتخطى الأوبك".
وقال مسؤولون إماراتيون إن الإمارات تبحث داخليا في مسألة ترك منظمة أوبك، حسبما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال في 3 آذار/مارس.
وجرى الحديث عن ترك منظمة أوبك على مدى سنوات بين زعماء الإمارات، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء. ولكن أعيد إحياء هذه الفكرة بسبب الخلافات الأخيرة بين أكبر منتجي نفط في المنظمة، وهو ما قد يؤثر إلى حد كبير على سوق النفط العالمي.
وفي هذا السياق، قالت دينا أسفندياري، وهي مستشارة بارزة للشرق الأوسط وإفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن الإماراتيين "قلقون بشأن تحرك سعودي ضد مصالحهم".
وتابعت أنه في هذه الأثناء، يتخوف السعوديون من إمكانية أن تشكل الإمارات خطرا على السيطرة السعودية في الخليج.
الصين متعطشة للنفط
وذكر مراقبون أنه من المنتظر أن تقوم الصين، التي من المتوقع أن تستورد كمية قياسية من النفط الخام في العام 2023، باستغلال أي انقسام سائد.
وخلال العقدين الماضيين، قام الخليج بتزويد الصين بصورة منتظمة بنحو نصف وارداتها من النفط الخام من الخارج، في حين تراجع اعتماد بيجين على النفط الخام القادم من مناطق أخرى.
وكتب هنري توغنهات، وهو خبير اقتصادي متخصص بالشأن الصيني، في تحليل نشره في 19 كانون الأول/ديسمبر معهد الولايات المتحدة للسلام، أن "الصين، التي تدرك على ما يبدو نقاط الضعف، قد استغلت فرصة الأسعار الروسية المنخفضة لزيادة مخزونها التجاري والاستراتيجي من النفط الخام خلال الأشهر الماضية".
وتابع أن "الصين ليست معجبة بسقوف إنتاج أوبك. إنها مستورد للنفط مع اقتصاد تصدير يستند إلى الصناعة ولديها قطاع نقل يستهلك البنزين بصورة هائلة".
وفي هذه الأثناء، أعلن رئيس الوزراء الصيني المنتهية ولايته لي كه تشيانغ في 5 آذار/مارس أن الإنفاق العسكري بالبلاد سيزداد بأسرع وتيرة له في 4 سنوات.
وبدوره، ذكر ألفرد مولوان وي، وهو أستاذ مساعد في كلية السياسات العامة بجامعة لي كوان يو بجامعة سنغافورة، أن النمو المستدام في الإنفاق الدفاعي رغم التوقعات الاقتصادية المتراجعة يظهر أن "الأمن بات اليوم أهم بكثير بالنسبة للقيادة الوطنية" مقارنة بأي وقت مضى.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه "بات حتى إلى حد ما أهم من النمو الاقتصادي".
المعلومات أساسية
يُذكر أن مذكرتي التفاهم التي وقعتهما هواوي مع موفري التكنولوجيا في السعودية والإمارات يمكن أن تؤمنا لبيجين وصولا من الداخل إلى عملية اتخاذ القرارات بشأن أوبك ومعلومات حساسة أخرى.
وأشار تقرير نشرته مؤسسة بروكينغز في نيسان/أبريل 2021 إلى أن القدرات المعلوماتية تكمن في صميم برنامج التحديث العسكري الصيني.
ونقل التقرير عن تشنغ أنكي من الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات قوله في عام 2020 "إذا كانت القوات العسكرية الحديثة تتمتع بقدرة معلوماتية قوية، فإنها تتمتع بقدرة عسكرية قوية".
وأضاف أن "أساس قوة المعلومات هو الشبكة. بدون دعم شبكات النطاق العريض المتنقلة والمنتشرة في كل مكان، فإن قوة الجيش في امتلاك المعلومات تبقى مجرد كلام فارغ".
يُذكر أن كل من أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة اجتمعت لحظر هواوي وشركة زد تي إي، وهي شركة تكنولوجيا مملوكة جزئيا للدولة، من شبكاتها الوطنية، مشيرة في هذا الإطار إلى مخاوف ترتبط بالتجسس ومخاطر أمنية.
وقالت رئيسة لجنة الاتصالات الفدرالية الأميركية جيسيكا روزنوورسيل في بيان صدر في تشرين الثاني/نوفمبر إن "واشنطن منعت هواوي من تزويد أنظمة الحكومة الأميركية وشجعت بشدة القطاع الخاص على عدم استخدام معداتها بسبب مخاوف من اضطراره إلى مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحكومة الصينية".
ونقل موقع تيك إتش كيو في 7 آذار/مارس أن ألمانيا تستعد أيضا لمنع شبكات الاتصالات فيها من الاعتماد على الشركتين الصينيتين.
وقال النائب في البرلمان والخبير في السياسة الرقمية مايك أوسيندورف بحسب وسائل الإعلام المحلية إن "هناك حاجة ماسة إلى إزالة [تكنولوجيا الشركات الصينية] من المساحة الأساسية من بنيتنا التحتية التقنية الحيوية على الأقل".
وشدد قائلا "لا تزال الكثير من تقنيات هواوي مثبتة في بنيتنا التحتية الحيوية اليوم. وهذا أمر سيء".
فضح الرقابة الصينية
وقد سجلت مثل هذه المخاوف في السابق.
ففي عام 2021، تم الكشف عن مجموعة القرصنة "لايت بيسين" المرتبطة بالحكومة الصينية وهي تخترق شبكات الهواتف المحمولة حول العالم باستخدام أدوات متطورة لسرقة سجلات المكالمات والرسائل النصية.
وفي عام 2020، تم اختراق مقر الاتحاد الإفريقي فيما وصفه محللو الجريمة بأنه جزء من نمط أكبر تنتهجه الشبكات الصينية للتسلل إلكترونيا إلى قنوات الاتصال الرئيسة.
وتمكنت مجموعة القرصنة الملقبة بـ "الرئيس البرونزي"، من مراقبة الكاميرات التي تغطي مكاتب الاتحاد الإفريقي ومواقف السيارات والممرات وغرف الاجتماعات.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال في عام 2019 أن هواوي باعت أيضا أدوات أمنية تستخدمها الحكومات للمراقبة الرقمية والرقابة، وأن موظفي الشركة قدموا خدمات أخرى سرية.
وأضافت الصحيفة أن "فنيين من الشركة الصينية العملاقة ساعدوا شخصيا في حالتين على الأقل حكومات إفريقية في التجسس على خصومها السياسيين".
ووفقا لبيانات جمعها عالم المراقبة الرقمية في جامعة ولاية بويز ستيفن فلدستين، باعت هواوي أنظمة متقدمة للمراقبة بالفيديو والتعرف على الوجه في أكثر من 20 دولة، حسبما أوردته وول ستريت جورنال.
وعقب تحقيق أجرته عام 2021، كشفت صحيفة واشنطن بوست أنها دققت في أكثر من مائة عرض تسويقي لشركة هواوي، طبع العديد منها بكلمة "سري".
وأشار التقرير إلى أن هذه العروض التقديمية أظهرت هواوي "وهي تسوق لتقنياتها وكيف يمكن لهذه الأخيرة مساعدة السلطات الحكومية في التعرف على الأفراد عن طريق الصوت ومراقبة سياسيين محددين وإدارة إعادة التأهيل الأيديولوجي وجداول العمل الخاصة بالسجناء، إضافة إلى مساعدة تجار التجزئة على تعقب المتسوقين باستخدام تقنية التعرف على الوجه".
وقد ارتبط اسم هواوي أيضا ببرنامج التعرف على الوجوه في مقاطعة شينجيانغ الصينية، حيث أجبر ملايين المسلمين على الإقامة في "معسكرات إعادة تأهيل" وتعرضوا للتعذيب والاغتصاب واعتداءات أخرى.