أثار منطاد التجسس الصيني الذي حلق فوق الولايات المتحدة في مطلع شهر شباط/فبراير الجاري موجة غضب دبلوماسية وجدد المخاوف المرتبطة بكيفية جمع بيجين للمعلومات استخباراتية، بما في ذلك عبر شركة الاتصالات العملاقة هواوي.
وأعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في 14 شباط/فبراير، أن بيجين تدير "برنامجا مدروسا وممولا تمويلا جيدا" لاستخدام مناطيد تحلق على ارتفاع عال ويصعب اكتشافها بهدف التجسس على الولايات المتحدة ودول أخرى.
وذكر الجيش الأميركي قبل يوم من ذلك أن الولايات المتحدة انتشلت أجزاء مهمة من أجهزة استشعار وإلكترونيات تابعة لمنطاد تجسس صيني مشتبه به أسقطته في 4 شباط/فبراير.
وبقي المنطاد أياما عدة في أجواء أميركا الشمالية، محلقا كذلك فوق سلسلة من مواقع أسلحة نووية سرية للغاية.
ووفقا لشبكة سي إن إن، يقوم مهندسو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بدراسة بقايا المنطاد التي تمت استعادتها في مختبر حكومي أميركي في كوانتيكو بولاية فرجينيا، في محاولة منهم لفهم حجم قدراته التقنية.
ويتضمن ذلك نوع البيانات التي يمكن أن يعترضها المنطاد ويجمعها والأقمار الصناعية التي تم ربطه بها وما إذا كانت تشوبه أي نقاط ضعف قد تكون الولايات المتحدة قادرة على استغلالها.
وأفادت صحيفة واشنطن بوست في 7 شباط/فبراير نقلا عن العديد من المسؤولين الأميركيين، أن منطاد التجسس الذي تمركز لسنوات عدة وبشكل جزئي بمقاطعة هاينان قبالة الساحل الجنوبي للصين، قد جمع معلومات عن الأصول العسكرية في البلدان والمناطق التي لها أهمية استراتيجية ناشئة بالنسبة للصين.
وبدأ المسؤولون الأميركيون بمشاركة تفاصيل التحقيقات المتعددة مع مسؤولين في دول استهدفتها بيجين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إداري رفيع تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله "إن حلفاءنا وشركاءنا أبدوا اهتماما كبيرا بهذه المعلومات".
وأضاف المسؤول "يدرك العديد منهم أنهم قد يكونوا أيضا مستهدفين أو عرضة لذلك، أو قد يكونوا مصدر اهتمام بالنسبة لجمهورية الصين الشعبية".
’مخاطر غير مقبولة‘
هذا وأدى فشل تحرك المنطاد الذي كشف عن تباينات حقيقية في ردود فعل المواطنين الصينيين على مواقع التواصل الاجتماعي وأثار تكهنات بشأن انقسامات مقلقة أكثر داخل الحكومة الصينية نفسها، إلى تسليط الضوء مجددا على شركة هواوي التي تعتبر أكبر شركة تكنولوجيا في الصين.
وإن هواوي التي تعتبر ظاهريا شركة عادية مصنعة للهواتف المحمولة والمنتجات الاستهلاكية، مدعومة إلى حد كبير من قبل الحكومة الصينية ولها صلات عميقة بجيش التحرير الشعبي.
وفي عام 2019، اتهمت وزارة العدل الأميركية شركة هواوي بالتآمر لسرقة الأسرار التجارية الأميركية والتهرب من العقوبات المفروضة على إيران، بالإضافة إلى مخالفات أخرى.
ومنعت واشنطن الشركة من تزويد أنظمة الحكومة الأميركية وشجعت بشدة القطاع الخاص على عدم استخدام معداتها بسبب مخاوف من اضطراره إلى مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحكومة الصينية.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية جيسيكا روزنوورسيل في بيان صدر في تشرين الثاني/نوفمبر بعد حظر الموافقة على تراخيص معدات الاتصالات الجديدة من هواوي وزد تي إي، إن "هذه الأحكام الجديدة تعد جزءا مهما من إجراءاتنا المستمرة لحماية الشعب الأميركي من كل ما يهدد الأمن القومي في مجال الاتصالات".
وتواصل الحكومة الأميركية مراقبة الشركة من كثب.
وأفادت وكالة رويترز نقلا عن مصادر مطلعة، أن إدارة بايدن توقفت في كانون الثاني/يناير عن الموافقة على منح الشركات الأميركية تراخيص لتصدير معظم المعدات إلى شركة هواوي الصينية.
ولطالما واجهت هواوي قيود تصدير أميركية ترتبط بمعدات الجيل الخامس وغيرها من التقنيات، ولكن منح مسؤولو وزارة التجارة الأميركية تراخيص لبعض الشركات الأميركية لبيع سلع وتقنيات معينة للشركة.
وقال شخص مطلع إن المسؤولين الأميركيين يعملون حاليا على وضع سياسة رسمية جديدة لرفض شحن أي معدات إلى شركة هواوي، وستشمل المكونات التي هي تحت مستوى الجيل الخامس ومنها الجيل الرابع وواي فاي 6 و7 والذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء والحوسبة السحابية.
ونقلت رويترز عن شخص آخر أنه تم أيضا حظر تراخيص تصدير رقائق الجيل الرابع التي لا يمكن استخدامها لشبكات الجيل الخامس، رغم أنه من الممكن أنها قد حصلت على موافقة في وقت سابق.
هذا وحظرت دول غربية أخرى هواتف هواوي على شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس، مشيرة إلى مخاطر أمنية.
على سبيل المثال، أجرت أجهزة الأمن في ليتوانيا تحقيقا في هواتف هواوي ووجدت أن بعض الإصدارات تحتوي على مخاطر أمنية هائلة.
وقال نائب وزير الدفاع الليتواني مارجيريس أبوكيفيسيوس لوكالة صوت أميركا عام 2021 إن "المخاطر التي نتحدث عنها حقيقية. هذا هو أفضل إجراء للحد من المخاطر".
وأضاف أنه يتعين على الدول الأخرى الاطلاع على الدراسة والتفكير باتخاذ الإجراء نفسه.
وذكر لصوت أميركا "أعتقد أن دراستنا تسلط الضوء على ضرورة تجاوز حدود ذلك النقاش في مجال الاتصالات، والتفكير بقطاعات أخرى أيضا".
وجاء في التقرير أن هاتف هواوي يشكل تهديدا لأنه يعيد توجيه المستخدمين تلقائيا إلى متاجر تطبيقات تابعة لجهات خارجية يمكن أن تستضيف تطبيقات مصابة بالفيروسات.
مراقبة على مستوى العالم
ومنذ سنوات عديدة، تشير الأدلة المتزايدة من مختلف أنحاء العالم إلى الدور المحوري الذي تلعبه شركة هواوي في أنشطة التجسس الصينية.
في عام 2021، نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقا مثيرا حول هواوي استعرض فيه الصحافيون التابعون لها أكثر من مائة عرض تقديمي لشركة هواوي، علما أن العديد منها كان مطبوعا بكلمة "سري".
وذكر التقرير أن "هذه العروض التسويقية التي نشرت علنا على موقع هواوي الإلكتروني قبل أن تحذفها الشركة أواخر العام الماضي، تظهر هواوي وهي تسوق لتقنياتها وكيف يمكن لهذه الأخيرة مساعدة السلطات الحكومية في التعرف على الأفراد عن طريق الصوت ومراقبة سياسيين محددين وإدارة إعادة التأهيل الأيديولوجي وجداول العمل الخاصة بالسجناء، إضافة إلى مساعدة تجار التجزئة على تعقب المتسوقين باستخدام تقنية التعرف على الوجه".
هذا وارتبط اسم هواوي أيضا ببرنامج التعرف على الوجوه في منطقة في شينجيانغ الصينية، حيث أجبر ملايين المسلمين على الإقامة في "معسكرات إعادة تلقين" وتعرضوا للتعذيب والاغتصاب واعتداءات أخرى.
وارتفع الإنفاق على المراقبة في شينجيانغ بشكل حاد في السنوات الأخيرة، مع انتشار تقنيات التعرف على الوجه وماسحات قزحية العين وعمليات جمع الحمض النووي والذكاء الاصطناعي في مختلف أنحاء المقاطعة بذريعة مكافحة الإرهاب.
وخلص تحقيق أجرته المجلة المتخصصة بشؤون الرقابة آي بي في إم وواشنطن بوست عام 2020 إلى أن شركة هواوي تعاونت مع عدد من الشركات الأخرى المرتبطة بالحكومة الصينية لاختبار "أجهزة إنذار رصد الإيغور" والتصديق على جودتها.
وذكرت واشنطن بوست آنذاك أن "التقرير الاختبار أشار إلى أنه إذا كشف النظام وجه شخص من الأقلية ذات الغالبية المسلمة، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق ’إنذار رصد الإيغور‘، ومن المحتمل أن يبلغ الشرطة الصينية عنه".
وأظهرت ميزة برمجيات التعرف على الوجوه التي ابتكرتها شركة التكنولوجيا العملاقة علي بابا واختبرتها شركة هواوي، كيف يمكن للعملاء اكتشاف الأويغور والأقليات العرقية الأخرى من وجوههم في الصور ومقاطع الفيديو.
وعملت هواوي أيضا مع ميغفي، إحدى أكبر شركات برمجيات التعرف على الوجه في البلاد.
ووجدت مجلة آي بي في إم "تقريرا سريا حول قابلية التشغيل البيني" لشركة هواوي، يوضح كيف عملت الشركتان سويا عام 2018 لاختبار نظام كاميرا بالذكاء الاصطناعي يمكنه مسح الوجوه في حشد من الناس وتقدير عمر وجنس وعرق كل شخص.
وقالت مايا وانغ وهي باحثة أولى في شؤون الصين في هيومن رايتس ووتش، إن بيجين استخدمت الذكاء الاصطناعي أكثر فأكثر لمراقبة عامة الناس وقمع الأقليات والمتظاهرين وغيرهم ممن يعتبرون أنهم يشكلون تهديدا للدولة.
وأضافت وانغ لصحيفة واشنطن بوست عام 2020 أن "طموح الصين في المراقبة يذهب بعيدا جدا ويتخطى مجرد اضطهاد الأقليات".