لوكسمبرغ -- مع تزايد الأدلة التي تشير إلى تورط المرتزقة الروس في أعمال وحشية حول العالم، قام ممول مجموعة فاغنر بمحاولة أخيرة لإبعاد نفسه عن الاتهامات.
وكان يفغيني بريغوزين، وهو حليف مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،قد طعن على قرار صدر في العام 2020 لتجميد أصوله في الاتحاد الأوروبي ووضعه على لائحة حظر منح التأشيرات على خلفية نشر مقاتلي فاغنر في ليبيا.
ولكن محكمة عليا في الاتحاد الأوروبي رفضت يوم الأربعاء، 1 حزيران/يونيو، طعن بريغوزين.
الغاية هي المال
ويحارب مرتزقة فاغنر في ليبيا منذ العام 2018 دعما للجيش الوطني الليبي المدعوم من روسيا بقيادة الزعيم العسكري الجنرال خليفة حفتر.
وتعد احتياطيات ليبيا النفطية الهائلة وموقعها الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط موضع اهتمام لموسكو التي تسعى لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هذا ويشتبه أن يكون الانتشار الخارجي الأكبر لمجموعة فاغنر في ليبيا، في حين تشارك شركات عسكرية خاصة روسية أخرى في الصراع أيضا، بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة.
وفي المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، ادعى بريغوزين أنه "ليس على علم بكيان يعرف باسم مجموعة فاغنر"، رغم أن الاتحاد قدم "أدلة محددة ودقيقة ومتسقة تظهر الروابط الوثيقة العديدة بين السيد بريغوزين ومجموعة فاغنر".
وقد أدرج أيضا اسم بريغوزين على لائحة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي "على خلفية تورطه المزعوم في مؤامرة للاحتيال على الولايات المتحدة".
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الشركة الروسية إيفرو بوليس في العام 2018، قائلة إنه تم التعاقد مع الشركة "لحماية" حقول النفط السورية التي هي "مملوكة أو خاضعة" لبريغوزين.
كما تم الربط بين الشركة وبين أعمال معينة في ليبيا.
كذلك، يخضع بريغوزين للعقوبات في واشنطن على خلفية تدخله بالانتخابات الأميركية للعام 2016، وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه في نيسان/أبريل على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
وذكر مسؤول أوروبي في نيسان/أبريل أن ما يصل إلى 20 ألف عنصر مرتزقة من مجموعة فاغنر إلى جانب عناصر من سوريا وليبيا، يقاتلون إلى جانب قوات موسكو في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، قالت دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية في نيسان/أبريل إنها اعترضت اتصالات لاسلكية أشارت إلى أن عناصر من مجموعة فاغنر لعبوا دورا في قتل مدنيين أوكرانيين مع انسحاب القوات الروسية من مدينة بوتشا.
ʼإرث قاتلʻ
وظهرت مجموعة فاغنر للمرة الأولى في أوكرانيا عام 2014. ومنذ ذلك الحين، شارك مرتزقتها في صراعات حول العالم، بينها سوريا وموزمبيق والسودان وفنزويلا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وتشاد.
واتهم المسلحون المأجورون بارتكاب جرائم حرب في كل نقطة ساخنة انتشروا فيها تقريبا، بما في ذلك أوكرانيا ومالي وليبيا وسوريا.
وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان صدر في 31 أيار/مايو أن "معلومات جديدة من وكالات ليبية وجماعات إزالة ألغام تربط مجموعة فاغنر باستخدام الألغام الأرضية المحظورة والأفخاخ المتفجرة في ليبيا في الفترة الممتدة بين 2019 و2020".
وتابعت المنظمة أن "الألغام الأرضية المضادة للأفراد والمصممة لتنفجر بوجود شخص أو قربه منها أو ملامسته إياها، تنتهك القانون الإنساني الدولي لأنها لا تستطيع التمييز بين المدنيين والمقاتلين".
وأوضحت لما فقيه مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش أن "مجموعة فاغنر أضافت إلى الإرث القاتل للألغام والأفخاخ المتفجرة المنتشرة في ضواحي طرابلس، ما يجعل عودة الناس إلى ديارهم خطرة".
وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، "يبدو أن [مرتزقة فاغنر] أعدموا مدنيين بدون محاكمة، كما قاموا بتعذيب آخرين وضربهم منذ العام 2019"، حسبما أوردت منظمة هيومن رايتس ووتش في 3 أيار/مايو.
ومن جانبها، نددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه في نيسان/أبريل الماضي بـ الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في جمهورية إفريقيا الوسطى، والتي شملت أعمال قتل وعنف جنسي ارتكبتها الجماعات المتمردة وأيضا الجيش وحلفاؤه الروس بحق المدنيين.
وفي مالي حيث يحرس مرتزقة مجموعة فاغنر القصر الرئاسي، أثير جدل حول عملية نفذت في آذار/مارس في مورا وأسفرت عن مقتل المئات من الناس.
ووصف جيش مالي وشهود عيان قابلتهم الصحافة ومنظمة هيومن رايتس ووتش العملية بأنها مجزرة طالت المدنيين، مع أعمال اغتصاب ونهب نفذها جنود ماليون ومقاتلون أجانب يعتقد أنهم روس.
ʼسلسلة أكاذيبʻ
وفي محاولة لصرف الانتباه عن "الأعمال الوحشية" التي ارتكبتها مجموعة فاغنر، كثفت موسكو حملتها التضليلية في مالي، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية في بيان بتاريخ 24 أيار/مايو.
وقالت الوزارة إن فاغنر وكيانات أخرى مرتبطة ببريغوزين "تستغل الأوضاع المضطربة عبر التضليل" لتعزيز مكانة روسيا.
وأضافت أن "اعتماد روسيا المكثف على التضليل واستخدام مجموعة فاغنر في مختلف أنحاء إفريقيا أدى إلى نشر سلسلة أكاذيب إلى جانب انتهاكات لحقوق الإنسان".
وتابعت "وسط معلومات متزايدة عن ارتكاب مجموعة فاغنر أعمال وحشية في مالي منذ وصولها إلى البلاد في العام 2021، تستمر آلة روسيا التضليلية والدعائية بنشر الروايات المضللة لتحويل الانتباه وتجنب تحمل المسؤولية".
وتوفر نظرة سريعة علىتورط روسيا في أوكرانيا وسوريا تحذيرا لليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي ودول أخرى.
فعلى مدى سنوات، ضخ الكرملين المقاتلين والمال في الصراع السوري دعما للرئيس بشار الأسد، وذلك في إطار سعيه لتعزيز نفوذه الجيوسيساسي.
وتدفقت الشركات العسكرية الخاصة إلى سوريا خلال السنوات الماضية، لدرجة أنها باتت تقوض دور الجيش السوري.
وفي تقرير صدر في أيلول/سبتمبر 2019، اتهمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الكرملين بارتكاب "مئات جرائم الحرب" خلال عملياته العسكرية في سوريا منذ العام 2015.
وفي 15 آذار/مارس 2021، رفعت 3 مجموعات حقوقية من فرنسا وسوريا وروسيا شكوى قانونية تاريخية في موسكو ضد مجموعة فاغنر، وذلك على خلفية قيامها بقطع رأس مواطن سوري عام 2017 وانتهاكات اعتبرت أنها ترقى إلى "جرائم حرب".
ʼأسطورة فاغنرʻ
يُذكر أن جنديا روسيا سابقا ومقاتلا في فاغنر أرسل إلى شرق أوكرانياثم إلى سوريا حيث أصيب بجروح بالغة، أكد الأنشطة الوحشية التي تنفذها المجموعة.
حيث قال مارات غابيدولين، 55 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية في مقابلة أجريت في 11 أيار/مايو إن روسيا تستخدم المرتزقة "بطريقة تتعارض مع كل الأعراف والقيم الأخلاقية".
لكن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أعاد الشهر الماضي التأكيد على موقف الكرملين الرسمي والذي مفاده أن فاغنر متواجدة في بلدان مثل مالي وليبيا "على أساس تجاري".
وبوتين نفسه وصف فاغنر بأنها "شركة خاصة".
وردا على تقارير تحدثت عن إدارة فاغنر منجم ذهب في السودان، نفى بريغوزين وجود المجموعة أصلا.
وقال في رد خطي طويل نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 5 حزيران/يونيو "للأسف، لم أملك يوما شركات تعنى بمناجم الذهب".
وتابع "وأنا لست رجلا عسكريا روسيا".
وأضاف أن "أسطورة فاغنر ليست إلا أسطورة".
بالمقابل، نفى غابيدولين فكرة أن فاغنر غير مرتبطة بالدولة.
وأوضح أن "حيازة أفراد عاديين لمثل هذه الأسلحة ليست ممكنة إلا بموافقة السلطات الرسمية. لا أقل من ذلك".