قال محللون إن حاملة الطائرات المسيرة التي كشفت عنها الصين مؤخرا تعزز المخاوف حول نوايا بيجين وسط سعيها للحصول على السيادة العسكرية في المحيط الهادئ.
رسميا، هي مجرد سفينة أبحاث، لكن تدشين الصين للسفينة زهو هاي يون الشهر الماضي يعتبر مؤشرا واضحا على أن بيجين تعجل الخطوات لنشر سرب مستقل من الطائرات غير المأهولة.
وهذه الحاملة قادرة على نقل عدد غير محدد من الطائرات المسيرة إضافة إلى المركبات السطحية ومركبات تحت الماء، ويمكن تشغيلها بصورة مستقلة بفضل الذكاء الاصطناعي، بحسب وسائل الإعلام الحكومية.
وورد أن السفينة تتمتع أيضا بقدرة عسكرية على "اعتراض الأهداف الغازية وطردها".
ومن المخطط أن تكون السفينة التي يبلغ طولها 89 مترا جاهزة للعمليات بحلول نهاية العام بسرعة قصوى تبلغ 18 عقدة، ما يزيد بصورة كبيرة من إمكانات المراقبة الصينية في منطقة المحيط الهادئ الشاسعة التي تعتبرها منطقة نفوذ لها.
وتنظر الجيوش على مستوى العالم لأسراب الطائرات المسيرة على أنها لاعب رئيس في العمليات القتالية، وذلك بسبب قدرتها على تعطيل أنظمة الدفاع بفضل أعدادها الكبيرة وبدون تعريض حياة الجنود للخطر كما يحصل في الطائرات أو الدبابات الأكثر كلفة.
وقال المقدم في الجيش الأميركي والمتخصص في العلاقات الدولية في جامعة كورنيل في نيويورك، بول لوشينكو، "قد يكون ذلك تطورا فريدا من نوعه، لكن القوات البحرية الأخرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البحرية الأميركية، تختبر قدرات الحرب عن بعد في المجال البحري".
وحتى إذا لم يتم الكشف بعد عن القدرات الفعلية للسفينة، فإن بيجين تعلن عن نيتها تعزيز مطامعها في أراض بهذه المنطقة.
وصرح لوشينكو لوكالة الصحافة الفرنسية "إنها بالتأكيد مهيبة واستفزازية وتصعيدية وعدوانية".
تجارب أسراب المسيرات
ومن شأن بناء أساطيل من الطائرات المسيرة المستقلة وغير المكلفة نسبيا، أن يزيد بصورة كبيرة من قدرة الصين على فرض ما يسمى بـ منع الوصول إلى ودخول مناطق في المحيط الهادئ.
ومن الممكن أيضا أن تحسن هذه السفينة من تصوير الصين لقاع المحيط، ما يوفر ميزة سرية لغواصاتها.
وعلى النقيض من حاملات الطائرات أو المدمرات التقليدية التي تحمل مئات الجنود، يمكن لحاملة الطائرات المسيرة أن تبحر لفترات أطول وترسل في الوقت نفسه أجهزة تشكل "شبكة" مراقبة، وربما تكون أيضا قادرة على إطلاق الصواريخ أيضا.
بدورهما، قال كتب الاستراتيجيان جوزيف تريفيثيك وأوليفر باركن على موقع وور زون في شهر أيار/مايو "من المرجح أن تكون هذه القدرات شديدة الأهمية في أي صراعات مستقبلية تشارك فيها الصين، بما في ذلك ما يتعلق بجزيرة تايوان".
هذا ولم تخف الصين رغبتها في انتزاع السيطرة على تايوان، وقال محللون عسكريون إنها تراقب عن كثب رد الغرب على غزو روسيا لأوكرانيا لتحديد كيف ومتى تتخذ خطوتها.
والشهر الماضي، نشر باحثون صينيون دراسة عن تجربة سرب مسيرات تظهر على ما يبدو عشرة أجهزة وهي تحلق بصورة مستقلة في بقعة كثيفة من إحدى غابات الخيزران دون أن تصطدم بالأشجار أو ببعضها البعض.
من جانبه، قال رئيس قسم المخاطر في مركز جينيف لسياسة الأمن، جان مارك ريكلي، إن "الهدف النهائي هو شيء ما يتمتع بالذكاء الجماعي".
وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن "المقارنة تشبه قليلا سرب أسماك. فهذه الأسماك تسير تحت الماء في تشكيلات، لكن هذا ليس نتيجة قرار سمكة واحدة بل نتيجة لذكائها الجماعي".
شكوك في زمن الحرب
ويمكن لأسطول من المسيرات ذاتية التحليق أن يشل نظريا أنظمة الدفاع أو القوات المتقدمة بفضل أعداد المسيرات الكبير في الأسطول نفسه، بشكل سيشبع فيه مناطق القتال على البر أو البحر إلى أن تستنفذ ترسانة الخصم.
وأوضح ريكلي أن "الهجوم التقليدي يصبح مستحيلا حين تواجه العشرات أو المئات أو الآلاف من الأجهزة أرخص بكثير في تطويرها وتشغيلها من الأسلحة التقليدية الثقيلة".
ومن شأن ذلك أن يمثل تقدما تقنيا هائلا مقارنة بالأسلحة الراهنة التي يمكن برمجتها وأن تكون شبه مستقلة، لكنها تحتاج إلى مشغلين من البشر للاستجابة للتحديات غير المتوقعة.
وفي إشارة إلى هذا التحول العميق في الحرب الحديثة، خلصت دراسة أجرتها مؤسسة راند في عام 2020 إلى أنه في وقت تحتاج فيه المركبات غير المأهولة إلى تحسينات كبيرة في عمليات المعالجة على متنها، فإن "قدرة الحوسبة الكلية المطلوبة ستكون متواضعة بالمعايير الحديثة، وبالتأكيد أقل من قدرة هاتف ذكي معاصر".
وأضافت الدراسة أنه "يمكن لسرية من نحو 900 فرد مجهزين ومدربين على نحو مناسب أن يشنوا ويستعيدوا 300 جهاز رخيص كل ست ساعات، بإجمالي 1200 طلعة في اليوم"، في إشارة إلى تكنولوجيا الطائرات منخفضة التكلفة، أي الأجهزة الرخيصة للغاية التي يستطيع أي جيش أن يتحمل كلفة فقدانها.
وقال لوشينكو عن حاملة المسيرات الصينية الجديدة "لدينا إشارات على أن الصين تحقق تطويرا سريعا في القدرات".
وتابع لكن "الشيء الذي لا يتوفر لنا هو البيانات التجريبية التي تشير إلى أن الصين، وهي دولة الحزب الواحد، يمكنها في واقع الأمر استخدام السفينة في الصراعات بطريقة متكاملة".
تبادل الاتهامات
هذا ويأتي الكشف عن السفينة زهو هاي يون في أعقاب انتكاسة دبلوماسية كبيرة للصين الشهر الماضي في جنوب المحيط الهادئ.
وفي التفاصيل، رفض زعماء 10 دول جزر في المحيط الهادئ محاولة الصين جعلهم يدورون في فلكها وذلك أثناء مباحثات في سوفا عاصمة فيجي مع وزير الخارجية الصيني وان يي.
ورأت تلك الدول الصغيرة ما وراء عرض بيجين "المخادع" حول اتفاقية أمنية إقليمية، وفضلت بدلا من ذلك أن تظل مستقلة عن النفوذ الصيني في الحكم والصناعات.
ويأتي أيضا في أعقاب خلاف بين الصين وأستراليا بشأن عدد من القضايا الأمنية والتجارية، بما في ذلك حادث وقع يوم 26 أيار/مايو عندما اعترضت طائرة حربية صينية طائرة دورية أسترالية في المجال الجوي الدولي.
وأصرت أستراليا يوم 8 حزيران/يونيو أن طائرتها كانت في المجال الجوي الدولي حين اعترضتها طائرات حربية صينية وأطلقت سحابة من شرائط الألومنيوم الصغيرة، التي تعرف باسم القشور.
وتهدف هذه القشور إلى إرباك الصواريخ الموجهة بالرادار، ودخل بعضها في محركات الطائرات الاسترالية في حادث وصفته كانبرا بأنه "خطير جدا".
لكن الناطق باسم وزارة الدفاع الصينية تان كيفاي قال يوم الثلاثاء إن طائرة الدورية الاسترالية المضادة للغواصات من طراز P-8A اقتربت من المجال الجوي لجزر باراسيل المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، والتي تعرف باسم زيشا في الصين.
واتهم الطائرة الاسترالية بتهديد سيادة الصين وأمنها، كما اتهم الحكومة الاسترالية بنشر "معلومات زائفة".
يذكر أن الصين تدعي السيادة أو شكل من أشكال الولاية المطلقة على معظم بحر الصين الجنوبي، وتعطي أسماء صينية لأماكن عبر آسيا كوسيلة لتجهيز قضية قانونية تدعم مثل هذه المزاعم.
لكن مزاعم الصين حول بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره سنويا تجارة تبلغ تريليونات الدولارات، تتعارض مع مزاعم بروناي وماليزيا والفليبين وتايوان وفيتنام.