بيروت -- على الرغم من مرور سنوات على تحريرهم من السجون التي يديرها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، ما زال المعتقلون السابقون يعيشون تداعيات الأسر نفسيا وجسديا.
وفي حديثه إلى المشارق من أوروبا حيث انتقل عام 2019 لبدء حياة جديدة، وصف جندي منشق من الجيش السوري، 31 عاما، الأشهر التي قضاها في سجن سوري بعد أن عرف عن نفسه بأنه "محمد" فقط.
ومحمد المتحدر من معرة النعمان بإدلب، كان ناشطا في صفوف الثورة السورية قبل احتجازه فترة تزيد عن تسعة أشهر على أيدي الحرس الثوري الإيراني أولا ومن ثم حزب الله بين آب/أغسطس 2017 وأيار/مايو 2018.
وقال إنه كان وقت اعتقاله مسؤولا عن موقع في تلة المحروقات بمحافظة حلب حيث شارك في معركة لتأمين طريق إمدادات لحلب الغارقة بالجوع.
وأضاف "تلقيت ليل 18 آب/أغسطس 2017 طلب مؤازرة من عناصر فرقتي من موقع يبعد عن التلة أربعة كيلومترات، والتقيت في طريقي إليهم بثلاثة عناصر ظننت أنهم تابعون لنا".
وبعد أن أطلقوا النيران عليه في محاولة لترهيبه، عصبوا عينيه ونقلوه إلى تجمع لهم في بلدة الوضيحة.
وتابع "أوقفت في غرفة لبعض الوقت لأنقل عد ذلك بأمر من ضابط في بيك اب سارت بنا قرابة الساعتين".
"ثم وصلنا إلى منطقة السفيرة، وهي مركز تجمع كبير للحرس الثوري [في محافظة حلب]".
معصوب العين أثناء التحقيق
وأوضح أن مسؤولا في مقر الحرس الثوري الإيراني في السفيرة حقق معه عبر مترجم سوري، وطرح عليه أسئلة حول أمور عسكرية وجبهات المعارضة.
وأبلغه المترجم بعدها بقرار الحرس الثوري الإيراني تسليمه إلى مديرية الاستخبارات السورية.
وأردف محمد "نقلت معصوب العينين إلى مطار النيرب بعدما بدلوا السيارة ثلاث مرات".
وأشار أنه بعد 45 دقيقة، "هبطنا بمطار أعتقد أنه كان مطار المزة [في دمشق]، مقر غرفة عمليات الحرس الثوري".
ومن هنا، نقل إلى مركز احتجاز للتحقيق حيث أخذوا منه زيه العسكري وهاتفه الخلوي.
وذكر أنه بعد ذلك، احتجز على أيدي حزب الله في منطقة السيدة زينب بدمشق، حيث حاول محققون إقناعه بالتشيع.
وأكد محمد أنه لم يتعرض للضرب، مشيرا إلى أن محتجزيه كانوا قد أبلغوه منذ اللحظة الأولى أنهم كانوا يستخدموه كورقة ضغط للتفاوض حول تبادل الأسرى.
وأوضح أن "اعتقالي تزامن مع الأحداث التي دارت في المدن الأربعة التالية: بلدتا الفوعة وكفريا الشيعيتان اللتان حاصرتهما جبهة النصرة [المرتبطة بتنظيم القاعدة]، وبلدتا مضايا والزبداني السنيتان المحاصرتان في حينه من قبل حزب الله والحرس الثوري".
وأشار محمد إلى أنه تمت مبادلته في نهاية الأمر في قرية أبو دالي بثلاثة أسرى وجثة طبيب إيراني يوم 31 أيار/مايو 2018.
وتوجه محمد إلى ريف حلب الجنوبي عام 2019 ليهاجر منها إلى أوروبا حيث التحقت به زوجته بعد عامين.
التعذيب على أيدي حزب الله
أما راعي الأغنام أحمد العلي، 30 عاما، فقد قال للمشارق إنه برغم مرور ستة أعوام على اختطافه على أيدي حزب الله، ما يزال يعاني حتى اليوم من عوارض نفسية.
وروى كيف أنه اختطف في منتصف آذار/مارس 2016 على أيدي خمسة عناصر فيما كان يرعى ماشيته في محيط قريته العيس بمحافظة حلب، ونقلوه إلى مركز في منطقة الحاضر التي تعتبر مركزا مهما لحزب الله.
وتابع "بداية، ظننت أني اعتقلت من قبل قوات النظام، لكن عندما بدأوا باستجوابي، اكتشفت من لهجتهم أنهم لبنانيون ومن حزب الله".
وذكر "اعتقلت لديهم مدة 17 يوما شعرت أنها دهرا لأنني تعرضت لتعذيب وحشي ما زالت آثاره على جسدي".
"بدأوا التحقيق معي عن الفصائل المسلحة التي لا أمتّ لها بصلة كوني راع بسيط، لكنهم لم يصدقوني".
وتذكر العلي كيف أن عناصر حزب الله ربطوا يديه وعلقوه رأسا على عقب طوال فترة اعتقاله، وقاموا بجلده بكوابل كهرباء وتعريضه لصعق كهربائي "كي أعترف بأمور أجهلها".
ومن جهة أخرى، كشف "كنت أراهم كيف يلغمون سجائرهم بالحشيشة وكيف يدخلون بحالة إدمان شديدة على الحبوب المخدرة. وكنت أيضا اسمع قصصهم حول إحضار نساء من بيوت بلدة الحاضر لممارسة الجنس معهن بالقوة".
وتم تحريره في نهاية الأمر بعد أيام من هجوم مقاتلي المعارضة على جنوب حلب "لاستعادتها من الميليشيات الإيرانية وأذرعها".
وسمحت له معرفته بالطرقات بالهرب إلى منطقة آمنة ومنها إلى إدلب حيث يعيش الآن وهو يعاني من أثار نفسية عميقة نتيجة لاعتقاله.
انتهاك أعراض النساء
على خط آخر، روى نازحون سوريون من حلب إلى إدلب للمشارق كيف أنهم هربوا من قراهم لحماية نسائهم من عناصر حزب الله والحرس الثوري.
وروى ابن بلدة الحاضر الذي قدم اسمه الأول فقط كـ "حسن" كيف أنه اضطر لمغادرة بيته عام 2015 إثر احتلال مدينة الحاضر من قبل ميليشيات إيران وحزب الله.
وهو الآن يقيم على أطراف محافظة إدلب.
وقال حسن إنه عاد إلى قريته في صيف 2016 بعد تحريرها على أيدي فصائل المعارضة اعتقادا منه أنها آمنة، إلا أنها سقطت مجددا تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية وحزب الله.
وأضاف "حاولت البقاء في بيتي ورزقي".
لكن أخبار انتهاك حزب الله لأعراض النساء والفتيات بالحاضر، واتهام من لا تذعن [لرغباتهم] بأنها داعشية واعتقالها فاغتصابها، دفعني إلى الفرار".
وأوضح أن مغادرة الأسرة كانت محفوفة بالمخاطر حيث عبروا أراض زراعية وساروا بين الألغام.
لكن البقاء كانت له مخاطره أيضا، مشيرا إلى أن حزب الله أمر الأهالي بعدم إقفال أبواب بيوتهم الخارجية من الداخل حتى يتسنى لعناصره اقتحامها في أي وقت "لأخذ النساء والفتيات".