في ظل الضغوط الاقتصادية الحادة والارتفاع الجنوني للأسعار، انزلق العديد من العائلات الإيرانية المحرومة نحو التشرد وباتت تبحث عن مأوى يقيها عوامل الطقس ووجدته في النوم في الحافلات وعلى أسطح المنازل وفي السيارات.
وكثر الحديث في وسائل الإعلام الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة عن ظاهرة "النوم في الحافلات" التي تطلق عليها الحكومة إضافة إلى هذه التسمية تسميات مختلفة مثل "النوم في الخيم" و"النوم على الأسطح" و"النوم في السيارات".
وفي تموز/يوليو الماضي، ذكرت صحيفة شرق اليومية المحلية أنه يتم تأجير أسطح المنازل في طهران مقابل 500 ألف ريال إيراني (أي دولارين اثنين) في الليلة، ومعظم المستأجرين هم من العمال المياومين.
وكانت قيمة تأجير أسطح المنازل نفسها تبلغ العام الماضي نصف هذا السعر.
وتضاعفت قيمة الإيجارات في طهران تقريبا مع ارتفاع تكلفة كل شيء تقريبا من العملات الأجنبية إلى المواد الأساسية، وتزايدت حالة التشرد.
ووفقا لبعض التقارير، يقضي العديد من العمال المياومين في طهران الليل في المتاجر التي يعملون فيها بإذن من أصحابها.
وفي هذه الأثناء، يقيم العديد ممن تمكنوا من الاحتفاظ بمسكنهم، في منازل بالكاد تصلح للسكن.
وفي عام 2017، أفادت وزارة الطرق والتنمية الحضرية أن 19 مليون شخص يعيشون في ظروف رديئة، ويشكل هذا العدد نحو ثلث سكان المدن في إيران.
وحددت الوزارة "المساكن الرديئة" بأنها مؤلفة من غرفة واحدة أو لا تحترم هياكلها المعايير التقليدية أو لا تحتوي على مرافق مياه جارية أو كهرباء أو غاز.
هذا ويعاني حتى من لديهم مساكن جيدة هذا الشتاء من نقص في الغاز، مع إصدار هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية يوم الخميس، 20 كانون الثاني/يناير، تحذيرات من توقع درجات حرارة منخفضة في عدة مدن، بينها طهران.
واقتصرت استجابة الحكومة بالنصح بارتداء ثياب دافئة لخفض الطلب على الغاز.
ونقلت وكالة شانا للأنباء عن وزير النفط جواد أوجي قوله يوم الأحد "يمكن إدارة استهلاك الغاز من خلال ارتداء ملابس دافئة وإطفاء أجهزة التدفئة عند مغادرة المنزل وأماكن العمل".
مؤشر على وجود مشاكل أعمق
وليس وقف تشغيل وسائل التدفئة خيارا لمن لا مسكن لديهم في طهران.
وفي تقرير صدر يوم 8 كانون الثاني/يناير بشأن ظاهرة النوم في الحافلات، كشفت وكالة تجارت نيوز أن العديد من المشردين الذين لا يستطيعون تحمل كلفة الإيجار يلجأون إلى حافلات النقل السريعة بالمدينة في الليالي الباردة.
ويأتي معظم هؤلاء من مدن أخرى للعمل في طهران. وقال سائق حافلة في المدينة للوكالة إنهم "يذهبون إلى العمل نهارا ويلجأون إلى هنا ليلا".
وأضاف "لا تظنوا أنهم جميعا مدمنون. إن كل شخص صادفته يبدو أن لديه وظيفة، لكنهم عاجزون عن استئجار مكان للعيش، ما دفعهم إلى النوم في الحافلة".
ووصف رئيس مجلس مدينة طهران مهدي شامران ظاهرة النوم في الحافلات بأنها مشكلة باتت منتشرة.
وقال "هذه قضية هامشية. بالطبع يجب ألا يسمحوا بحدوث مثل هذا الأمر، لكن لا يمكن فعل أي شيء إذا نام شخص ما في حافلة".
ولم يتضح من كان شامران يقصد في حديثه هذا".
ولفتت تجارت نيوز إلى أن العديد من الذين ينامون في الحافلات يضطرون إلى تغيير الحافلات عدة مرات حتى حلول الصباح.
وقالت الصحافية المقيمة في طهران فيدا رضائي، إن الزيادة في عدد الأشخاص الذين ليس لديهم مساكن ثابتة ودائمة تشير إلى مشكلة خطيرة في الهيكل الحضري والاجتماعي لإيران.
وقالت إن "جميع المؤسسات المرتبطة بالإسكان منشغلة بالسياسات الحزبية والدعاية والتظاهر. لهذا السبب، لا توجد مؤسسة تسعى بشكل جدي إلى تحديد أسباب هذه المشاكل الاجتماعية وتقديم حلول جذرية لها".
ووفقا لوزارة الطرق والتنمية الحضرية، يتم إنفاق أكثر من 60 في المائة من دخل الأسر في المدن الإيرانية على الإيجار.
واستنادا إلى تقرير صدر عن البنك المركزي الإيراني، شكلت الزيادة في الإيجارات السبب الرئيس للتضخم في تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وذكر التقرير أن الإيجارات زادت بأكثر من 50 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
المنظمات غير الحكومية ’قطعت من جذورها‘
واقترح نائب رئيس بلدية طهران للشؤون الاجتماعية أمين تافاكولي زاده، إمكانية أن تساعد البلدية المشردين "عبر وضع حافلات بخدمتهم في أحياء مزدحمة خلال ليالي الشتاء الباردة عل شكل إغاثة مؤقتة لهم".
وعلقت رضائي على هذه الفكرة بوصفها أنها "سخيفة"، مشيرة إلى أن الحكومة أغلقت المنظمات غير الحكومية التي كان من الممكن أن تكون فعالة في مساعدة المحتاجين.
وقالت "في التسعينيات من القرن الماضي، شهدنا نموا وتوسعا غير مسبوقين للمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مروحة متنوعة من المجالات وتقدم خدمات اجتماعية".
وتابعت "لكن لم يمض وقت طويل قبل أن رأت حكومة الجمهورية الإسلامية بمخيلتها تهديدا كبيرا في هذه المنظمات وعمدت بالتالي إلى قطعها من جذورها".
وتابعت رضائي "من بين مئات المنظمات غير الحكومية التي عملت خلال تلك السنوات، لم يبق منها سوى حفنة قليلة بالكاد تستطيع الاستمرار بالعمل".
وقال نقاد إن البلدية ومجالس مدينة طهران ومدن إيرانية أخرى المسؤولة عن معالجة مثل هذه القضايا الاجتماعية، تضع حلولا مؤقتة وغير منطقية كضمادة صغيرة على جرح كبير.
وأكدوا أن هذه المؤسسات غارقة منذ فترة طويلة في الفساد المالي والإداري، علما أنه يتم الكشف بصورة دورية عن قضايا جديدة تتعلق بالمسؤولين الفاسدين.