بيروت -- في محاولة لمواجهة البرد القارص ودرجات الحرارة المتدنية للغاية، لم يجد جرجس سركيس سوى الحطب الذي جمعه بنفسه لتدفئة منزله في بقعاتة عشقوت بمنطقة كسروان.
وأوضح "عادة أتزود بطنين من المازوت، لكن مع الارتفاع الجنوني لسعره استبدلت الشوفاج [الذي يعمل بالمازوت] بموقدين على الحطب، واحد بالمطبخ والثاني بغرفة الجلوس".
وخلال مواسم الشتاء المثلجة حيث تهبط درجات الحرارة إلى مستويات متدنية جدا، تعتمد عائلة سركيس التقنين حتى مع الحطب.
وقال "تشعل زوجتي موقد المطبخ لبضع ساعات بالنهار، ونشعل موقد غرفة الجلوس ليلا فقط".
وتابع أن سعر كيس الخشب زنة 50 كيلوغراما بالمنشرة يبلغ 50 ألف ليرة لبنانية، "فنجمع عوضا عن ذلك الحطب من الحرج المجاور لبيتنا".
ويواجه سكان جبل لبنان والمناطق الداخلية اللبنانية صعوبة غير مسبوقة في الحصول على المازوت بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات.
وباتت خزانات المازوت في معظم المنازل فارغة، في حين أن بعض العائلات لا تملك أية وسائل تدفئة وتستعين بالثياب الصوفية والاغطية للاتقاء من البرد.
وارتفع سعر المازوت من 17 ألف ليرة لبنانية عشية اندلاع ثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى سقف الـ 400 ألف ليرة اليوم.
ومن المرجح أن يرتفع السعر أكثر في ظل رفع الحكومة الدعم بالكامل عن المازوت في أيلول/سبتمبر، مما ترك سعر هذا الأخير عرضة لتقلبات سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
أنشطة تهريب حزب الله
وقال خبراء إن العديد من اللبنانيين يحملون حزب الله مسؤولية تدهور ظروفهم المعيشية، مشيرين إلى التهريب المنظم لكميات كبيرة من المازوت إلى سوريا عبر معابر غير شرعية خاضعة لسيطرة الحزب.
وذكروا أنه منذ بداية الأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية في لبنان وبعد فرض عقوبات أميركية على سوريا، قام حزب الله بتهريب المحروقات إلى سوريا بمعدل نحو مائة صهريج في اليوم.
وبحسب موقع إندبندنت عربية ووسائل إعلام أخرى، يتم تهريب 40 في المائة من الواردات النفطية للبنان إلى دمشق، ويتم تهريب أكثر من مليوني لتر من المازوت يوميا إلى سوريا.
وفي هذا السياق، قال المواطن جميل سعد وهو من سكان منطقة البقاع للمشارق، "أعمل بمنطقة شتورا وكنت أرى بعيوني قوافل الصهاريج باتجاه سوريا".
وأضاف أنه في هذه الأثناء، "ها نحن ندفع ثمن هذا التهريب بحرماننا من التدفئة والتقنين باستخدام المازوت ببيوتنا".
وتابع أنه نظرا لسعره المرتفع، لم يعد يخزن المازوت بل أصبح يشتري 5 لترات في اليوم مقابل 175 ألف ليرة.
وبدورها، ذكرت المواطنة جميلة الأشقر أن الحطب "بات وسيلة تدفئة بيتي بعاليه، وإذا كان جمره يدفئنا، فإن سعره يلهب جيوبنا".
لا إقبال على شراء المازوت
وفي السياق نفسه، أكد جان مسعود وهو صاحب محطة محروقات بمزرعة يشوع، أن "نسبة إقبال المواطنين على شراء المازوت انخفضت بنسبة 80 بالمائة، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية".
وقال إن تراجع حركة الشراء هذا ناتج بشكل أساسي عن ارتفاع حاد في سعر صفيحة المازوت، "علما أن سعره خاضع لسعر صرف الدولار بالسوق السوداء".
وأوضح "مجمل زبائني لديهم خزانات مازوت سعة ألفي لتر، وكنت أزودهم بالكمية كاملة".
وأردف قائلا "أما هذا الشتاء، فإن المليء ماديا لا يشتري أكثر من 500 لتر ولمرة واحدة. يعتمد الجميع التقشف بإشعال مدافئهم [التي تعمل على الحطب] نظرا للأسعار الملتهبة للمازوت الآخذ بالارتفاع أسبوعيا".
ومن جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي أنطوان فرح أن الشعب اللبناني "يعيش مأساة معيشية من كل الجوانب، والمحروقات جزء أساسي منها".
وقال للمشارق إنه خلال أشهر الشتاء، يواجه مئات آلاف العائلات بالمناطق الجبلية طقسا شديد البرودة مع عواصف وثلوج.
وتابع "للأسف، هؤلاء محرومون من التدفئة بعدما بات سعر المازوت خارج متناول جيوبهم بسبب تراجع قدراتهم الشرائية".
وأشار إلى أن السلطات اللبنانية مسؤولة إلى حد ما عن هذا الوضع "كونها اختارت اتباع الدعم العشوائي للمحروقات مع بدء الأزمة أواخر العام 2019 ووصولا للأمس القريب [عندما رفعت الدعم]".
وذكر أن اعتماد الدعم العشوائي للمحروقات والمازوت "فتح الباب أمام التجار لجني أرباح واموال غير شرعية من خلال المتاجرة بالمازوت عبر تهريبه وبكميات ضخمة إلى سوريا".
وقال إنه مع فتح هذا الباب، "قاد [حزب الله] حملة تهريب واسعة النطاق ومنظمة للمحروقات إلى سوريا، حارما الشعب اللبناني من هذه المادة الحيوية".