بيروت -- وسط الأزمة الاقتصادية والسياسية المتواصلة التي تشهدها البلاد، يستعد الكثير من اللبنانيين لمواجهة شتاء دون مخزون كاف من المازوت التدفئة بسبب أسعاره الباهظة.
فقد ارتفع سعر صفيحة المازوت سعة 20 لترا باطراد نتيجة لتذبذب سعر صرف الدولار الأميركي بالسوق السوداء، حتى وصل مؤخرا إلى 800 ألف ليرة لبنانية (21 دولارا).
ومع هذا السعر المرتفع، يؤكد كثيرون أنهم لن يتمكنوا من توفير التدفئة في منازلهم.
ودفع استمرار ارتفاع سعر صحيفة المازوت منذ الشتاء الفائت عددا كبيرا من سكان القرى الجبلية للتحول إلى استخدام الحطب، وتراهم اليوم يبادرون لشرائه أو تجميعه من الأحراج.
لكن طريقة التدفئة هذه ليست مستدامة وتوفر الدفىء لعدد محدود من الساعات فقط، لذا فإن الأهالي يخزنون الحطب استعدادا لأيام البرد القارس.
وما يفاقم الأزمة هو التهريب المنظم لكميات كبيرة من المازوت إلى سوريا عبر معابر غير شرعية خاضعة لسيطرة حزب الله.
فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يعيشها لبنان راهنا، يعمد حزب الله إلى تهريب المحروقات إلى سوريا بمعدل نحو مائة صهريج يوميا.
الأسعار ترتفع 'يوميا'
ووفق المواطن مخايل روكز، تتساقط الثلوج على بلدة المروج في قضاء المتن كل شتاء.
ويعمل روكز في مصنع لقاء راتب شهري لا يتعدى مليوني ليرة (52 دولارا)، وبالكاد تكفيه لشراء بعض المواد الغذائية لعائلته المؤلفة من 4 أطفال وزوجته. وقال إنه لا يستطيع الآن شراء حتى صفيحة مازوت واحدة بسبب سعره المرتفع "والذي يزداد يوميا".
وأضاف للمشارق "كنت أخزن المازوت لكامل الشتاء، لكني اضطررت هذا الموسم إلى جمع الحطب من الأحراج، لتوفير التدفئة لساعات معينة".
وأكد أن "كمية الحطب لاتكفي للتشاء بأكمله. اعتقد أننا سنتكل على الأغطية الصوفية لتدب الحرارة في أجسادنا، وهذا الوضع يدفع إلى اليأس".
وتعتبر الشبانية في المتن الأعلى من البلدات التي يحل فيها شتاء قاس، ويعول أهاليها على مخزون وافر من المازوت، لكنها اليوم تواجه إشكالية كبيرة بالنظر لسعر المازوت المرتفع.
وقال ابن البلدة إلياس سركيس أن الأزمة الاقتصادية لم تستثن البلدة، حيث يواجه الأهالي الأسعار الخيالية للمازوت، ما جعل غالبيتهم يتحول للحطب.
وأوضحت مالكة محطة الوقود بالبلدة، نورما رعد، أن أهالي البلدة كانوا يشترون ألف لتر من الوقود كحد أدنى للموسم، لكنهم اليوم يبتاعون كمية قليلة جدا وفق ما يتوفر لديهم من مال.
تهريب حزب الله للوقود
ويرى الكاتب الاقتصادي أنطوان فرح أن ارتفاع سعر المحروقات يشكل أزمة على مستوى الاقتصاد العالمي وليس فقط على مستوى لبنان.
وأضاف أنه إذا كان مواطنو البلدان الغنية يعانون من أزمة محروقات تؤثر بصورة كبيرة على قدراتهم الشرائية، فكم بالحري لبنان، مشيرا إلى "الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تواجهه".
وأكد أن الكثير من اللبنانيين سيواجهون أيضا انقطاعات في الكهرباء هذا الشتاء، لا سيما الذين يعيشون في المناطق النائية والجبلية، مشيرا إلى أن سكان تلك المناطق هم من بين الأكثر فقرا في لبنان.
ومع هذا، فإن حزب الله مستمر بتهريب المحروقات للنظام السوري، مسببا ضررا مباشرا على اللبنانيين، حسبما أشار.
وبالسياق، أوضح تاجر الحطب إلياس نعيمة المقيم في بلدة القصيبة بقضاء بعبدا بالمتن الجنوبي، أن "60 في المائة من أهالي القرى الجبلية والنائية، يعتمدون منذ الشتاء الفائت على الحطب لتأمين تدفئة بيوتهم".
وأوضح أن هذه المناطق تشهد تدفقا لوافدين جدد، مع عودة الموظفين الذين استبعدوا من وظائفهم في المناطق الحضرية وأصحاب المهن ممن أغلقوا أبواب ورشهم أو مصانعهم وسط الأزمة الاقتصادية إلى قراهم.
ولفت نعيمة، الذي يوزع أيضا الحطب على المنازل في بيروت، إلى أن غالبية سكان جبل لبنان خزنوا الحطب منذ نهاية الشتاء الفائت.