بيروت - قال ناشطون إنه بعد تهريب المازوت (وقود للتدفئة) إلى سوريا على مدى سنوات، يقوم اليوم حزب الله والمجرمون المرتبطون بالحزب المدعوم من إيران بتهريب كميات كبيرة من المازوت الأحمر إلى لبنان.
وذكروا أن المازوت الأحمر الذي يحمل هذا الاسم نظرا للونه، هو مازوت رديء الجودة ولا يتوافق مع المعايير اللبنانية كونه يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، وهو بالتالي يضر بالبيئة والصحة العامة.
هذا ونشرت محطات إخبارية تلفزيونية لبنانية مؤخرا مقاطع فيديو تظهر قافلة مؤلفة من 50 ناقلة نفط قدرت حمولتها بـ 2.5 مليون لتر من المازوت، وهي تمر عبر سهل البقاع في مناطق متاخمة للحدود اللبنانية السورية.
وتتركز عمليات التهريب التي بدأت قبل نحو شهرين في منطقة دورس، وتمر عبر المعابر المحاذية لبلدتي القاع والهرمل.
ويتم بيع المازوت في ضاحية بيروت الجنوبية أو ما يشكل معقل حزب الله، وفي وسط بيروت والشوف بأسعار أقل من سعر السوق الرسمي.
وتقدم محامون بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية بعد توثيق عمليات التهريب وبيع المواد المهربة في محطات الأمانة للمحروقات التابعة لحزب الله.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أورد في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، أن قافلة مؤلفة من ناقلات نفط وشاحنات محملة بالأسلحة تعرضت للقصف بعد عبورها العراق أثناء دخولها إلى ريف البوكمال وهي قادمة من إيران.
وذكر المرصد أنها كانت متجهة إلى لبنان.
وفي أيلول/سبتمبر 2021، أحضر حزب الله عشرات الناقلات المحملة بالنفط الإيراني إلى لبنان عبر سوريا، وذلك بعد تصريحات متكررة أدلى بها أمين عام الحزب حسن نصر الله ومفادها أن إيران ستصدر الوقود إلى لبنان مجانا.
وأثارت هذه الخطوة غضب الكثير من اللبنانيين الذين اعتبروها بمثابة تحد صارخ من شأنه تعريض لبنان لعقوبات إضافية ستكون تكلفتها باهظة الثمن على البلاد وشعبه.
معابر غير شرعية
وفي هذا السياق، قال ناشط معارض لحزب الله يقيم بمنطقة الهرمل بعد أن طلب عدم الكشف عن هويته، إن تهريب المازوت إلى لبنان "يتم عبر المعابر غير الشرعية وبغطاء حزب الله المسيطر عسكريا وأمنيا" على مناطق حدودية معينة.
وأشار في حديثه للمشارق إلى "وجود أكثر من 20 معبرا للتهريب من الهرمل مرورا باللبوة وبريتال وصولا إلى النبي شيت".
يُذكر أن النبي شيت تقع أيضا تحت سيطرة حزب الله، علما أنها تضم مستودعات لتخزين المحروقات على الحدود اللبنانية-السورية لتوزيعها في الاتجاهين.
وقال الناشط "نشهد مرور قافلات الصهاريج بوضح النهار ولا يتم تهريبها".
وتابع "لا يتم إدخالها للبنان وتهريب أي مادة لسوريا إلا بموافقة المخابرات السورية وحزب الله وبعض عشائر البقاع لاستفادتها من مبالغ مادية كبيرة".
وبدوره، قال رئيس بلدية القاع بشير مطر إنه رأى قافلات الناقلات المحملة بالمازوت المهرب من سوريا إلى لبنان وهي تمر عبر معابر متاخمة للبلدة القريبة من الحدود اللبنانية-السورية أثناء توجهها إلى الهرمل.
وتابع "تمر هذه القوافل على أعين الجميع".
وذكر "يقف حزب الله وراءها وفق تقارير إخبارية، وبوقت الأسعار بالسوق المحلي مرتفعة جدا. وتحرم أسعار الوقود المرتفعة بيوت ومدارس بلدتنا من التدفئة بظل غياب المحاسبة".
قوافل بعد منتصف الليل
ومن جهته، أكد مسؤول في تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان للمشارق أن وتيرة تهريب المازوت من سوريا إلى لبنان تسارعت خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقال "كتجمع شركات مستوردة للنفط، إننا متأكدون من إدخال قوافل صهريج مازوت أحمر بناء على معلومات دقيقة".
وأردف "لكننا لا نعرف حجم الكميات، لكن الأكيد أنها كبيرة. وهناك من يقول إنه منذ شهر لليوم دخل 80 مليون لتر مازوت أحمر ويتواصل إدخاله إلى لبنان حتى هذه اللحظة".
وأشار إلى أنه "بعدما كانوا يدخلون الصهاريج بالنهار، يسيّر المهربون قوافلهم بعد منتصف الليل بعيدا عن الأنظار تفاديا لتصويرها".
وذكر "تصل إلى مناطق البقاع والجنوب والشوف وبيروت حيث يباع طن المازوت بسعر أقل من سعر السوق اللبناني الرسمي بمبلغ يتراوح بين 150 و250 دولارا للطن الواحد".
وأكد أن هذا المازوت "لا يستوفي مواصفات السوق اللبناني، إذ أكدت نتائج الفحوص المخبرية أنه يحتوي على نسبة عالية جدا من الكبريت، وهو ما يؤثر سلبا على صحة المواطن والبيئة".
وأضاف أن "التهريب يعتبر التفافا على عقوبات قانون قيصر والعقوبات المفروضة على حزب الله نفسه".
’كارثة اقتصادية‘
إلى هذا، قال المسؤول في تجمع الشركات المستوردة للنفط إن كميات ضخمة من العملة الصعبة تغادر لبنان بسبب شراء المازوت خارج النظام المصرفي الرسمي وخارج سيطرة المصرف المركزي (مصرف لبنان) الذي يحق له الموافقة على تحويلات الأموال من قبل شركات النفط لاستيراد المحروقات والمشتقات النفطية.
وفي السياق نفسه، لفت الكاتب الاقتصادي أنطوان فرح في حديث للمشارق إلى أن لبنان "يعاني [منذ عام 2019] من مشكلة التهريب إلى سوريا والتي يعتبر حزب الله أساسا فيها".
وأوضح أن التهريب أدى إلى نضوب سريع في احتياطات العملات الأجنبية لأن موادا كثيرة ولا سيما المحروقات، كانت مدعومة من المصرف المركزي وكان المواطن يدفع من أمواله الفرق بين سعرها الحقيقي وسعرها المدعوم.
وأوضح فرح أن "لبنان خسر بين 3 و4 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب تهريب المحروقات المدعومة لسوريا".
وأكد أن لبنان يعاني من "الاقتصاد الرديف من خلال التهريب" مع تجاوز السلع الجمارك لدى دخولها إلى البلاد.
وكشف فرح أن "حجم التهريب بات يوازي حجم الاقتصاد الشرعي، وهذه كارثة بكل المعايير".