عملت قيادة هيئة تحرير الشام على إبعاد نفسها عن بعض الفصائل الأكثر تشددا التي تشكل التحالف، وذلك فيما يعتبر محاولة جديدة لإعادة تصوير نفسها ككيان أكثر اعتدالا.
وقال خبراء إن التحالف المتشدد، الذي لديه هيمنة فعلية على محافظة إدلب وأنحاء أخرى من شمال غرب سوريا، يأمل بتغيير شكله وتلطيف صورته مع التركيز على الحوكمة.
وأكدوا أن هذه خطوة براغماتية تهدف من خلالها هيئة تحرير الشام إلى ضمان بقائها ولعب دور في مستقبل سوريا السياسي، عبر التركيز على حكومة الإنقاذ المزعومة في البلاد.
ولكن الخبراء أضافوا أنه على غرار الفهود، يتعذر عليها إخفاء نقاطها السوداء، لافتين إلى أن الجماعة واصلت الاجتماع بالمقاومة الشعبية خلال الشهر الماضي، في ظل تظاهرات نظمت مؤخرا بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي ومدينة الأتارب.
هذا وتهيمن ما كانت تعرف بـ جبهة النصرة، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة انشقت علنا عن التنظيم في محاولة لكسب مصداقية في العملية السياسية، على التحالف المتشدد. ويحاول التحالف الآن إعادة تصوير نفسه.
يُذكر أن زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، الذي له تاريخ طويل ودام مع الجماعات المتطرفة يعرف بالانتهازية والتقلب، لذا يصعب على كثيرين تصديق مزاعمه بأنه تغير.
وقال الناشط هيسم الإدلبي وهو من إدلب، إن الهيئة تحاول اليوم تصوير نفسها كـ "كيان مقاوم تحرري" وإنها أشارت إلى أنها ستعدل سياساتها العامة لإظهار أنها تهدف لحماية إدلب بسبل سلمية.
وتابع أنه لهذه الغاية، فقد تخلصت الهيئة من المتشددين القدامى في مناصب اتخاذ القرارات ضمن الهيئة، وهي تمارس ضغطا كبيرا على الجماعات المؤلفة أساسا من مقاتلين أجانب.
واندلعت مؤخرا اشتباكات بين الهيئة والجماعات التي كانت متحالفة معها سابقا في منطقة جبل التركمان شمالي اللاذقية وغرب محافظة إدلب.
وذكر الإدلبي أنه نتيجة الصراع، خسرت الجماعتان، وهما جماعة جنود الشام وغالبيتها من المقاتلين الشيشان وجماعة جند الله المؤلفة من مواطنين من تركيا وأذربيجان، السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة لهما.
صراع مع الخصوم المتشددين
وأوضح الإدلبي أن التحول في السياسة الداخلية لهيئة تحرير الشام أدى إلى انشقاقات عدة، إضافة إلى حدوث اشتباكات مع جماعات متطرفة أخرى كانت لا تزال منتشرة في المنطقة وتحاول الهيئة إبعادها أو القضاء عليها.
ومن أبرز هذه الجماعات جماعة حراس الدين السورية التابعة للقاعدةوالتي كانت أول من ظهر بعد أن نأت جبهة النصرة بنفسها عن تنظيم القاعدة في أول محاولة لها لتغيير صورتها.
وقال الإدلبي إن الفصائل الأخرى التي تعتبرها تحرير الشام تهديدا تضم أجناد القوقاز وسرية أبي بكر الصديق وفلول جند الأقصى وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وبدوره، قال صالح الحموي، وهو من مؤسسي جبهة النصرة ومنشق حاليا عن الهيئة، إن غالبية العناصر المؤدلجة قد تركت الهيئة بالفعل.
وتابع أنه لا يبقى منها إلا 10 في المائة، والسبب الوحيد لعدم انشقاقهم هو أنهم بحاجة للراتب وللحماية التي توفرها تحرير الشام.
ولهيئة تحرير الشام صراعات قائمة أيضا مع عدد من الزعماء المتشددين، بما في ذلك أبو فاطمة التركي ومسلم الشيشاني.
هذا ويقود الشيشاني ذو اللحية الحمراء والمولود في جورجيا جماعة جنود الشام، فيما يترأس التركي جماعة جند الله.
وقال الحموي إن كل من هذه الجماعات تنفذ بصورة روتينية هجمات ضد تحرير الشام، وقد استهدف بعضها مؤخرًا قادة بارزين في الهيئة.
وذكر أن الهيئة تنظر لمعارضيها على أنهم متشددين ومتمردين يجب طردهم من المنطقة.
تغيير آخر لصورة الهيئة
وفي هذا السياق، قال المحلل الاستراتيجي والمتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية يحيى محمد علي إن الجماعات المتشددة من داخل سوريا أو خارج المنطقة شكلت حجر الأساس لهيئة تحرير الشام منذ تأسيسها في العام 2013 تحت مسمى جبهة النصرة.
وأوضح أن الجماعة شهدت تبدلات عدة منذ تأسيسها، بدءا من الانشقاق العلني عن تنظيم القاعدة ووصولا اليوم إلى تخلصها من العناصر المتشددة بطريقة تطرح أسئلة عدة.
وأشار علي إلى أن هذه الخطوات تهدف إلى تمكين تحرير الشام من "السيطرة على قرار الحرب والسلم في منطقة إدلب ومحيطها"، بعيدا عن الضغوط الداخلية التي يمارسها أكثر عناصرها وفصائلها تشددا، وذلك في محاولة لتمثيل فئة كبيرة من الشعب السوري في المناطق الخاضعة لها.
وذكر أن الهيئة قد تبقي على بعض الفصائل المتشددة الأصغر حجما لاستعمالها وقت الحاجة كورقة مساومة، متوقعا أن تعتمد الهيئة على المفاوضات أكثر من السلاح لضمان بقائها.
وفي هذه الأثناء، يبقى معظم المواطنين في المناطق الخاضعة لهيمنة الجماعة معارضين لها، علما أن الهيئة عملت بلا رحمة على قمع خصومها السياسيين واعتقال المتظاهرين الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة.