يُعد إغفال النساء من لوحة إعلانية بارزة في وسط طهران، آخر تذكير بنظرة النظام الإيراني المتحيزة جنسيا ضد المرأة.
وضمت اللوحة الإعلانية التي تعد إحدى أكبر اللوحات في العاصمة والتي تظهر في شارع ولي العصر وهو أطول شارع بطهران، إعلانا لأجهزة كهربائية مصنعة في إيران منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر.
ويظهر في الصورة 10 رجال يقفون إلى جانب أجهزة كهربائية مختلفة في زهو واضح. وجاء هذا الإعلان بعد حظر فرضه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، على أجهزة كهربائية من كوريا الجنوبية بسبب نزاع بين البلدين حول تسديد ثمن واردات النفط.
ولجأ العديد من الإيرانيين إلى مواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد تغييب النساء في الإعلان، قائلين إن الفئة النسائية من المجتمع هي أيضا جزء من عملية التصنيع في إيران وتعمل في المصانع وإن كان بأعداد أقل من الرجال.
وتُكلف مؤسسة أوج الثقافية والإعلامية التابعة للحرس الثوري الإيراني بتصميم غالبية اللوحات الإعلانية في طهران.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تجاهل النساء تجاهلا صارخا في الإعلانات.
وقد غُيبت النساء أيضا بشكل واضح عن اللوحة الإعلانية نفسها في العام 2018، عندما استخدمت في حملة لتشجيع لاعبي المنتخب الإيراني لكرة القدم قبيل مشاركتهم في كأس العالم ذاك العام.
وأظهرت الحملة التي أطلق عليها اسم "نحن أبطال معا" عددا من الرجال العاديين والمتحمسين من جميع الأعراق الإيرانية، دون إشراك النساء فيها.
ولاحقا، أجبرت ردود فعل الشعب وبعض وسائل الإعلام المحلية مدراء مؤسسة أوج على إضافة نساء إلى صورة الإعلان.
وعندما تظهر النساء في صور عامة، تحصر مؤسسة أوج حضورهن في المنزل فقط كأمهات يعتنين بأطفالهن، كما حدث على نفس اللوحة الإعلانية عام 2018 أيضا.
آراء متحيزة ضد المرأة
هذا وتعد مثل هذه الكراهية تجاه النساء راسخة بين كبار المسؤولين الإيرانيين الذين يسارعون إلى تحميل النساء مسؤولية النمو السكاني البطيء في البلاد حتى مع إلغائهم لحضورهن.
وفي منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن المسؤول بوزارة الرياضة والشباب الإيرانية محمد مهدي توندجويان، شكواه من قلة عدد النساء الجاهزات للزواج.
وأوضح توندجويان أنه مقابل كل 122 رجلا مستعدا وجاهزا للزواج، هناك "فقط مائة امرأة في الوضع نفسه"، مضيفا أن هذه الأرقام تدل على توجه "النمو السكاني نحو منحدر سحيق".
وفي أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت الحكومة الإيرانية أن عدد المواليد انخفض عام 2020 بنسبة 0.5 في المائة، واصفة هذا الأمر بأنه "واقع مقلق".
ويبدو أن النظام ينظر إلى المرأة باعتبارها مجرد عامل لتعزيز النمو السكاني.
ومنذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تراجعت المشاركة النشطة للمرأة في المجتمع بشكل عام نتيجة القيود التي فرضها النظام عليها.
ووفقا لآخر الأرقام الرسمية التي نشرها مركز الإحصاء الإيراني عام 2015، تبلغ نسبة النساء اللواتي يلعبن دورا خارج المنزل 12 في المائة فقط.
ونادرا ما تشغل النساء مناصب حكومية رسمية في إيران. فلا يضم أعضاء مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء إلا رجالا، ولم تتم الموافقة على أي مرشحة لمنصب الرئاسة على الرغم من عدم وجود أي أحكام تمنع مشاركة المرأة في السياسة في إيران.
وتأتي عدم مشاركة النساء نتيجة للجهود الحثيثة التي يبذلها النظام لدفعهن للبقاء في المنزل، خصوصا في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (2005-2013).
وعلى سبيل المثال، اعتبر قرار العام 2006 بشأن تخفيض عدد سنوات الخدمة في القطاع العام التي تحتاجها النساء للتقاعد جزءا من الجهود المبذولة لتشجيع النساء على ترك القوة العاملة في المؤسسات الحكومية.
وقبل عهد أحمدي نجاد كان على الرجال العمل طوال 30 سنة قبل التأهل للتقاعد، في حين أن النساء اللواتي كان ينطبق عليهن الأمر نفسه، بتن بحاجة للعمل فقط طوال 25 عاما قبل التقاعد.
وفيما يروج النظام لهذه القرارات على أنها مكاسب إيجابية ومزايا استثنائية للمرأة، يرى كثيرون أنها اتخذت لإبقائها في المنزل بعيدا عن المشاركة النشطة في المجتمع.
وأعرب العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عن قلقهم بشأن قرار آخر صدر مؤخرا عن إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، يوجه النساء بمواصلة العمل عن بعد حتى بعد انحصار جائحة كورونا إذا لم يكن موظفات أساسيات.
وكتب أحد مستخدمي تويتر "كان من الأجدى أن يمنعوا النساء من مغادرة منازلهن".
وكتب آخر "إذن، هم يقصدون حقا إجبار النساء على البقاء في المنزل".
حقوق النساء
في آذار/مارس الماضي، صدر عن الأمم المتحدة تقرير أعده المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران جافيد رحمن، جاء فيه أن وضع حقوق المرأة في إيران لا يزال يرثى له.
وركز تقرير رحمن بشكل رئيس على وضع حقوق الإنسان للنساء والفتيات، معتبرا أنه سيء للغاية وغير مقبول.
وقال رحمن في بيان "من أبرز القضايا المقلقة اليوم في إيران عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء والفتيات، قضية زواج الأطفال".
وأضاف "على الحكومة والقادة الآخرين في البلاد رفع سن الزواج الآن وطرح المزيد من السياسات والبرامج للحد من هذه الممارسة في البلاد".
وسلط تقرير رحمن الضوء أيضا على مخاوف جدية تتعلق بالعنف الأسري. وفيما لحظ تحقيق بعض الخطوات الإيجابية في هذا المجال كإصدار قانون يجرّم الهجمات بالأسيد، طالب رحمن الحكومة الإيرانية ببذل المزيد من الجهود.
وأوضح أن "إجراءات الحماية من العنف المتوفرة حاليا غير كافية لتأمين حماية شاملة للنساء والأطفال".
وذكر رحمن أنه "في حين ينبغي الاعتراف بوجود بعض الخطوات الإيجابية مثل الحق في التعليم وحقوق المواطنة، إلا أن التمييز الفاضح القائم على النوع الاجتماعي لا يزال قائما في القانون والممارسة والسلوكيات المجتمعية، ما يؤدي إلى حرمان النساء والفتيات من المشاركة والمساهمة في المجتمع".