جنيف - صدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقرير لاذع سلّط الضوء مجددا على طريقة معاملة النساء والفتيات في إيران كمواطنات من "الدرجة الثانية".
وأشار التقرير إلى العنف الأسري وآلاف حالات زواج الفتيات القاصرات واستمرار التمييز المتجذر في القانون والممارسة.
وفي هذا الإطار، قال المقرر الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في إيران جافيد رحمن، في بيان يوم الإثنين، 8 آذار/مارس، "عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء والفتيات، إن إحدى أكثر القضايا المثيرة للقلق في إيران اليوم هي قضية زواج الأطفال".
فوفقا للقانون الإيراني، يمكن لأي فتاة الزواج في سن الـ 13 عاما، كما يمكن للفتيات الأصغر سنا الزواج بصورة قانونية بموافقة السلطات القضائية والأهل.
وبحسب الأرقام الرسمية، تزوجت خلال فترة الـ 6 أشهر التي انتهت في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، أكثر من 16 ألف فتاة تتراوح أعمارهن بين 10 و14 عاما.
وبشكل عام، تقوم عائلات تلك الفتيات بتزويجهن قسرا.
ورغم محاولات تعديل القانون خلال العقد الماضي، إلا أنه لم يتغير، وهو ما وصفه رحمن في تقريره بالأمر "غير المقبول".
وأكد أن "على الحكومة والقادة الآخرين رفع سن الزواج الآن ووضع المزيد من السياسات والبرامج للحد من هذه الممارسة في البلاد".
وأضاف أن "زواج الأطفال يضر بنمو الفتيات ورفاههن، ويشمل ذلك التعليم والتوظيف والعيش في مأمن من العنف".
’شرطة الآداب‘ تعتقل النساء
وكشف التقرير أيضا عن مخاوف جدية بشأن العنف االمنزلي. وقد تم تسجيل بعض الخطوات الإيجابية كصدور قانون يجرّم الهجمات بالأسيد، إلا أن رحمن طالب الحكومة الإيرانية ببذل المزيد من الجهود.
وفي الوقت الذي يشير فيه التقرير إلى حصول تقدم في مجالات أخرى كالتعليم وحقوق المواطنة، شرح عن تغلغل التمييز بين الجنسين في معظم مجالات القانون والممارسة وكيف تعامل النساء الإيرانيات على أنهن "مواطنات من الدرجة الثانية".
وعلى الرغم من أن نسبة كبيرة من النساء الإيرانيات متعلمات تعليما عاليا، إلا أنهن يواجهن قيودا شخصية ويخضعن للأعراف الاجتماعية المنهكة التي يفرضها النظام.
وعلى مدى العقد الماضي، تفاقمت الأمور وباتت التحديات اليوم أكثر خطورة.
هذا واحتفلت النساء الإيرانيات باليوم العالمي للمرأة هذا العام بنشر عدد كبير من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وشكّل معظمها احتجاجا على الحجاب الإلزامي ومجموعة من القيود وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارس ضد الإيرانيات.
وفيما بحثت النساء عن سبل للالتفاف على قرار فرض الحجاب الإلزامي، كإزالته عن رؤوسهن في السيارات، إلا أن "شرطة الأخلاق" التابعة للنظام وجدت طرقا جديدة لتكثيف الضغط وملاحقة النساء اللواتي يتحدين الحكم.
وترسل رسائل نصية الآن إلى أصحاب السيارات التي تقودها نساء أو على متنها نساء لا يرتدين الحجاب، وذلك للتحذير من ارتكابهم "جناية" ومطالبتهم بالحضور إلى مركز الشرطة لتأنيبهم شخصيا.
الجنسية وجواز السفر وحقوق الطلاق
ولا يقتصر تقييد النظام الإيراني لحقوق المرأة على قمع حرياتهن الشخصية فقط.
وحتى وقت قريب جدا، لم يكن أطفال النساء الإيرانيات من أزواج غير إيرانيين يُمنحون الجنسية الإيرانية وتاليا جواز سفر، إلا بعد بلوغهم سن الـ 18 عاما والتقدم بأنفسهم بطلب الحصول على الجنسية.
وتم البحث في هذه المسألة طوال فترة 15 عاما وقد أثارت غضب المحافظين.
واليوم حتى، يتم منح شهادة ولادة وجواز سفر إيراني للأطفال من أمهات إيرانيات وآباء أجانب شرط خضوع الأم لتدقيق أمني واجتيازه بنجاح.
ويعني ذلك أن النظام يمنح الجنسية وفقا لتقديره الخاص.
بالإضافة إلى ذلك، لا تتمتع المرأة الإيرانية تلقائيا بحق طلب الطلاق.
وما لم يقرر الرجل التنازل عن حقه في الطلاق لزوجته أو اتفق مع زوجته على ذلك، يحق للزوج فقط طلب الطلاق.
ويصعّب هذا الأمر إلى حد كبير حصول المرأة على الطلاق في المحاكم، باستثناء حالات معينة كالإدمان أو العنف المنزلي أو ارتكاب جناية.
وبعد معاناة دامت سنوات، بات بإمكان النساء الإيرانيات الحصول على جواز سفر دون موافقة أزواجهن. لكنهن ما زلن غير قادرات على مغادرة البلاد دون إذنهم.
ومن أحد الأمثلة البارزة على ذلك، منع زوج مدربة فريق التزلج سميرة الزرقري هذه الأخيرة من مغادرة البلاد للمشاركة في مباريات تزلج في إيطاليا في منتصف شباط/فبراير.
وعلى الرغم من الجدل المطول والاحتجاجات التي انتهت بحالات اعتقال وسجن متعددة، لا تزال النساء الإيرانيات ممنوعات من مشاهدة مباريات الرجال الرياضية في الملاعب والحلبات الإيرانية.
وجود المرأة في مجال التعليم وساحة العمل
ويفوق عدد طالبات الجامعات في إيران عدد الذكور، لكن عدد النساء اللواتي يعملن بدوام كامل أقل من عدد الرجال.
وتظهر البيانات الحكومية أنه في العام 2020، شكّلت النساء أكثر من 50 في المائة من طلاب الجامعات في إيران، في حين أن 27 في المائة فقط من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات هم من النساء.
وأظهرت البيانات الرسمية أيضا أن 30 في المائة من النساء الإيرانيات متعلمات تعليما جامعيا، ومع ذلك انخفضت نسبتهن من القوى العاملة إلى 13 في المائة بعد أن كانت تبلغ 17 في المائة عام 2015.
ويُذكر أن القيود المفروضة في مكان العمل والدفع إلى التقاعد المبكر الذي فرضه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، أجبرت نساء الطبقة المتوسطة العليا على البقاء في المنزل بدلا من الانضمام إلى القوى العاملة.
ومع ذلك، لا تملك النساء ترف رفض الأحكام أو الأعراف غير العادلة والتمييزية، ويعملن في ظروف صعبة لا سيما في القطاعات ذات الأجور المنخفضة.
المناصب السياسية ممنوعة
ووفقا لدستور الجمهورية الإسلامية، لا يوجد نص يحرم مشاركة المرأة في السياسة الإيرانية، ومع ذلك لم يوافق مجلس صيانة الدستور الإيراني على أي مرشحة لمنصب الرئاسة.
هذا ولا يضم المجلس نفسه أي عناصر نسائية، وجميع أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام من الرجال أيضا وكذلك أعضاء مجلس الخبراء.
ويتمثل الاستثناء الوحيد في شخص منيرة كرجي وهي سيدة دين كانت من بين أعضاء مجلس الخبراء في جلسته الأولى عام 1980 بعد الثورة بوقت قصير. ولم يسمح لكرجي حتى بالاحتفاظ بالعضوية إلا لمدة 3 أشهر فقط.
ولا تحصل الوجوه النسائية في المجلس أبدا على أصوات كافية من زملائهن الرجال ليصبحن رؤساء لجان أو أعضاء في هيئة الرئاسة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، تعهد كل مرشح رئاسي إيراني بتعيين عدد معين من النساء في حكومته. ومع ذلك، لم تشغل إلا امرأة واحدة منصبا وزاريا في الجمهورية الإسلامية.
فخلال فترة رئاسته، عيّن أحمدي نجاد 3 سيدات لمناصب وزارية، وقد وافق المجلس على واحدة منهن فقط كوزيرة للصحة، وهي المحافظة مرضية وحيد دستجردي.
وتعرض عدد من النساء الإيرانيات وبينهن محاميات، وقد رفعن صوتهن في الحديث عن انتهاك حقوق المرأة في البلاد، للاضطهاد أو السجن.
وفي غضون ذلك، يمضي النظام الإيراني والنظام الأبوي الذي أنشأه هذا النظام وعززه على مدى 4 عقود بالسير قدما على المسار نفسه.