يشكل إغلاق النظام الإيراني لصحيفة يومية بعد نشرها رسما انتقدت فيه المرشد علي خامنئي محاولة جديدة لفرض الرقابة على الإعلام وتكميم الأفواه المطالبة بحقوق الإنسان الأساسية، حسبما ذكرت منظمات حقوقية.
وأغلق النظام الصحيفة الإيرانية المعتدلة كيليد في 6 تشرين الثاني/نوفمبر بعد إعادة نشرها على صفحتها الأولى رسما كاريكاتوريا كان قد رسمه علي اشتياق في الأساس لصحيفة كيهان لندن، وهي وسيلة إعلام إيرانية للمغتربين مقرها في المملكة المتحدة.
ويظهر الرسم، الذي نُشر مع آخر إصدار من الصحيفة، يدا تضع خاتما مرصعا بحجر ثمين وهي ترسم خطا أحمر هو خط الفقر.
ويظهر جليا في شكل اليد وشكل الخاتم ولونه والحجر الثمين فيه أنه يعود لخامنئي.
وخلافا لما تدعيه إيران أن خامنئي ليس لديه إلا ثروة متواضعة ويملك فقط "حسينية ومنزلًا بسيطًا"، فهو في الواقع يهيمن على إمبراطورية تجارية تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار. وفي هذه الأثناء، تتخبط البلاد بأزمة اقتصادية.
وحمل الرسم الكاريكاتوري الذي نشر للمرة الأولى على موقع كيهان لندن الإلكتروني تعليق "اليد الحمراء"، في إشارة إلى أن يد خامنئي غارقة بدماء الشعب الإيراني في حين أنه يعيش في إسراف تام ويرتدي خاتما مرصعا بحجر ثمين.
وتحت خط الفقر، تظهر مجموعة من الإيرانيين وهم يناضلون للاقتراب منه.
ولا يشمل الرسم الذي أعيد نشره، والذي لم يذكر طبعا صحيفة كيهان لندن كونها معارضة للنظام ومحظورة في إيران، لا يشمل الأفراد الذين يحاولون الوصول إلى الخط (أي الشعب) ولا تعليق أسفل الرسم الأصلي، مع أن التفاصيل الأخرى مطابقة.
وكان تعليق أسفل الرسم في الصفحة الأولى لصحفية كيليد هو "ملايين الأسر الإيرانية تحت خط الفقر!"، وأضيف بخط صغير الحد الأدنى الذي تحتاج إليه عائلة مؤلفة من 4 أشخاص للعيش.
ويبلغ هذا المبلغ 110.5 مليون ريال إيراني بحسب أحدث إعلان رسمي صدر مؤخرًا، أي ما يساوي 350 دولارا، نظرا لتدهور قيمة العملة الإيرانية وقيمتها المتدنية تاريخيا.
ويشكل معدل المعاش الشهري للموظفين الحكوميين المتقاعدين نحو ثلث هذا المبلغ.
ويدل رسم يد خامنئي لخط الفقر على ديكتاتوريته الدينية، بينما تشير الدماء المخضبة بها يده إلى أنه يضحي بالإيرانيين من أجل مكاسبه الخاصة.
وقال شريف منصور منسق البرامج في لجنة حماية الصحافيين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "إعداد التقارير الصادقة والحرة عن مسائل الحياة اليومية هو أمر مهم للغاية بالنسبة للشعب الإيراني".
وتابع أن "على السلطات الإيرانية أن تسمح لصحيفة كيليد باستئناف عملياتها على الفور ووقف أية محاولات لفرض الرقابة على الإعلام".
خواتم خامنئي
ولطالما لفتت خواتم خامنئي الانتباه في إيران.
وفي حين يحاول المرشد الأعلى الذي يعتمد أسلوبا خاصا به تصوير نفسه على أنه يعيش حياة بسيطة ومتواضعة ويدعي العيش بموارد أسرة هي أقل من المعدل المتوسط، إلا أنه يضع مجموعة من الخواتم باهظة الثمن والمرصعة بأحجار ثمينة كبيرة.
ومع أن ذراعه اليمنى قد أصيبت بالشلل خلال محاولة لاغتياله من قبل جماعة معارضة في أوائل الثمانينيات، إلا أنه نادرا ما يظهر بدون خاتم على يده اليمنى التي لا يستطيع تحريكها.
كذلك، يرتدي المرشد في يده اليسرى دائمًا خاتما أو خاتمين اثنين.
ومن الواضح أن هذه الخواتم مهمة بالنسبة له وقد أصبحت رمزا للقدسية المحيطة به، بحسب ما ذكره مؤيدوه الثابتون ووسائل الإعلام الإيرانية اليمينية التي تكون عادة تابعة للحرس الثوري.
وأثار تقديم خامنئي أحد خواتمه للقائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني كعربون تقدير، ضجة كبيرة.
وبعد مقتل سليماني، ركزت صحف ومواقع إلكترونية مقربة من خامنئي على قيام هذا الأخير بتقديم خاتم كتب عليه اسم سليماني لمركز في طهران حيث يتم حفظ الرموز الثمينة.
رقابة متزايدة
وعلى مدى السنوات الـ 25 الماضية، تم إغلاق عدة صحف بشكل مؤقت أو دائم بسبب رسوم نشرتها واعتبرها النظام مسيئة للشخصيات العامة، وخاصة رجال الدين.
حيث أغلقت صحيفة أزاد اليومية منذ أكثر من عقدين بسبب رسم كاريكاتوري استخدم تلاعبًا لفظيًا بالفارسية لتشبيه محمد طاغي مصباح يازدي، وهو أحد كبار رجال الدين وعضو سابق في مجلس خبراء القيادة، بتمساح.
واتخذت كذلك قرارات بالإغلاق عقب نشر مقالات أو مقالات افتتاحية تنتقد النظام وسياساته وأجندته.
وتم إغلاق ما لا يقل عن 10 صحف خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد خاتمي بتهمة غير مثبتة هي "نشر حملة دعائية ضد النظام"، في حين كانت هذه الصحف تنشر فقط مقالات تنتقد العناصر المتشددة في النظام.
ويمكن لأي انتقاد بسيط، سواء كان سياسيا أو ماليا أو غير ذلك، أن يعرّض رخصة أي صحيفة للخطر، وقد أدت الرقابة المتزايدة إلى رقابة ذاتية قاسية في قطاع النشر الإيراني.
وفيما يتعلق بالرسم الكاريكاتوري الذي نشرته صحيفة كيليد، فإن الجملة المرتبطة بخط الفقر تستند إلى الواقع وتستند حتى إلى البيانات التي نشرتها الحكومة نفسها.
ولكن اعتبر ظهور يد خامنئي غير مقبول بالنسبة للنظام، كأن الأحداث والمسائل السلبية غير مرتبطة به.
ومع مواجهة رقابة من هذا النوع، تواجه الصحف ضغوطا لتنسب لخامنئي كل الفضل في التطورات الإيجابية مع أنها نادرة في الواقع.
ويعتبر المرشد الأعلى بعيدا عن أي شكل من التواضع، حيث أنه ينسب لنفسه كل الفضل الذي يستطيع الحصول عليه بأسلوب شمولي فعلي.