تحليل

تأجج الاضطرابات الداخلية في إيران بسبب سوء الإدارة والتخبط في ترتيب الأولويات

بهروز لاريجاني

حريق بمستنقعات هور العظيم بإيران في هذه الصورة التي نشرت على شبكة الإنترنت في تشرين الثاني/نوفمبر. [YJC.news]

على مدار العقود الأربعة الماضية، تأرجح النظام الإيراني بين أزمة وأخرى ، متسببا في الوقت عينه بأزمات في المنطقة ناتجة عن سياسته الخارجية المستندة إلى التدخل في شؤون الآخرين.

إلى هذا، يرقى سوء إدارته المزمن للبلادوسوء ترتيب أولوياته إلى عملية تخريب ذاتي، كما يظهره مستوى الاضطرابات العامة التي أثارها.

ففي السنوات الأخيرة، تعاقبت الأزمات الواحدة تلو الأخرى حتى بلغ الوضع الآن نقطة باتت معها الحكومة الإيرانية مضطرة للتعامل مع عدة أزمات في الوقت نفسه.

فقد مات آلاف الإيرانيين بسبب سوء إدارة الحكومة لجائحة فيروس كورونا ، وتركت الأزمة الاقتصادية الراهنة البلاد في حالة فوضى والشعب في عوز.

المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية في إحدى لجان التصويت في طهران يوم 18 حزيران/يونيو وهو يرتدي كمامة. وكان خامنئي، الذي تعرض للانتقاد بسبب إدارته للجائحة، قد حظر في البداية استيراد لقاحات معينة ضد فيروس كورونا لكنه عدل مؤخرا عن مساره. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

ودفعت سياسات النظام التوسعية، التي يقودها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، البلاد إلى حافة الإفلاس.

وأدى هذا التدخل إلى عواقب كارثية في جميع أنحاء المنطقة، وذلك بسبب ممارسات أذرع الحرس الثوري في العراق واليمن ولبنان وسوريا.

وتواجه الجمهورية الإسلامية أيضاتحديات بيئية كبيرة ، مع الجفاف الحاد الذي يضرب معظم مناطق البلاد ويدمر الأراضي الزراعية.

فالأراضي الرطبة في الهور العظيم جنوبي إيران جفت بالكامل تقريبا وتعرضت مرارا العام الماضي لاشتعال الحرائق فيها، ما دفع البعض إلى تحميل النظام مسؤولية هذه الحوادث جراء أعمال استخراج النفط.

وفي مقابلة مع التلفزيون الحكومي الإيراني، قال الناشط البيئي محمد درويش إن الحكومة بنت طريقا ومنصة تنقيب وسط الأراضي الرطبة لاستخراج النفط لتحولها لاحقا إلى مستنقع ملح.

وأثارت سياسات الحكومة التدميرية احتجاجات في جميع أنحاء البلاد.

وأثناء هذه الاحتجاجات التي بدأت في أواخر الربيع واستمرت حتى منتصف الصيف في محافظات مختلفة، ردد بعض المتظاهرين هتافات انفصالية مهددين سيادة الدولة.

وقال عدد من المراقبين إن حركة المقاومة أصبحت أكثر جرأة وأن اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق ضد النظام باتت إمكانية حقيقية.

سوء ترتيب أولويات السياسة الخارجية

تحتاج إيران بصورة ماسة لتحسين علاقاتها مع الغرب الذي يرهن تخفيف العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشامل المشترك، بإيقاف طهران لتدخلها الإقليمي وأنشطتها النووية غير القانونية.

وفي الأشهر الأخيرة، علق النظام الإيراني بعضا من عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة وصفتها الوكالة العالمية بأنها "قوضت بصورة خطيرة" جهود المراقبة التي تقوم بها.

وهذا الأسبوع، وبعد عودة مدير الوكالة رافائيل غروسي من رحلة إلى إيران، أعرب عن قلقه إزاء الأنشطة النووية السرية التي تقوم بها إيران في أربعة مواقع تم العثور على يورانيوم فيها.

لكن بالنسبة للنظام، يبدو أن مواصلة سياساته التدخلية في المنطقة وتخصيب اليورانيوم والأنشطة النووية، لها أولوية على رفاهية البلاد ورخاء شعبها.

وقال محلل الاستخبارات المقيم في إيران ساسان تمغا، إن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يعتبر الانتصار في المنطقة أكثر أهمية من تحقيق النجاح الداخلي في تلبية الاحتياجات الماسة لشعبه.

وأشار إلى أن "ما يسميه النظام انتصارا، أو 'تصدير الثورة'، هو في واقع الأمر تسليح الجماعات المتطرفة في لبنان واليمن وسوريا من أجل نشر الاضطرابات والإرهاب".

مطالبات باستقالة خامنئي

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المقيم في طهران أحمد توكل عبادي إنه في الأشهر الأخيرة، "رأينا استهدافا مباشرا لخامنئي من قبل عدد من الشخصيات شبه العامة والعديد من الفئات الاجتماعية".

وأوضح أن سوء إدارة النظام الجسيم لأزمة فيروس كورونا هي على ما يبدو التي أججت ذلك، مشيرا إلى أن خامنئي كان قد حظر في البداية شراء اللقاحات المصنوعة في الغرب، إلا أنه تراجع عن قراره مؤخرا.

لكن الكثيرين يعتبرون أن تغيير خامنئي لسياسته جاء متأخرا وهو خطوة أقل بكثير من المطلوب القيام به لبلد نُكب بكوفيد-19.

وأضاف توكل عبادي إن العديد من الإيرانيين يوجهون رسائل ويوقعون على عرائض تطلب من خامنئي أن يتنحى، مؤكدا أن "الناس يريدون اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن يستقيل، بل وأن يُقدم للمحاكمة".

وتابع أن سياسات النظام الإيراني الداخلية والخارجية أثارت أيضا عداوة بين المحافظات داخل إيران، إذ تسببت في خلق تنافس وضغائن عشائرية بين سكانها أدت في نهاية المطاف إلى اضطرابات واسعة.

وفي الوقت نفسه، أدى الفساد المستشري في الوكالات الحكومية إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بصورة حادة، ما تسبب في الإضرار بمصادر رزق الإيرانيين.

هذا ويحتاج الإيرانيون بصورة ماسة إلى رفع العقوبات حتى تتمكن البلاد من بيع النفط والتعامل مع العجز في الإيرادات. لكن الخبراء يحذرون من أنه لكي يحدث ذلك، على إيران أن تغير سلوكها على الجبهتين الإقليمية والداخلية.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500