قال خبراء إن اغتيال العالم الإيراني المنشق مسعود مولوي وردنجاني على يد المخابرات الإيرانية في تركيا عام 2019، كان يهدف على الأرجح إلى منعه من فضح فساد النظام الإيراني وأنشطته الصاروخية.
ويصادف يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر الذكرى الثانية لاغتيال مولوي بالرصاص في أحد شوارع اسطنبول بعد نحو عام من فراره من إيران.
وفي السنوات القليلة التي أعقبت تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1978، استهدفت عمليات اغتيال نفذت بتكليف من النظام، مسؤولين من النظام السابق (عهد بهلوي).
وبعد ذلك، بدأ تركيز النظام يتحول إلى الأشخاص الذين كانوا جزءا منه في مرحلة ما، لكنهم ابتعدوا عنه لاحقا لأسباب مختلفة وفروا إلى الخارج حيث بدأوا بفضح فظائعه.
وتمثل هدف النظام بكم أفواههم.
وأظهرت لقطات فيديو بثها التلفزيون التركي بعد مقتل مولوي، مسلحا يركض أمام رجلين أثناء سيرهما في حي شيشلي بوسط إسطنبول ويطلق عدة طلقات على أحدهما، حسبما أفادت رويترز في آذار/مارس 2020.
وقال مسؤولان تركيان رفيعان لرويترز إن ضابطين من المخابرات بالقنصلية الإيرانية في تركيا حرضا على عملية القتل.
وكشف أحد المسؤولين أنه في الأسابيع التي تلت عملية القتل وخلال احتجازهم على ذمة التحقيق، قال المسلح المشتبه به وعدد من المشتبه بهم الآخرين من مواطنين أتراك وإيرانيين في إفادتهم للمسؤولين إن ضابطين من المخابرات في القنصلية الإيرانية أصدرا الأمر بتنفيذ الاغتيال.
وقال مسؤول تركي آخر إن الأدلة بما في ذلك إفادات المشتبه بهم، تشير إلى أن "مواطنين إيرانيين لعبوا دورا كبيرا في التحريض على القتل وتنسيقه".
ونقلت وكالات أخبار عدة عن مسؤول أميركي رفيع المستوى تأكيده وجود أدلة على تورط وزارة المخابرات الإيرانية بشكل مباشر في مقتل مولوي.
وفي شباط/فبراير 2021، اعتقلت الشرطة التركية مواطنا إيرانيا نقلت أخبار أنه موظف في القنصلية الإيرانية، للاشتباه بتخطيطه لاغتيال مولوي.
من هو مسعود مولوي؟
وأكد خبراء أن خيبة أمل مولوي بالنظام الإيراني وبالتالي انتقاده له أدى إلى استهدافه.
وعمل مولوي مدة 10 سنوات كمستشار ومدير شركة لأمن البيانات في أصفهان اسمها بارسيه ريسرش، قبل أن يبدأ عمله كمستشار عسكري متخصص في الذكاء الاصطناعي.
وتم تجنيده للعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني في منشأة صواريخ مزعومة تابعة له، بعد أن جذب روبوت كان قد صنعه لصالح وزارة الدفاع ويمكن استخدامه في أنظمة الري والصرف الصحي، انتباه مسؤولي الحرس الثوري.
وأدى تحقيق مولوي في شؤون الأمن السيبراني وكشفه عن الممارسات الفاسدة التي ذهبت بالمال العام إلى جيوب مسؤولي النظام، إلى اعتقاله عام 2017 وسجنه وتعذيبه في سجن إيفن، وتحديدا بالجناح رقم 209 المعروف.
واحتُجز في الحبس الانفرادي تحت اسم مستعار هو "رضا فاريبوزي"، ثم حُكم عليه بالسجن 8 سنوات لكنه لم يقض تلك العقوبة بعد أن ناضل معارفه أثناء عمله لصالح الحرس الثوري من أجل إطلاق سراحه.
وفور إطلاق سراحه من السجن، غادر مولوي إيران عام 2018 متوجها إلى تركيا حيث بدأ في فضح فساد المسؤولين الإيرانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقا للأدلة المتوفرة وهي كثيرة، تعتبر عملية اغتياله واحدة من أكثر من 200 عملية قتل سياسي خارج نطاق القضاء ارتكبتها الجمهورية الإسلامية خارج حدودها.
وقبل 3 أشهر من مقتله وتحديدا في آب/أغسطس 2019، رد مولوي على صديق برسالة عبر تويتر استهدف فيها الحرس الثوري الإيراني.
وجاء في الرسالة "إن شاء الله، سأستأصل قادة المافيا الفاسدين هؤلاء. صلوا ألا يقتلوني قبل أن أقوم بذلك".
ونشر مولوي معلومات حول كبار المسؤولين الحكوميين على قناة تيلغرام وعدة قنوات على مواقع تواصل اجتماعي أخرى. وسمى قناته على تيلغرام التي عرّت مسؤولي النظام "الصندوق الأسود".
وفي مرحلة معينة، انتقدت القناة بشكل مباشر المرجع الأعلى الإيراني علي خامنئي، زاعمة أن مولوي يمتلك أدلة ووثائق تتعلق بالأنشطة النووية الإيرانية والفساد في المنظمات الحكومية.
كما قدم مولوي تفاصيل حول أساليب وتقنيات التعقب لاختطاف واغتيال وقتل المعارضين الإيرانيين، لا سيما في تركيا.
واتهم بعض الأشخاص بالتورط في أنشطة التهريب وتهريب المخدرات والفساد المالي والتدخل الإقليمي، مثل كبار مستشاري خامنئي للشؤون الأمنية والسياسة الخارجية.
إسكات المعارضين
وقال المحلل الاستخباري المقيم في إيران ساسان تامغا، إن مزاعم مولوي عن "الفساد المالي الواسع النطاق للمسؤولين القضائيين والأمنيين في البلاد... دفعت الحرس الثوري إلى الانتقام منه والتحرك ضده".
وأوضح تامغا أن مولوي أدرك في النهاية تعرضه للخداع وتدل تصريحاته على ذلك. وتابع أنه كان لديه انطباع بأنه يخدم بلاده، لكنه اكتشف لاحقا الفساد المستشري والأنشطة التي لم يستفد منها سوى المسؤولين الفاسدين.
وأضاف أن هذه الاتهامات دفعت بالجمهورية الإسلامية إلى اختطاف روح الله زم، مؤسس وسيلة إعلامية خارج البلاد تدعى أماد نيوز، وإعدامه في إيران بكانون الأول/ديسمبر 2020.
أما المحلل السياسي المقيم في كرمان فارامارز إيراني، فأشار إلى أن الحرس الثوري الإيراني كان يثق بمولوي عندما عيّنه للتحقيق في الأمن السيبراني في المؤسسات الحكومية.
وقال إيراني إنه اكتشف أن "كما كبيرا من الأموال التي خصصها مسؤولو وزارة المخابرات الإيرانية للأمن السيبراني، تم في الواقع تحويله بشكل رسمي إلى مديري الشركات الخاصة التي أنشأوها".
وأكد أن السبب الرئيسي لاغتيال مولوي هو الحملة الإعلامية الفعالة التي شنها ضد المسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم خامنئي نفسه.
وأردف "كل من عمل مع مولوي كان يعلم أنه شخص وطني وصادق".
ولفت إلى أن "ابتعاده عن مجتمع المخابرات نابع من أخلاقه الرفيعة، وتم اغتياله لأن النظام لم يستطع تشويه سمعته فاختار القضاء عليه بدلا من ذلك".
تاريخ من جرائم القتل
وأثار استهداف الجمهورية الإسلامية للمنشقين والمعارضين الإيرانيين المقيمين في الخارج قلقا واسع النطاق.
وجاء في تقرير لوزارة الخارجية الأميركية صدر في أيار/مايو 2020، أن النظام الإيراني ارتكب منذ الثورة الإسلامية عام 1978 نحو 360 جريمة قتل خارج إيران.
وأشار التقرير إلى أن هذه المخططات الارهابية نفذت في 40 دولة "وتمت بشكل رئيس عن طريق الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني (أي فيلق القدس) أو وزارة المخابرات في الجمهورية الإسلامية، أو عن طريق مجموعات تعمل بالوكالة كحزب الله اللبناني".
وكانت غالبية ضحايا النظام الإيراني من المنشقين عنه أو عناصر معارضين للجمهورية الإسلامية.
وكشف التقرير أن "دبلوماسيين إيرانيين تورطوا بصورة متكررة في عمليات اغتيال خارج حدود بلادهم، كما أظهرته مذكرات توقيف وتحقيقات للقضاء والشرطة وأجهزة المخابرات وإفادات الشهود".
وأضاف أن القتلة الإيرانيين أبدوا استعدادهم لاستخدام العصابات الإجرامية وعصابات المخدرات وأطراف ثالثة لتنفيذ مخططات الاغتيال في الخارج.
وذكر التقرير أن "إيران تنفي على الدوام تورطها في عمليات القتل خارج حدودها، حتى عندما يتم توقيف دبلوماسييها وهم يراقبون المستهدفين أو يؤمنون المتفجرات أو يفرون من مسرح الجريمة".