انطلقت تظاهرات خلال الأشهر الماضية في إيران جراء الاقتصاد المتدهور وسوء إدارة النظام لأزمة فيروس كورونا والبطالة المتفاقمة ونقص المياه والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.
وفي حين خرج الإيرانيون إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم والضغط لتلبية مطالبهم، احتشدت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لقمع التظاهرات وبسط سيطرتها بالقوة.
وقوبلت التظاهرات التي انطلقت في مختلف أنحاء البلاد في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بعد ارتفاع مفاجئ وكبير لأسعار الوقود بفرض النظام سيطرته من خلال حملة قمع شرسة أسفرت عن مقتل 304 شخص على الأقل، بحسب ما ذكرته منظمة العفو الدولية.
ومؤخرا، قامت القوات الأمنية بقتل ما لا يقل عن 4 أشخاص بالرصاص خلال التظاهرات التي شهدتها خوزستان في 15 تموز/يوليو، والتي امتدت إلى طهران وكرج وتبريز وأصفهان، وذلك إلى جانب تظاهرات أصغر حجما في مدن أخرى.
وردا على التظاهرات، قام النظام بنشر شرطة خاصة لمكافحة الشغب واستعان بالحرس الثوري لقمع المتظاهرين.
وخلال التظاهرات الأخيرة والماضية، اعتمد النظام إلى حد كبير على الحرس الثوري وعلى القوة شبه العسكرية التابعة للحرس، والتي تعرف باسم قوات الباسيج المقاومة، لقمع المعارضة الشعبية.
ولكن مراقبين لفتوا إلى أن الحرس الثوري يواجه ضغوطا متزايدة، لا سيما أن ذراعه الخارجي، أي فيلق القدس، متمدد حتى نقطة الانهيار تقريبا لتنفيذ سياسات النظام الإيراني التوسعية في الخارج.
وفيما يحاول فيلق القدس نشر المشروع النظام في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من البلدان، فإنه يواجه نقصا في التمويل تركه غير قادر على دفع رواتب مغرية أو أي رواتب على الإطلاق للمقاتلين المنتمين إلى الميليشيات التابعة للحرس.
وفي هذه الأثناء، يشكك محللون في فعالية الاستراتيجية العسكرية لطهران والجهوزية العامة للقوات المسلحة الإيرانية، واصفين مقاربتها للتمويل العسكري بأنها "مثيرة للجدل".
منظمتان عسكريتان موازيتان
يُذكر أن ما يعقّد الوضع هو إصرار إيران على الحفاظ على منظمتين عسكريتين موازيتين، أي الجيش النظامي والحرس الثوري الذي شُكّل من ميليشيات حاربت في ثورة العام 1979 دعما لروح الله خميني.
هذا ولا يولي النظام اهتماما كبيرا أو الكثير من الاحترام للقوات المسلحة التقليدية المعروفة بالأرتش، وتكون الموازنة المخصصة لهذه القوات أقل بكثير من تلك المخصصة للحرس الثوري، ولا سيما فيلق القدس التابع له. وقد تقلصت هذه الموازنة بصورة أكبر على مر السنوات العشر الماضية.
كذلك، توجد توترات داخلية بين الحرس الثوري والجيش النظامي، إضافة إلى الفرق في التمويل الذي يبرز أكثر فأكثر مع تعثر الاقتصاد.
وبحسب محلل سابق في البحرية الإيرانية طلب عدم الكشف عن اسمه، "يحاول [النظام] فعليا تمويل جيشين اثنين".
وتابع أن "ذلك يعني أن الجيش التقليدي يفتقر إلى التمويل في كل المجالات، أي في التدريب والمعدات والأسلحة والعتاد".
وفي مطلع العام الجاري، تبين أن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف وعدة شخصيات أخرى رفيعة المستوى قد تلاعبت سرا بموازنة إيران السنوية.
ونتيجة لهذا التلاعب، ذهبت مئات ملايين الدولارات إلى الحرس الثوري والمؤسسات المتحالفة معه والتي تعمل مباشرة تحت قيادة المرشد الإيراني علي خامنئي.
وحتى من دون التمويل الإضافي، أدى تفضيل النظام الإيراني للحرس الثوري إلى أن يحصل الحرس على نصيب الأسد من الموازنة العسكرية للبلاد على حساب الشعب الإيراني.
ويواجه الشعب صعوبات اقتصادية كالبطالة وامتناع النظام عن مساعدة الإيرانيين بتلبية احتياجاتهم المالية في ظل التفاقم المتواصل للجائحة، إضافة إلى الركود التضخمي وانهيار قيمة الريال الإيراني.
وكان سعر صرف الريال 70 مقابل الدولار الواحد في العام 1979 ولفترة قصيرة بعد الثورة الإسلامية. أما اليوم، فبلغ سعر الصرف 280 ألف ريال إيراني مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء.
وقال مراقبون إن ذلك أدى إلى حلقة مفرغة، حيث يزداد الناس فقرا وتزداد حالة الغضب نتيجة أولويات النظام التي هي في غير محلها.
وأضافوا أنه ما لم يحصل تغيير، ستتواصل حلقة الغضب والقمع مما سيؤدي إلى إرهاق الحرس الثوري وتقويض قدرته على الحفاظ على النظام.
وتابعوا أنه في نهاية المطاف، قد يتسبب ذلك بزعزعة النظام الإيراني أو انهياره.