قال محللون إن إيران تتوغل بعمق في قطاعات البناء والمال والمصارف في سوريا عبر نشر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وأذرعه في جميع أنحاء البلاد.
وأضافوا أن هذا الوجود سيشكل مستقبلا تهديدا للمؤسسات السورية ويزيدالتوتر بين إيران وروسياالتي تسعى بدورها للاستفادة من الاقتصاد السوري.
وفي حديثه للمشارق، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود مصطفى إن "ايران تسابق الزمن للحصول على مشاريع في جميع القطاعات الاستثمارية والاقتصادية والمالية، وخصوصا في قطاع إعادة الإعمار".
وأضاف أن هذا الملف من الملفات الحساسة المرتبطة بالوضع السياسي والقرارات الدولية المتعلقة بسوريا، مشيرا إلى أن التوغلات الإيرانية تجري بشكل علني مع تغطيات إعلامية واسعة من وسائل الإعلام الموالية للنظام.
ولفت إلى أن هذا النوع من الدعم "قد يعطيها على المدى الطويل تغطية قانونية".
وأكد أن الطريق مهدت أمام هذه التحركات عبر "الانتشار العسكري لفيلق القدس ولأداوته المحلية غير السورية".
خطط فيلق القدس
وتابع مصطفى أن آخر هذه التحركات كانت في مدينة حلب الشمالية والتي تعتبر من المناطق التي تحاول روسيا السيطرة عليها.
ففي نيسان/أبريل الماضي، عقد في جامعة حلب مؤتمر سوري-إيراني لإعادة الإعمار تحت عنوان "إعادة الإعمار بعد الحرب: استراتيجيات وتجارب".
وأوضح أن "محاور المؤتمر الرئيسة ركزت على إعادة إعمار منطقة حلب القديمة والتي تعتبر من أهم المناطق الاقتصادية لاحتوائها العديد من الصناعات السورية، بالإضافة لكونها وجهة سياحية بامتياز".
وأردف مصطفى أن "الخطة، وكما بات الآن واضحا، تستدعي نشر فيلق القدس وأذرعه العسكرية كافة في مناطق معينة".
"وبعدها، تبدأ عمليات التجنيد ونشر فكر ولاية الفقيه وإحداث تغيير ديموغرافي، لتأتي مرحلة شراء الأراضي والعقارات".
وذكر أنه في المحصلة النهائية، ستؤدي كل هذه الخطوات إلى إقامة المشاريع الاقتصادية، "مثلما يظهر واضحا في منطقة الحدود بين لبنان وسوريا، خصوصا الطفيل والزبداني ومدن حلب وحمص والمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى العاصمة دمشق وريفها".
وقال إن عددا كبيرا من العقارات في منطقة شرقي مدينة حلب تم شراؤها مؤخرا ، وحدث الأمر نفسه في مدينة حمص حيث تتم عمليات الشراء من قبل وسطاء سوريين موالين لأذرع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات دقيقة لعدد العقارات التي تم الاستحواذ عليها إما بالشراء وإما بوضع اليد والتلاعب بالأوراق الرسمية، فإن العدد يقارب 750 عقار في المنطقة الحدودية وأكثر من 400 في منطقة الغوطة، وأكثر من 1000 عقار في كل من حمص وحلب.
سباق بين روسيا وإيران
من جهته، قال الباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية شيار تركو للمشارق إن أي مراقب للوضع في سوريا سيلاحظ وبوضوح وجود سباق محموم بين روسيا وإيران للسيطرة الكلية على مقدرات الدولة السورية.
وأوضح أن "الجانبين يحاولان وضع اليد على القدر الأكبر من الاستثمارات والأراضي والمشاريع والثروات الطبيعية، كتعويض للأموال التي صرفاها خلال السنوات الماضية".
"وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن الوجود الروسي أقدم في منطقة الساحل الغنية بالنفط والموارد الطبيعية، فان التوغل الإيراني يعتبر أسرع من الروسي بشكل ملحوظ، لا بل تخطاه في بعض المناطق"، وفقا له.
وهذا يبدو حقيقيًا في دمشق وحلب ومنطقة الشرق السوري، بما فيها البادية ومنطقة القلمون والخد الحدودي مع لبنان، حيث يتمتع حزب الله المدعوم من إيران بالنفوذ والهيمنة.
وقال إن "[إيران] باتت دون أدنى شك تشكل تهديدا جادا يعرقل المشاريع الروسية".
ولفت تركو إلى أن التوغل الإيراني ترافق مع تسهيلات قدمها النظام السوري تضمنت سن قوانين استثمارية جديدة تسهل الأعمال الإيرانية.
كما أن حزمة الاتفاقيات التي وقعت بين إيران والنظام السوري في قطاعات البناء والمصارف والمال قد سهلت الاستثمار الإيراني ، إلى جانب إنشاء المصرف السوري الإيراني المشترك.
وكشف أن إيران تستحوذ على النسبة الأكبر من المصرف.
مؤسسات فيلق القدس
من جهته، اعتبر الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية بمركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، فتحي السيد، أنه من "غير الممكن الفصل بين فيلق القدس وأدوات النظام الإيراني الاقتصادية والاستثمارية".
ويعود ذلك إلى "كون الشركات والمؤسسات الايرانية تتشابك مع المؤسسات العسكرية وخصوصا فيلق القدس، وهو المكلف من قبل القيادة الإيرانية بالانتشار في منطقة المتوسط".
وأضاف أن "العديد من شركات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس تلعب دورا أساسيا في عدة دول كسوريا والعراق ولبنان".
وهذا هو الحال تحديدا في سوريا حيث تنتشر العديد من المؤسسات كمؤسسة الشهيد وجهاد البناء وغيرها، و"أصبح لها أذرع اقتصادية بشكل كبير"، حسبما تابع.
وقال السيد إن العديد من الشركات الأخرى اخترقت البنية التحتية الاقتصادية والمالية في سوريا بطرق عدة.
فقد توغلت هذه الشركات مثلا في السوق الحرة السورية في دمشق، حيث أصبح عددها أكثر من 20 شركة.