حين عرضت إيران مؤخرا على الحكومة السورية مراقبة الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، تبادر قول فارسي قديم إلى ذهن بعض المراقبين: "حين سُئل الثعلب عن شاهد، أشار إلى ذيله".
ومن المقرر أن تجري سوريا انتخاباتها الرئاسية في 26 أيار/مايو مع ثلاثة مرشحين، بينهم واحد من شبه المؤكد أن يفوز.
فمن المتوقع أن يتم الإعلان عن فوز الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة مدتها سبع سنوات عن طريق عملية انتخابية تصفها كل من المعارضة والغرب بأنها مهزلة لتعزيز استبداده.
وحكمت عائلة الأسد وحزب البعث سوريا طيلة 5 عقود بمساعدة قوات الأمن والجيش التابع لهما، وبمساعدة إيران وروسيا ولا سيما في العقد المنصرم.
ويمثل العام الجاري الذكرى السنوية العاشرة لحملة قمع دموية ضد المتظاهرين السلميين، أدت إلى اندلاع حرب أهلية شاركت فيها أطراف وقوى عديدة.
وقد أسفرت الحرب الأهلية في سوريا عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين وتسببت في نزوح الملايين عبر البلد وإلى البلاد المجاورة. ووفقا للبيانات الرسمية التي من المرجح أن تكون أقل من الأرقام الفعلية، فر نحو 5.5 مليون سوري من ديارهم.
ولكن طوال العقد الماضي وعلى الرغم من أن المجتمع بات في حالة خراب وانقسم الشعب وسط إراقة الدماء والعنف والانهيار الاقتصادي، استمر الأسد بتلقي دعم قوي من حلفائه الإيرانيين والروس.
ʼلا حرة ولا نزيهةʻ
وفي آذار/مارس، حثت السفيرة الأميركية للأمم المتحدة المجتمع الدولي على "عدم الانخداع" بالانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا.
وقالت ليندا توماس-غرينفيلد لأعضاء مجلس الأمن إن "هذه الانتخابات لن تكون لا حرة ولا نزيهة. فهي لن تعطي الشرعية لنظام الأسد".
وأضافت أن الانتخابات "لا تفي بالمعايير التي حددها القرار 2254، بما في ذلك ضرورة الإشراف عليها من قبل الأمم المتحدة أو إجرائها وفقا لدستور جديد".
وفي حين أن 51 فردا سجلوا أنفسهم للترشح للمنصب، إلا أن ثلاثة فقط وأحدهم الرئيس السوري الحالي، اعتبروا مؤهلين للترشح.
وليكون المرشحون مؤهلين للترشح، يلزم أن يكونوا قد عاشوا في سوريا في السنوات العشرة الماضية، وهو ما يعني تلقائيا استبعاد شخصيات المعارضة النافذة المنفية.
هذا وقد عبرت دول الغرب ومنها الولايات المتحدة، مرارا وتكرارا عن قلقها إزاء ديكتاتورية الأسد ومعاملته الوحشية للسوريين، بما في ذلك استخدام الغاز الكيميائي ضدهم، والتي عانى منها حتى الأطفال.
وفي 5 أيار/مايو، أعربت الدول الأعضاء في مجموعة السبع عن دعمها مجددا لحل سياسي للصراع في سوريا.
وغرد وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن بعد الاجتماع "أعدنا أنا ونظرائي في مجموعة السبع تأكيد التزامنا بحل سياسي لإنهاء الصراع في سوريا ودعمنا لإعادة تفويض آلية أممية عابرة للحدود لتقديم المساعدات. وسنستمر في العمل لدعم كافة جوانب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وإنهاء معاناة السوريين".
وبدوره، قال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير إن "فرنسا لن تعترف بأية صلاحية للانتخابات التي يعتزم النظام إجراءها".
وأضاف أنه بدون إشراك السوريين في الخارج والسماح لهم بالترشح للمنصب، فإن المواطنين السوريين "سيكونون تحت السيطرة المطلقة للنظام وبدون إشراف دولي"، حسبما هو منصوص عليه في قرار أممي.
وفي ظل مخاوف القوى الغربية إزاء ديكتاتورية الأسد، قامت إيران وروسيا بدعم هذا الأخير ونظامه بثبات، لفظيا وعمليا على حد سواء.
ذيل الذئب شاهد
وقد ظهر دعم الجمهورية الإسلامية القوي للأسد ونظامه جزئيًا بالطريقة التي استقبل بها المسؤولون الإيرانيون الأسد عند زيارته لطهران في عام 2019.
فأثناء زيارته غير المعلنة والتي ذُكرت تفاصيلها لاحقا في تقرير لوكالة تسنيم للأنباء، نقلت مخابرات الحرس الثوري الإيراني وقوات الأمن السورية الأسد عبر أزقة سرية ومداخل خلفية حتى يتسنى له زيارة المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني بأمان.
وحين أشارت تقارير إلى إصابة الأسد وزوجته بفيروس كورونا العام الماضي، عرضت الحكومة الإيرانية ومكتب زعيمها إرسال مساعدة طبية لهما على الفور.
وفي هذه الأثناء، كان آلاف الإيرانيين يموتون من الفيروس وسط إدارة النظام الفاشلة للجائحة، والتي هي مستمرة حتى هذا اليوم.
وفي ضوء ترشح الأسد على الانتخابات الرئاسية، أصدر خامنئي بيانا أشاد فيه به ووصفه بأنه "زعيم عظيم وجدير بالثناء لبلده والمنطقة ومحور المقاومة".
هذا ويجري وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف الذي يواجه انتقادات لاذعة بالداخل، جولة على بلدان المنطقة منذ تسرب تسجيل صوتي لمقابلة مثيرة للجدل أجريت معه في 25 نيسان/أبريل.
وفي اجتماع مع الأسد بدمشق يوم الأربعاء، 12 أيار/مايو، عبّر ظريف عن دعم الجمهورية الإسلامية للانتخابات السورية وأعرب عن رضاه عن تحضيرات الحكومة السورية للانتخابات.
كما أعلن ظريف عن سبب آخر لزيارته إلى سوريا، وهو افتتاح القنصلية الإيرانية في حلب.
ولعل أن الأمر الأكثر إثارة للضحك من الانتخابات السورية نفسها، هو واقع أن ظريف عرض أثناء وجوده في دمشق أن تراقب إيران الانتخابات السورية.
وقد وقف النظام في طهران من خلال الحرس الثوري الإيراني وذراعه الخارجي فيلق القدس، دون كلل أو ملل إلى جانب الأسد وفظائعه. ومن المرجح أن يُعلن فوز الأسد في الانتخابات، وهي الانتخابات الثانية التي تجرى أثناء الحرب الدموية التي دامت عقدا من الزمن في بلده.
والآن ومن خلال الكلام والمال والسلاح، تساعد إيران الأسد في تعزيز موقعه كما يرجح أنها تساعده في مواصلة حملة الحرب والتدمير ضد شعبه.