من غير المتوقع أن تصدر نتيجة الانتخابات السورية المثيرة للجدل قبل مساء الجمعة، 28 أيار/مايو، بعد 48 ساعة على إغلاق صناديق الاقتراع. لكن الجميع متأكد من أن الرئيس بشار الأسد سيبقى في السلطة التي جلس على كرسيها لزمن طويل.
وينافس الأسد في الانتخابات كل من وزير الدولة السابق عبد الله سلوم عبد الله وعضو ما يسمى بـ "المعارضة المقبولة" محمود مرعي، وهي فصيل معارض لطالما رفضه قادة المعارضة في المنفى معتبرين أنه امتداد للنظام.
وتعد هذه الانتخابات المثيرة للجدل الثانية من نوعها منذ بداية الصراع المستمر منذ عقد من الزمن والذي أودى بحياة أكثر من 388 ألف شخص وشرد نصف سكان سوريا ما قبل الحرب،ويعتبرها الكثيرون أنها مهزلة.
فعشية الانتخابات، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا رفضها لانتخابات وصفتها بأنها "لا حرة ولا نزيهة".
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن التصويت تقوضه شوائب كبيرة على رأسها حقيقة عدم تمكن العديد من السوريين في الداخل والخارج من المشاركة به.
وأضاف أن "هذه الانتخابات ليست انتخابات حقيقية".
من جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إن الانتخابات تجري تحت رعاية الدستور الحالي "ولا تدخل ضمن العملية السياسية (الانتقالية) التي دعا إليها قرار مجلس الأمن رقم 2254" في كانون الأول/ديسمبر 2015.
وأكد أن "المطلوب هو حل سياسي يتوصل إليه السوريون أنفسهم وتسهله الأمم المتحدة وتدعمه دبلوماسية دولية بناءة".
وفي منطقة شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها المعارضة ويقيم فيها ثلاثة ملايين نسمة، نزل المئات إلى الشوارع يوم الأربعاء احتجاجا على الانتخابات حاملين لافتات كتب عليها "لا شرعية للأسد وانتخاباته".
واندلعت الاحتجاجات أيضا في محافظة درعا الجنوبية ودعا بعض السكان إلى مقاطعتها، علما أن أجزاء منها فقط تخضع لسيطرة النظام العسكرية.
أما السلطات الكردية التي أقامت منطقة حكم ذاتي في شمال شرقي البلاد، فأوضحت إنها "غير معنية" بعملية التصويت.
النظام يضغط على الناخبين في الخارج
وفي الأسبوع الماضي، أدلى آلاف السوريين بالخارج ممن لديهم مستندات إقامة قانونية بأصواتهم مبكرا في سفاراتهم، على الرغم من ادعاء البعض أنهم تعرضوا لضغوط من أجل التصويت.
لكن الذين فروا من البلاد بشكل غير قانوني ويعجزون تاليا من إبراز ختم الخروج على جواز سفرهم، مُنعوا من التصويت.
إلى هذا، منعت عدة دول معارضة للأسد التصويت تماما بينها تركيا وألمانيا، وهما تستضيفان أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين.
وقد كشف الطالب السوري في كلية التجارة بجامعة القاهرة، أنس عمران، أنه تعرض هو وعائلته لضغوط ليشاركوا في الانتخابات، وأدلوا بأصواتهم في السفارة السورية بالقاهرة.
وقال عمران إن والده لديه معاملة في السفارة لا علاقة لها بهذا الحدث، وأثناء مراجعتها أفاده أحد الموظفين أن "المشاركة في الانتخابات أمر ضروري وحيوي لضمان عدم تعطيل [مصالحه في السفارة]".
وأضاف "غادرت عائلتي سوريا لأنها تعارض النظام، وعلى الرغم من ذلك اضطررنا للذهاب إلى السفارة يوم الانتخابات للإدلاء بأصواتنا خوفا من عرقلة معاملاتنا".
وتابع أن عدم الامتثال "يعرضنا للمساءلة القانونية في بلدنا المضيف، خاصة أنه لا يوجد دليل على أن والدي تلقى رسالة تفيد أن التصويت إلزامي".
الأسد مدعوم من روسيا وإيران
وفي حديث للمشارق، اعتبر بعض السوريين أن هذه الانتخابات ليست سوى وسيلة ابتكرتها روسيابدعم من إيران لإبقاء الأسد على رأس السلطة، على الرغم من الملصقات الضخمة التي رفعت تمجيدا للأسد في مناطق سيطرة النظام.
وقالوا إن بقاء الرئيس السوري يسمح لروسيا وإيران بمواصلة خططهما الخاصة، مشيرين إلى أن الانتخابات لم تكن حرة ونزيهة بمعايير أي شخص.
وفي هذا الإطار، قال أحد سكان السويداء الذي يعمل في قطاع البناء، ماجد محمود، إن "نسبة ضئيلة جدا فقط من السوريين الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية صوتوا لأنهم مقتنعون بصحة العملية الانتخابية والديمقراطية المزعومة".
وأضاف أن الجميع يدرك أن ما يجري هو مسرحية مدبرة من قبل بعض الدول وبتنفيذ أجهزة الأمن السورية لإبقاء الأسد في السلطة "لأنه يخدم توجهات وتطلعات وأهداف روسيا وإيران".
وأكد محمود أنه لا مفر من التصويت بالانتخابات "لأن الأجهزة الأمنية وكما هو معتاد في سوريا، تلاحق كل من يتقاعس عن الإدلاء بصوته... والمواطنون العاديون يدركون ذلك".
وأردف أن "عناصر أجهزة الأمن تنتشر بكثافة في مراكز الاقتراع للتأكد من التصويت لصالح بشار أو عدم تقديم ورقة بيضاء".
وذكر أنه بحسبب القواعد غير المكتوبة، "يعرف كل شخص في سوريا ما هو مطلوب منه خلال الانتخابات"، واصفا الأساليب التي يستخدمها الجهاز الأمني بأنها "صفحة مظلمة من التاريخ لا يمكن نسيانها أو التغاضي عنها".
وأشار إلى أن من لا يمتثل لتوقعات النظام يعني أنه "سيتعرض للاعتقال او التعدي عليه بكل تأكيد، إضافة الى المضايقات التي سيتعرض لها في عمله وحياته اليومية".
قوائم الانتخابات بحوزة قوات الأمن
وأضاف محمد البيك وهو ناشط في دمشق أنه لا سبيل للتهرب من الانتخاب أو تقديم أوراق بيضاء أو مخالفة الأوامر، لأن أجهزة الأمن تستحوذ على قوائم الانتخاب في كل منطقة وبإمكانها التحكم بعدد الأصوات المعطاة للمعارض المزعوم".
وأكد البيك أن "هذه الأوضاع تنطبق على مختلف المناطق التي كانت سابقا تحت سيطرة قوات المعارضة واستعاد النظام السيطرة عليها".
وقال "لا يوجد من يجرؤ على الاعتراض، كون لوائح العائدين إلى مناطقهم موجودة لدى أجهزة الأمن التي ستقوم بدورها بالتدقيق بعدد الذين قاموا بالتصويت وعدد الأصوات التي نالها كل مرشح".
وبالتالي فإن مقولة أن جميع المناطق شاركت بالعملية الانتخابية ليست إلا "أكذوبة بكل ما في الكلمة من معنى"، وفقا للبيك.