احتفل الكثير من الصحافيين الإيرانيين بيوم الصحافيين الوطني بمزاج كئيب هذا العام، إذ يعتريهم القلق على مصير أصدقائهم وزملائهم ويشيرون إلى المفارقة المضحكة-المبكية لهذا اليوم المخصص لتكريم "الصحافيين الشهداء".
وكان النظام الإيراني قد خصص 8 آب/أغسطس كيوم وطني للصحافيين لتكريم أولئك الذين فقدوا حياتهم أثناء أداء واجبات عملهم عقب مقتل رئيس مكتب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) في أفغانستان، محمود سارمي، عام 1998.
وكان سارمي قد قتل في القنصلية الإيرانية في مزار الشريف التي كانت حركة طالبان تسيطر عليها، إلى جانب 10 دبلوماسيين إيرانيين، في حادث زعمت الحركة لاحقا أنه نفذ من قبل "قوات مارقة تحركت بدون أوامر".
وكان ذلك يوما مظلما للصحافيين الإيرانيين، لكن الإعلاميين الذين يعملون في إيران اليوم يقولون إنهم يواجهون مخاطر مماثلة، وفي كثير من الحالات من النظام الحاكم نفسه.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة تحرير مجلة مقيمة في طهران يوم الثلاثاء، 8 آب/أغسطس، شريطة عدم الكشف عن هويتها بسبب مخاوف على سلامتها، "لم أشهد في حياتي يوما مظلما مثل هذا اليوم كصحافية تعمل في إيران".
وأضافت الصحافية التي تعمل في هذا المجال منذ أكثر من 20 عاما، أن "الصحافيين الإيرانيين ليس لديهم أي أمن وظيفي أو حماية جسمانية أو أمان رقمي".
وتابعت "لا نعرف ما إذا كانت منشورنا أو موقعنا على الويب سيظل مفتوحا بعد كل إصدار أو كل يوم. نستمر في العمل في هذا المجال لأننا نحبه، لكن بأمانة أصبح الاستمرار في العمل كصحافي في إيران مخيفا أكثر اليوم".
وذكرت "ثمة رقابة شديدة مع افتقار كامل لحرية التعبير، ليس هذا وحسب، بل هناك أيضا خوف على حياتنا".
وفي يوم الصحافيين الوطني، سردت عدة صحف معتدلة وإصلاحية يومية في إيران تفاصيل محن الصحافيين الإيرانيين، لا سيما منذ بداية الاحتجاجات الواسعة عقب مقتلمهسا أميني في أيلول/سبتمبر.
وكان مقتل أميني أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق" سيئة السمعة التابعة للنظام قد تسبب باندلاع أضخم الاحتجاجات التي شهدتها إيران منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.
وقالت السلطات الإيرانية إنها احتجزت "عشرات الآلاف" خلال الاحتجاجات، بمن فيهم عشرات الصحافيين.
وما تزال الصحافيتان نيلوفر حامدي وإلهه محمدي، اللتين احتجزتا على خلفية تغطية أخبار مقتل أمنية، قابعتين في سجن إيفين سيء السمعة في طهران بعد 11 شهرا.
وكانتا ضمن أوائل الصحافيين الذين غطوا أنباء مقتل أميني. وكانت محمدي تعمل في صحيفة هميهان، في حين كانت حامدي تعمل في صحيفة شرق اليومية كمراسلتين عند احتجازهما في غضون أسبوع من بعضهما بعضا.
'حقبة مظلمة للصحافة'
هذا وخصصت صحيفة شرق الإصلاحية مقالتها الرئيسة يوم الثلاثاء لوضع الصحافيين المسجونين في إيران، مثلما فعلت صحيفتا سازندگی وهميهان اليوميتان اللتان ركزت صفحاتهما الأمامية على وضع الصحافيين في إيران اليوم.
ففي صفحتها الرئيسة، نشرت هميهان صورة لحامدي ومحمدي التقطت يوم 8 آب/أغسطس 2022 عقب احتفال فازتا فيه بجوائز صحافة، وعنونت "الصحافيون بمفردهم أكثر من أي وقت مضى".
في حين كان العنوان الرئيس بالصفحة الأمامية في صحفية سازندگی "نحن متهمون".
وفي مقابلة مع هميهان، قال رئيس مجلس إدارة نقابة الصحافيين في محافظة طهران، أكبر مونتاجابي، إن الصحافة في إيران تعيش "حقبتها المظلمة"، وأشار إلى أن "أكثر من 100 صحافي قد احتجزوا في إيران في العام الماضي".
فبعد بضعة أشهر من اعتقال محمدي وحامدي، زعم القضاء الإيراني أن الصحافيتين احتجزتا وسجنتا بسبب "التواصل مع حكومة الولايات المتحدة"، وهو ادعاء تكرر الأسبوع الماضي.
وزعم أن الاثنتين "لم تسجنا بسبب تغطيتهما الإخبارية".
وأنكرت الصحافيتان هذا الزعم في جلسات المحكمة. وهما تحاكمان بصورة منفصلة ووراء أبواب مغلقة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، اتهمتا بـ "الدعاية ضد الدولة والتآمر على الأمن الوطني".
لكن المحكمة لم تصدر بعد حكما ضد أي منهما.
هذا ووضعت مجلة تايم محمدي وحامدي ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم في عام 2023، كما اختيرت الصحافيتان من قبل مؤسسة نيمان للصحافة للفوز بجائزة لويس إم. ليونز للضمير والنزاهة في الصحافة لعام 2023.
وفي 2 أيار/مايو، فازت الصحافيتان بجائزة اليونسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة لعام 2023.
'عدم يقين دائم'
من جانبها، قالت صحافية محنكة وكاتبة مقيمة في إيران طلبت عدم الكشف عن هويتها، "أن تكون صحافيا في إيران يعني أن تكون في حالة عدم يقين دائمة ولا تعلم إذا ستبقى لديك وظيفة في اليوم التالي أم لا".
وأضافت في تصريح للمشارق أن "ابنتي تحب الصحافة، وكانت بالتأكيد ستواصل دراستها في الجامعة لو لم أثنيها عن فعل ذلك".
وأكدت "لو كنت أعرف مهنة آخر، كنت بالتأكيد سأغير مساري الوظيفي".
من جانبه، قال مونتاجابي مسؤول النقابة في المقابلة مع صحيفة هميهان إن "الحقبة المظلمة للصحافة [في إيران] لم تنته، والضغط الشديد للنظام وتركيزه ينصبان على اعتقال الصحافيين وإهمالهم وطردهم".
وتابع "حين تتسارع التطورات السياسية، تستخدم السلطات الآلية البالية في اعتقال بضعة صحافيين لترهيب مجتمع الإعلام. لكنهم لم يعودوا قادرين على السيطرة على [السردية]".
وأكد "إن عملية إعلام الشعب لن تتوقف؛ بل ستجد طريقها مثل الماء".