كييف - أظهر تمرد مجموعة فاغنر الذي أجهض خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن حرب موسكو ضد أوكرانيا كسرت القوة الروسية بتداعيات دائمة قد يكون من الصعب معالجتها.
وخلال زيارة لليتوانيا يوم الإثنين، 26 حزيران/يونيو، قال أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ إن ما حدث يعد أيضا مؤشرا واضحا على أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو جارته كان "خطأ استراتيجيا".
وتصاعدت التوترات في الأشهر الأخيرة بين بوتين وزعيم فاغنر يفغيني بريغوزين الذي أوكلت لقواته المرتزقة في مرحلة من المراحل مهمة تنفيذ الأعمال القذرة للكرملين في النزاعات حول العالم، ما سمح لموسكو باللجوء إلى سياسة الإنكار المعقول.
ولكن منذ أيلول/سبتمبر الماضي عندما اعترف أخيرا بعلاقته مع فاغنر، يعبّر بريغوزين أكثر فأكثر عن انتقاده لبوتين ولوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس هئية الأركان الروسية فاليري غيراسيموف.
وتفاقم الوضع يوم السبت عندما بدأ رجال بريغوزين بالتوجه نحو موسكو واشتبكوا مع القوات الروسية النظامية في فورونيج المتاخمة لأوكرانيا.
وعندما توقف مرتزقة فاغنر كانوا قد أصبحوا على بعد 200 كيلومتر من موسكو، ما يعني أنهم تقدموا نحو 900 كيلومتر من روستوف أون دون في يوم واحد في دلالة على ضعف الدفاعات الروسية.
وتضاربت الإحصائيات، ولكن تقول بعض المصادر إن المرتزقة أسقطوا 6 مروحيات وطائرة حربية روسية.
وفي هذه الأثناء وفي مشهد أثار حفيظة الكرملين، فشل عدد من الوحدات العسكرية الروسية في التصدي لتقدم فاغنر شمالا.
وشوهد بريغوزين آخر مرة في وقت متأخر من يوم السبت في سيارة رياضية تغادر روستوف أون دون، حيث استولى مقاتلوه على مقر المنطقة العسكرية الجنوبية الذي يعد المركز الرئيس لغزو أوكرانيا.
وهلل له السكان المحليون وهو يصافحهم عبر نافذة السيارة. وتبعه رتل من الشاحنات التي نقلت آليات مدرعة كان رجاله على متنها.
وجاء انسحابه بعد أن أعلنت موسكو عن التوصل إلى اتفاق يقضي بأن يذهب بريغوزين إلى المنفى في بيلاروسيا وأن يحصل رجاله على العفو.
وفي المقابل، أوقفوا تقدمهم باتجاه موسكو.
ولكن نقلت وكالات أنباء روسية يوم الاثنين أن بريغوزين نفسه ما يزال قيد التحقيق لمحاولته تنظيم تمرد مسلح.
ونقلت وكالات الأنباء الروسية الرئيسة الثلاث عن مصدر في مكتب المدعي العام قوله إن "القضية الجنائية ضد بريغوزين لم تسقط".
وبدورها، أعطت مجموعة فاغنر إشارة خبيثة بأنها لم تنته مع بوتين.
ويوم الأحد، حملت قناة تليغرام التابعة لها صورة لبريغوزين وهو يهمس لمشاهديه قائلا "الخطط تحب الصمت".
تصدع في الواجهة الروسيةʻ
وفي هذا الإطار، قال الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا يوم الاثنين في مؤتمر صحافي عقد في فيلنيوس بالقرب من ستولتنبرغ، إن "أحداث نهاية الأسبوع الماضي في روسيا أظهرت عدم استقرار نظام الكرملين".
وأضاف للصحافيين "يمكن توقع تحديات مماثلة أو حتى أكبر في المستقبل".
ويوم الاثنين أيضا، افتتح منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اجتماعا لوزراء الخارجية الأوروبيين في لوكسمبورغ بإعلان أن الأزمة تقوض سلطة الكرملين.
وقال "ما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع يظهر أن الحرب ضد أوكرانيا أدت إلى تصدع القوة الروسية وأثرت على نظامها السياسي".
ويوم الأحد، وصف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الوضع بأنه "استثنائي".
وقال في برنامج "ميت ذا بريس" على قناة إن بي سي "إذا فكرنا في الأمر بهذه الطريقة، قبل 16 شهرا كانت القوات الروسية على أعتاب كييف في أوكرانيا معتقدة أنها ستستولي على العاصمة في غضون أيام وتمحو البلاد من... الخريطة كدولة مستقلة".
وأضاف "اليوم نرى روسيا وهي مضطرة للدفاع عن عاصمتها موسكو ضد مرتزقة من صنع يديها".
وقال بلينكن إن الوضع يثير أيضا "أسئلة عميقة حول الأسس المنطقية لهذا العدوان الروسي على أوكرانيا والتي ظهّرها بريغوزين علنا، فضلا عن تحد مباشر لسلطة بوتين".
وأضاف "لقد رأينا المزيد من التصدع في الواجهة الروسية".
إضعاف معنويات القوات الروسية
واعتبر محللون أن تمرد فاغنر كشف أن حكم بوتين أكثر هشاشة مما كان يعتقد سابقا.
وقال ألكسندر كوفالينكو من مدينة أوديسا الأوكرانية وهو مراسل عسكري وسياسي لموقع إنفو ريزست، "ما يحدث هو انقلاب. يمكننا أن نطلق عليه وصف انقلاب حقيقي".
وأضاف "بريغوزين ليس الشخصية الوحيدة المعنية". وأوضح أن "المعنيين أيضا هم مجموعات النفوذ داخل مختلف الأجهزة الأمنية، بدءا بوزارة الدفاع ووصولا إلى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي الذي سمح لبريغوزين باحتلال روستوف أون دون دون أي تصادم معه وتماشيا مع جميع خططه... للتقدم سريعا نحو مقاطعة فورونيج دون أي عوائق".
وأشار كوفالينكو إلى أن بريغوزين صرح بأن "بوتين تعرض للخداع مدة 8 سنوات وأن [الروس] يقصفون دونباس وأن شويغو وجيراسيموف قد خدعا بوتين فكذبا عليه قائلين إن الأوكرانيين وحلف شمال الأطلسي أرادوا مهاجمة روسيا".
وأضاف "إذا تكررت مثل هذه التمردات فستبدأ موسكو بالانهيار". وسيؤدي التأثير التراكمي إلى "إضعاف معنويات القوات الروسية وإحباطها".
ومن جهته، اعتبر المحلل السياسي المقيم في كييف مكسيم روزومني أن تمرد فاغنر كان "صدمة كبيرة للغاية للروس أنفسهم".
وأضاف أنه "يستبدل [أيضا] مشاكل السياسة الخارجية الروسية بمشاكل داخلية روسية".
وتابع روزومني "لا يستطيعون أصلا التعامل مع أوكرانيا أو الناتو. والآن باتت النار تلتهم ديارهم. أشك في أن العديد من الروس سعداء بما يحدث. لقد شعروا بالخوف وعدم الاستقرار لأنهم فهموا أن الحياة العادية يمكن أن تدمر".
وذكرت لودميلا شميليفا، 70 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية أنها "صدمت" بالأحداث التي جرت نهاية الأسبوع.
وأضافت وهي تسير في الميدان الأحمر بموسكو "لم أكن أتوقع ذلك".
ومن جانبه، قال المحلل السياسي المستقل كونستانتين كالاتشيف لوكالة الصحافة الفرنسية إن "أزمة المؤسسات والثقة لم تكن واضحة في السابق للكثيرين في روسيا والغرب. أما اليوم فباتت واضحة".
وتابع "لقد استخف بوتين ببريغوزين، تماما كما استخف بـ [الرئيس الأوكراني فولوديمير] زيلينسكي قبل ذلك. كان بإمكانه إيقاف ذلك بمكالمة هاتفية مع بريغوزين، لكنه لم يفعل".
الكرملين ’ضعيف جدا‘
وفي هذا السياق، قال إيهور بيترينكو المحلل السياسي بمركز أبحاث أوكرانيا المتحدة ومقرها كييف، إن "موقف الكرملين ضعيف جدا الآن" في إشارة إلى استعداد بوتين لعقد صفقة مع فاغنر.
وأوضح "في نهاية المطاف، ارتكب عناصر فاغنر بالفعل مجموعة من الجرائم في روسيا. فاستولوا في روستوف أون دون على قواعد عسكرية ومقر عسكري ومباني حكومية وأسقطوا طائرات هليكوبتر وطائرات عسكرية".
وأردف بيترينكو أن بوتين قال يوم السبت إن أي شخص حمل السلاح طعنه في ظهره، "لكنه لم يسم عناصر فاغنر ولا بريغوزين بالاسم، وقصد من ذلك منح فرصة لنفسه للتوصل إلى اتفاق معهم".
وقال "علينا أيضا أن ننظر في إمكانية أن يكون بوتين قد بدأ في البحث عن كبش محرقة. فكونه لم يحقق أي انتصارات على الجبهة [الأوكرانية]، بات يحاول إلحاق الهزيمة بعدو محلي. وسيستخدم بعد ذلك هذا الجهد ليأمر بتجنيد شعبي. ويمكنه لاحقا أن يقول إننا بحاجة إلى أن نتحد وسيكون ذلك ذريعة لتشديد الخناق [في روسيا]!".
وتابع "هذه ضربة خطيرة للغاية. ضربة للطاغية بوتين. على أي حال، إنها علامة ضعف ومؤشر على أن نظامه ليس قويا ومستقرا بل إنه هش".
وقال "بوتين هو الذي خلق بريغوزين ومكّنه من أن يصبح ما أصبح عليه اليوم. لذلك ليس على بوتين إلا لوم نفسه فقط ولا يمكنه أن يتوقع أن يأتيه أي خير بعد ذلك".
وأضاف أن "الوضع سيء بالنسبة لبوتين مهما حدث".
[ساهمت في إعداد هذا التقرير أولها شبيل من كييف.]