نواكشوط، موريتانيا - مع استمرار النزاع المسلح في السودان بإزهاق الأرواح والتسبب بموجة نزوح واسعة النطاق، لاقت الجهود الأميركية والسعودية لإنهاء القتال ترحيبا، وإن كان حذرا.
وعندما اندلع القتال في 15 نيسان/أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، طالب القادة المدنيون في السودان بوقف فوري لإطلاق النار، وحذا حذوهم كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ودول مختلفة.
وفي الوقت الذي تتقاتل فيه قوات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كان مبعوثون من الجانبين يتفاوضون في مدينة جدة السعودية في محادثات تدعمها الولايات المتحدة والسعودية.
وأسفرت المفاوضات عن "اتفاق جدة" الذي نص على وقف إطلاق النار على مستوى البلاد لمدة 72 ساعة اعتبارا من 25 نيسان/أبريل، ولكن قامت القوات شبه العسكرية والجيش بتأجيل هذا الموعد مرارا وتكرارا مع استمرارهما في تبادل إطلاق النار واتهام بعضهما البعض بانتهاكه.
وعلى الرغم من أن التوصل إلى إعلان لوقف إطلاق النار بقي بعيد المنال، إلا أن الجانبين وقعا بحلول 11 أيار/مايو على التزام باحترام المبادئ الإنسانية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل إلى المناطق التي نكبتها الحرب.
وبموجب هذا الاتفاق، سيتم فتح ممرات آمنة لتمكين المدنيين من مغادرة المناطق التي تدور فيها الاشتباكات ومساعدة أولئك الذين تقطعت بهم السبل على الوصول عبر هذه الطرق إلى بر الأمان.
ولعبت الرياض دورا رائدا في إجلاء المدنيين من السودان بعد اندلاع القتال.
المبادرة الأميركية-السعودية
وفي حديثه للمشارق، قال الكاتب والإعلامي محمد فاضل عبد اللطيف الموريتاني للمشارق إن المبادرة الأميركية-السعودية مهمة على عدة مستويات.
وأشار إلى أنه بداية، من الضروري "إيجاد حل للأزمة السودانية والتكامل مع جهود الإنقاذ الإقليمية من خلال إضافة مبادرة دولية تدعمها دولتان رئيسيتان غير متورطتين في الصراع".
وتابع أن السعودية قادت "مع الولايات المتحدة أكبر حملة إنقاذ في تاريخ البحر الأحمر" وتساهم بشكل كبير في جهود إغاثة اللاجئين وسط الأزمة، بالإضافة إلى دعم الجهود الدبلوماسية.
وكانت المملكة قد أعلنت أن المحادثات ستتواصل في جدة بين طرفي الصراع في السودان، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 10 أيام على الأقل تحت رقابة دولية أميركية-سعودية.
وتهدف هذه الخطوة إلى تمهيد الطريق للمشاورات التي يأمل الطرفان بأنها ستنهي الصراع المسلح.
وأكدت الحكومة السعودية خلال اجتماعها في جدة يوم الثلاثاء، 16 أيار/مايو، قبيل انعقاد قمة جامعة الدول العربية يوم الجمعة، استمرار جهود المملكة لحل الأزمة في السودان واستعادة أمنه واستقراره، حسب ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط.
وفي حديثه لصحيفة عرب نيوز، قال وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف إن قمة جامعة الدول العربية تقدم "فرصة فريدة" لحل الصراع في السودان.
يُذكر أن السودان هو عضو في جامعة الدول العربية.
ترحيب حذر
وفي هذا السياق، قالت صحافية سودانية طلبت عدم الكشف عن هويتها إن المبادرة الأميركية-السعودية استقبلت بحذر داخل السودان، وهو أمر "طبيعي بالنسبة لشعب لم يشهد استقرارا سياسيا منذ الإطاحة بعمر البشير".
وأوضحت للمشارق "حتى الآن لم نشهد أي تأثير ملموس للمبادرة السعودية-الأميركية على الواقع المرير على الأرض، إذ بات الكثيرون مقتنعين تماما بأن هذه الحرب لن تنتهي قريبا".
وأضافت أن "العديد من السودانيين داخل السودان قلقون، وحتى أولئك الذين يجدون أنفسهم إلى جانب أحد الطرفين يقومون بذلك لحماية أنفسهم فقط".
ووصفت مجموعة المدافعين السودانيين عن حقوق الإنسان الالتزام باحترام المبادئ الإنسانية الموقع في 11 أيار/مايو بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بأنه غامض في العديد من بنوده.
ولكن ذكرت الجماعة الحقوقية في بيان أنه "لا يمكنها إلا الترحيب بهذا الإعلان الإنساني رغم نطاقه المتواضع كخطوة أولى نحو وقف الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
ولفت البيان إلى أن هذه الخطوة ستسمح "بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الكارثة الجسيمة التي اجتاحت السودان منذ [أكثر] من شهر من القتال العنيف".
ودعا الطرفين إلى التوجه نحو تحقيق السلام، وحثهما على إظهار الإرادة للوصول إلى تسوية سلمية شاملة.
وطالب أيضا "بحث القوى السياسية والمجتمعية والنقابية على التوقف عن لعب دور المتفرج والبدء في التعامل بإيجابية مع المبادرة السعودية-الأميركية".
تفاقم الأزمة
وعلى مقلب آخر، أفادت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه منذ اندلاع القتال وحتى أوائل أيار/مايو، نزح أكثر من مائة ألف سوداني، مع مقتل أكثر من ألف وإصابة أكثر من 5000 آخرين.
ومن المتوقع أن يفر هذا العام أكثر من مليون شخص إلى البلدان المجاورة.
وقال راميش راجاسينغهام من مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في جنيف يوم الاربعاء، "اليوم، 25 مليون شخص أي أكثر من نصف سكان السودان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية وإلى الحماية".
وأشار إلى "أن هذا الرقم هو الأعلى الذي شهدته البلاد".
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية أنه قبل اندلاع القتال، كان واحد من كل 3 أشخاص يعتمد على المساعدة وشُرّد الملايين بسبب النزاعات السابقة.
وازداد الوضع في السودان تعقيدا بسبب تورط أطراف خارجية تسعى وراء مصالح مختلفة، بينها مجموعة فاغنر المرتبطة بالكرملين والتي يشاع أن مرتزقتها يدعمون قوات الدعم السريع.
ووفقا للممثل الخاص للأمم المتحدة فولكر بيرتيس أصبح السودان ساحة معركة للمقاتلين الأجانب والمؤيدين العسكريين المجهولين الذين تم إغرائهم بالمال والذهب، مع تدفق مسلحين "باحثين عن الثروات" إلى القتال من جميع أنحاء منطقة الساحل.
وفي ظل تفاقم الأزمة، توجهت إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم 12 أيار/مايو مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في، قادمة من جدة حيث كانت متواجدة منذ 6 أيار/مايو، وذلك لعرض خارطة طريق للمفاوضات المقبلة.
والتقت مع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) وشركاء أفارقة آخرين للتشاور وتنسيق الخطوات التالية بين الشركاء الإقليميين والدوليين للمساعدة على إنهاء الصراع في السودان.