قال مسؤولون عراقيون ومصادر أخرى إن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لم يعد لديه سوى خلايا صغيرة ومنهكة ماليا، لكنه لا يزال قادرا على إلحاق الأذى بالمدنيين.
وفي مطلع الشهر الجاري، داهم الجيش العراقي بدعم من وحدات خاصة، أوكارا عدة لداعش في غربي وشرقي البلاد وأسفرت هذه العمليات عن مقتل مجموعة كبيرة من المتطرفين بينهم مقاتلون أجانب وقياديون في التنظيم.
واستهدفت إحدى أبرز العمليات التي نفذت في آذار/مارس الماضي معسكرا سريا كان التنظيم المتطرف قد أقامه في صحراء الأنبار بالقرب من الرطبة قبل بضعة أشهر ويعرف باسم "معسكر أبو يحيى الجميلي".
(تم اختيار إياد الجميلي المعروف أيضا باسم أبو يحيى العراقي والذي يقال أنه توفي، كخليفة محتمل لزعيم تنظيم داعش الراحل أبو بكر البغدادي. وقد قتل هذا الأخير عام 2019).
وقتلت القوات العراقية خلال الهجوم "22 إرهابيا"، بينهم عدد من المقاتلين الأجانب.
وفي هذا السياق، أعلن نائب رئيس قيادة العمليات المشتركة الفريق الركن قيس المحمداوي في مؤتمر صحافي عقد يوم 12 آذار/مارس عقب الهجوم، أنه تم التعرف على "14 جثة" عبر إجراء فحص الحمض النووي.
وأوضح أن بعض الجثث تعود إلى قياديين في داعش، أبرزهم برزان حسين علي قاضي ووالي الفلوجة المعروف بكنية أبو خالد القاضي أو الشيخ أبو عبد العليم.
الاختباء في المناطق الوعرة
وذكر قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي الذي تحدث أيضا في المؤتمر الصحافي، أن العثور على المخبأ "جاء بجهد نوعي من جهاز المخابرات العراقي".
وأوضح أنه تم تحديد موقع المعسكر بواسطة جهود فنية وبالاعتماد على الموارد البشرية "بالرغم من وجوده في مكان معزول وسط الصحراء".
وتابع أن المعسكر شكّل "مقر القيادة الرئيسي لداعش ومنه تصدر التوجيهات لبقية خلايا التنظيم".
وأكد المحمداوي أن التنظيم المتطرف فقد منذ أكثر من سنة ونصف السنة الدعم الذي كان يعتمد عليه في بعض المناطق والذي سمح له بإنشاء "مضافات" قريبة من المدن التي تشكل منطلقا لهجمات في المناطق المدنية.
وأضاف أنه نتيجة الضغوطات العسكرية على داعش "وعدم قدرته على المواجهة المباشرة، لجأ للاحتماء بالأماكن الوعرة".
وأشار إلى أن أعداد مقاتلي داعش المتبقين بالعراق تتراوح بين 400 و500 عنصر وهم يتحركون ضمن مفارز صغيرة العدد تتنقل إما سيرا على الأقدام أو باستخدام الدراجات النارية.
وكشف أنهم ينتشرون في 6 أو 7 قواطع محددة في البلاد بمناطق نائية صحراوية وجبلية كمناطق العيث ومكحول في صلاح الدين والحضر في نمرود وصحراء الأنبار الغربية وحمرين في ديالى.
وحذر المحمداوي قائلا إنه على الرغم من العدد المحدود لعناصر التنظيم، إلا أنه "باستطاعتهم القيام بفعل يؤذي الناس".
ولكنه ذكر أن القوات الأمنية لديها "معطيات ومعلومات وفيرة" عن أماكن اختباء هؤلاء المسلحين وتحركاتهم نتيجة تطور العمل الاستخباري.
وأردف أن قيادة العمليات المشتركة تملك "وسائل مراقبة لمتابعة الأهداف وهناك جهد أمني مشترك لتصفيتهم بهجمات مخطط لها بعناية".
تهديد عابر للحدود
وفي حديثه للمشارق، قال المحلل العسكري أحمد الشريفي للمشارق إن منع فلول داعش من ممارسة المزيد من أعمال العنف يتطلب استنفاد طاقة التنظيم وقوته بضربات مكثفة.
وذكر أن "داعش لا تزال تهديدا عابرا للحدود. صحيح أن عودتها كقوة ماسكة للأرض غير ممكنة، لكن التنظيم يحاول دائما التكيف للبحث عن تكتيكات".
وأوضح أن فلول مقاتليه شكلوا مجموعات صغيرة جوالة تنفذ بين الحين والآخر هجمات على قرى نائية أو قطعات عسكرية "انطلاقا من سلاسل الجبال والأودية أو من الصحاري".
وفي هذا الإطار، ذكر معهد الاقتصاد والسلام الدولي في تقرير نشره في 16 آذار/مارس أن هجمات التنظيم في العراق وصلت العام الماضي إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالعام 2021.
وكشف أنها بلغت "183 هجوما عام 2022، بانخفاض عن 344 هجوما عام 2021".
وتصنف معظم الهجمات بأنها "غير معقدة"، أي أن التنظيم لا يستخدم فيها وسائل هجوم فتاكة ولا يزج بأعداد كبيرة من مقاتليه.
وأوضح الشريفي أن عددا كبيرا منها يدخل في خانة "عمليات الذئاب المنفردة"، لافتا إلى أن هذا النوع من الهجمات يقتضي "تطوير أدوات الرصد التقني للنشاطات المشبوهة".
وشدد على أن هذا الأمر يتطلب أيضا موارد بشرية، بما في ذلك الاستفادة بصورة أكبر من دعم السكان وسد الثغرات الحدودية لمنع التنظيم من تعزيز موارده البشرية والقتالية.
تجفيف إيرادات دخل داعش
هذا وأكدت مصادر حكومية عراقية للمشارق أنه يتم "تقييد" إيرادات داعش المالية مع تتبع السلطات لأصول التنظيم وأنشطته الاقتصادية والتمويل القادم إليه من الخارج.
ووفقا لتقرير صدر عن فريق دعم تحليلي بمجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير، فإن الاحتياطات المالية للتنظيم استنفدت إلى حد كبير.
وذكر التقرير أن التنظيم المتطرف يملك في خزائنه حاليا ما يتراوح بين 25 و50 مليون دولار، وهو ما يعكس تراجعا بأكثر من 250 مليون دولار في أقل من 3 سنوات.
ولا يزال تنظيم داعش يعاني في العراق من ضائقة مالية شديدة نتيجة العمليات الأمنية التي تستهدف فلوله والضوابط الصارمة المفروضة على القطاع المصرفي لمكافحة غسل الأموال الذي يمول الإرهاب.
ولكن أشار التقرير إلى أن تنظيم داعش لا يزال يحاول جمع الثروات عبر عمليات غسيل الأموال من خلال التجارة والاستثمار وتهريب المخدرات، إضافة إلى وسائل أخرى كسرقة المواشي والابتزاز وفرض الضرائب.