الموصل - في مدينة الموصل شمالي العراق التي شكلت ذات يوم العاصمة الفعلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أصبحت تسمع أجراس كنيسة تم تركيبها حديثا وهي تدق في منطقة بات يسودها الأمل وإعادة الإعمار والوحدة.
وقالت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أودري أزولاي خلال زيارة أجرتها في 7 آذار/مارس إلى المدينة الشمالية حيث تعيد الوكالة الأممية بناء الكنائس والمساجد ومبان أخرى دمرها تنظيم داعش، إن هذه الأجراس "تقرع للجميع".
وإن الموصل التي تعرف بتنوعها الديني والثقافي، قد عاشت معاناة كبيرة في ظل الاحتلال الوحشي الذي مارسه التنظيم المتطرف طوال 3 أعوام، ولا تزال أعمال إعادة الإعمار جارية إلى جانب الجهود المبذولة لإعادة المعنويات والطابع المتميز إلى المدينة.
وقد طردت داعش من الموصل عام 2017، ولكن أدت معركة استعادة المدينة إلى تحويل مدينتها القديمة إلى أنقاض.
وبالنسبة لأزولاي التي زارت المدينة للتعبير عن دعم اليونسكو لجهود إعادة إعمار العراق، يعتبر صوت الأجراس "رمزا للعودة إلى السلام والارتباط بالتاريخ، كما يشكل أيضا رمزا للأمل بالمستقبل".
ومنذ عام 2018، جمعت اليونسكو أكثر من 150 مليون دولار لتمويل مشاريع في العراق، يصب معظمها في أعمال إعادة إعمار الموصل ويشمل ذلك إعادة بناء المساجد والكنائس والمنازل التي يعود تاريخها إلى القرن الماضي وذلك ضمن مبادرة "إحياء روح الموصل".
أجراس تحمل أسماء رؤساء الملائكة
ومن أبرز أعمال الترميم، عملية ترميم كنيسة الساعة (دير سيدة الساعة) حيث دقت أجراس الكنائس الثلاثة التي وصلت حديثا من فرنسا من برج الجرس حيث تم تركيبها.
وسميت "كنيسة الساعة" نسبة إلى ساعة قدمتها فرنسا عام 1880 اعترافا بالعمل الثقافي والاجتماعي للآباء الدومينيكان.
وقالت أزولاي إن الدير فتح أول مدرسة عراقية للبنات وأول كلية للمعلمات النساء. وأضافت أن الموقع استضاف أيضا أول مطبعة في بلاد ما بين النهرين.
وسميت أجراسها البرونزية الثلاثة الجديدة على اسم رؤساء الملائكة جبرائيل وميخائيل ورفائيل، علما أن وزن الأثقل بينها يبلغ 270 كيلوغراما.
وأشارت أزولاي وكانت تشغل سابقا منصب وزيرة الثقافة في فرنسا، إلى أنه تم صب الأجراس في المسبك الفرنسي نفسه في النورماندي حيث صنعت أجراس كاتدرائية نوتردام في باريس.
وقالت "نحن متواجدون في صرح للدين والثقافة والتعايش والتربية... إنه مكان له رمزية كبيرة".
وبدوره، قال الأب الدومينيكي أوليفييه بوكيلون إنه تم ترميم جدران الكنيسة "بأحجار رائعة".
صوت الحوار
هذا وتعمل اليونسكو أيضا على ترميم جامع النوري في الموصل مع مئذنته الحدباء التي يعود تاريخها إلى القرن الـ 12.
وقد دمر الجامع والمئذنة خلال معركة استعادة المدينة من داعش. واتهم الجيش العراقي التنظيم بزرع متفجرات في المكان وتفجيره.
وشكّل الجامع آخر مناطق سيطرة التنظيم في الموصل، وعندما وصلت أنباء تدميره إلى رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، وصف أفعال داعش بأنها "إعلان رسمي عن هزيمتها".
وأدى توغل داعش إلى القضاء أكثر فأكثر على مسيحيي العراق الذين يعيشون في المنطقة منذ آلاف السنين، ولكن تقلص عددهم اليوم إلى نحو 400 ألف نسمة.
وقال بوكيلون في شباط/فبراير أثناء إشرافه على أعمال تركيب الأجراس، إنه مع ذلك "نشهد عودة الحياة إلى المنطقة"، آملا أن تعيد هذه الأجراس إحياء "دور الحوار".
وذكر أنه في المدينة القديمة بالموصل، تتجاور أجراس الكنيسة مع مئذنة الجامع ويمكن للسكان سماع صوت الأجراس وصوت المؤذن وهم ينادون أتباعهم للصلاة.