سهل البقاع، لبنان -- خلال العقد منذ إعلان النظام السوري وفاة زوجها المسجون، تعرضت راميا الصوص للتهديد من قبل قوات الأمن وحرمت من تركة زوجها وأجبرت على الفرار إلى خارج البلاد.
ولم يتم أبدا إطلاع السيدة، وهي أم لـ 3 أولاد ولاجئة تقيم حاليا في لبنان، على سبب وفاة زوجها، كما أنها لا تستطع أن تبيع أو تؤجر الممتلكات التي صادرتها السلطات.
وقالت "كوني امرأة، يصبح كل شيء مستحيلا تقريبا"، معبرة بذلك عن المحنة التي يتشاركها العديد من زوجات وأرامل السجناء السوريين.
ولكن الصوص، 40 عاما، لا تنوي الاستسلام.
فأوضحت "ما كان أطفالي ليعانوا إلى هذا الحد لو كنت أنا من اعتقل. تُركوا بلا شيء، ولكني مصرة على أن آخذ شيئا في المقابل".
يُذكر أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد شن حملة قمع وحشية على انتفاضة اندلعت في العام 2011، وهو ما أدى إلى حرب تسببت بمقتل نحو نصف مليون شخص.
ومن المقدر أن العدد نفسه من الأشخاص تقريبا، وغالبيتهم من الرجال، قد اعتقلوا في سجون النظام منذ ذلك الحين، علما أن عشرات الآلاف توفوا إما تحت التعذيب أو جراء ظروف سيئة.
وقال المحامي السوري المقيم في اسطنبول غزوان قرنفل إنه خارج أسوار السجن، لا تتمتع زوجات هؤلاء بأية حرية، حيث أنهن يواجهن متاهة من القيود في مجتمع ونظام قانوني يعطيان الأفضلية للرجال.
وتابع أنه بدون شهادات الوفاة الرسمية لأزواجهن، لا تستطيع الأرامل المطالبة بالميراث أو بملكية الممتلكات.
وأضاف أنهن لا يستطعن الوصول إلى عقارات أزواجهن المتوفين في حال كانت قد تمت مصادرتها أو احتجازها من قبل الدولة.
وما هو أسوأ، هو أن الوصاية على الأطفال غير مضمونة بالنسبة لهؤلاء النساء، إذ أنه غالبا ما يعطي القضاة الوصاية لأقرب الأقرباء من الذكور.
وقال قرنفل إن ذلك يأتي "إضافة إلى تعرضهن للابتزاز المالي والتحرش الجنسي" على يد ضباط الأمن التابعين للنظام.
ʼفريسة سهلةʻ
هذا وينص قانون مكافحة الإرهاب الصادر في سوريا عام 2012 أنه بإمكان الحكومة القيام بصورة مؤقتة أو دائمة بمصادرة ممتلكات السجناء المتهمين بالإرهاب، وهي تهمة شاملة تستخدم لاعتقال المدنيين المشتبه بارتباطهم بالمعارضة.
وجاء في تقرير صدر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أنه يعتقد أن الحكومة صادرت أصولا تابعة للسجناء بقيمة 1.54 مليار دولار منذ العام 2011.
وتأسست المنظمة الرقابية ومقرها في تركيا على يد سجناء سابقين كانوا محتجزين في سجن صيدنايا الذي يقع عند أطراف دمشق وهو الأكبر في البلاد ولطالما ارتبط اسمه بالتعذيب وأبشع فظائع النظام السوري.
وجاء في تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية عام 2017 أنه بين عامي 2011 و2015 كان يتم كل أسبوع إخراج مجموعات من 50 سجينا على الأقل في سجن صيدنايا من زنزاناتهم ليتم ضربهم قبل إعدامهم في منتصف الليل "بسرية تامة".
وفي مطلع العام الجاري، نقلت صحيفة نيويورك تايمز أنه غالبا ما كان يتبين أن الجثث القادمة من سجن صيدنايا تعود إلى أفراد قتلوا مؤخرا، وأنه كان لدى البعض ما يشبه علامات حبال حول أعناقهم أو جروح ناجمة عن طلقات نارية.
وكان منزل الصوص وأرضها الزراعية من بين الممتلكات التي تمت مصادرتها بعد اعتقال زوجها في مداهمة عام 2013، ووجهت إليه لاحقا تهم مرتبطة بالإرهاب قالت عنها الصوص إنها ملفقة.
وقالت إنه بعد أشهر من ذلك، سلمتها السلطات "رقم جثة".
وحيدة وفقيرة، أمضت سنوات تتنقل بين فرع أمني وآخر لمحاولة تخليص العقبات البيروقراطية.
وذكرت الصوص أنها قوبلت بشكل أساسي بالمضايقات والترهيب.
وأكدت "المرأة فريسة سهلة".
وبسبب خوفها من الاضطهاد على يد قوات النظام، هربت إلى لبنان المجاور في العام 2016 متمسكة بكيس بلاستيكي قديم أحمر وأبيض تحتفظ فيه بسندات الملكية الخاصة بها ومجموعة من الوثائق الرسمية الأخرى.
ولم يبق لديها الكثير من المال، لكنها تواصل دفع الرشاوى ورسوم المحامي في محاولة لاستعادة أصولها من الدولة.
وقالت "أريد بيعها، ليس لي بل لأطفالي".
آفاق جديدة
وبدورها، هربت سلمى البالغة من العمر 43 عاما ولديها 4 أطفال، إلى لبنان بعد أن اختفى زوجها داخل غياهب منظومة السجون في سوريا.
وفي المرة الوحيدة التي سألت فيها عن مصيره في العام 2015، قامت قوات النظام باحتجازها في غرفة وتهديدها.
وقالت سلمى التي طلبت استخدام اسم مستعار بسبب مخاوف أمنية، "لم أسأل عنه بعد ذلك".
وعندما حاولت بيع سيارة زوجها ومنزلهما، تبين لها أنهما صودرا من قبل الدولة.
وأوضحت "بعت كل مجوهراتي لشراء ذلك المنزل".
وفي خضم محنتهن، وجدت بعض النساء ميزة في قدراتهن المعززة جراء وجودهن بمفردهن.
وفي الإطار نفسه، قالت تقى، وهي أم لخمسة أولاد تبلغ من العمر 45 عاما واختفى زوجها أيضا في السجن، إن حياتها كانت صعبة أصلا قبل الحرب بسبب التحفظ الاجتماعي والديني.
وذكرت "لم يكن يسمح لي حتى بالخروج من المنزل، ناهيك عن الذهاب لشراء البقالة أو الخبز".
ولكن كل ذلك تغير عندما أصبحت الوصية الوحيدة على أطفالها.
فانتقلت في نهاية المطاف إلى لبنان حيث أمنت لنفسها وظيفة وشاركت في تدريبات على سبل العيش وورش عمل تديرها مجموعات إغاثية، وهي قفزة نوعية عن حياة الملاجئ التي كانت تعيشها سابقا.
وقد لا يرث أولادها منزلا عائليا من والدهم، ولكن تقى متأكدة من أنهم سيرثون قيما جديدة منها.
وقالت "لا أربي أولادي بالطريقة التي تربيت بها".
وفي ظل تحدي القدر لها، تذكر تقى أنها جاهزة لمواجهة التحديات القادمة.
وأضافت "خسرت الكثير، ولكني أصبحت امرأة قوية".
وختمت قائلة "لم أعد المرأة التي تعيش خلف أبواب مقفلة".