بيروت - قال سكان من داريا للمشارق إن الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الموالية للحكومة تعمل على توسيع رقعة تواجدها في داريا والمنطقة المحيطة بها عبر الاستحواذ على عقارات إما بالقوة أو بدفع مبالغ مالية كبيرة.
وشكلت داريا وهي إحدى ضواحي العاصمة دمشق، طوال الحرب الأهلية نقطة ساخنة للاحتجاجات المناهضة للحكومة وشهدت معارك عنيفة.
وقال الناشط الإعلامي أحمد السيسي وأصله من داريا، إن حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري بقيادة ماهر شقيق الرئيس بشار الأسد، تمركزا في محيط مقام السيدة سكينة.
وكشف أنهما يستحوذان على عقارات ومنازل في الأطراف الاستراتيجية لداريا بدفع كميات كبيرة من المال لمالكيها عبر وسطاء.
وأوضح السيسي أن "حزب الله يستغل حاجة الناس ومآسيهم لشراء بيوتهم بأسعار زهيدة"،، مضيفا أنه يهدد من يرفض البيع عبر وسطاء.
وأشار السيسي إلى أن الميليشيات الموالية لإيران لا تظهر وجودها العسكري "علنا، بل تهيمن راهنا على المدينة ومحيطها ثقافيا عبر عقد اجتماعات لدروس دينية لتشجيع الناس على التشيع".
وعزا ذلك إلى سعي إيران لتغيير هوية المدينة وديموغرافيتها.
وقال السيسي إن ضابطا من الفرقة الرابعة استولى على فيلا ومزرعة عائلته الواقعة بالقرب من مقام السيدة سكينة.
وأكد "لا نجرؤ على طلب إخلائها".
وبحسب بعض المصادر، نهب حزب الله وميليشيات أخرى منازل في داريا وسرقت الأثاث والخردة المعدنية، ونقلت بعض ما نهبته إلى قرى في بعلبك وجنوب لبنان.
واضافت المصادر أن معظم المنازل التي تم الاستيلاء عليها تقع بالقرب من مواقع تتمركز فيها الميليشيات المدعومة من إيران ومقام السيدة سكينة، لا سيما على طول طريق فور سيزون وطريق المعامل المؤدية للمدينة من جهة الطريق السريع درعا–دمشق.
وقال معارض من داريا طلب عدم الكشف عن هويته، إنه توجد في داريا ميليشيات أخرى إلى جانب حزب الله.
وتضم هذه الميليشيات لواء فاطميون ولواء أبو فضل العباس ولواء المقدسيون المطعّم بعناصر إيرانية.
وكشف أن عناصر لواء فاطميون متمركزون على الطريق المؤدي إلى مطار دمشق الدولي وفي بلدات حتيتة التركمان وداريا وكفرسوسة.
وأضاف أنهم يقيمون في مجمعات سكنية ولديهم ثكنات في جميع تلك البلدات، وبعضهم ترافقهم زوجاتهم.
وأوضح المصدر أن عناصر فاطميون "أصلحوا المنازل في تلك المناطق واحتلوها"، مضيفا أنهم أقاموا حواجز لمنع الدخول إليها وفتحوا مكاتب لتجنيد السوريين في داريا ومحيطها.
’معسكر إيراني‘
ووفق الباحث والكاتب السوري المتخصص في الشؤون الاستراتيجية تركي مصطفى حديد، "تحولت داريا لمعسكر إيراني قوامه ميليشيا حزب الله وحركة النجباء والفرقة الرابعة منذ آب/أغسطس 2016".
وينتشر حزب الله على مداخل المدينة ومخارجها وقد استحدث 12 ثكنة عسكرية جديدة في محيطها.
وتابع حديد "عمدت إيران لبناء مقامات دينية لا أساس تاريخي لها، كتشييد مقام صغير باسم السيدة سكنية بمنطقة قريبة من مبنى بلدية داريا عام 1999 وسط احتجاج الأهالي".
ولفت إلى أن مسؤولين إيرانيين زاروا هذا المقام تعبيرا عن دعمهم للمشروع، أبرزهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في كانون الثاني/يناير 2006.
وأضاف "يُعد المقام اليوم مستوطنة إيرانية، وهو ثالث مزار من حيث الأهمية بعد مزاري السيدة زينب والسيدة رقية".
وذكر أن المقام تعرض خلال المعارك لدمار كبير وتستغله اليوم الميليشيات الشيعية لتجيش طائفيا وتستقدم مقاتلين بحجة الدفاع عن الأماكن المقدسة.
ولفت حديد إلى أن تصديق مجلس الشعب السوري على قانون التجديد الحضري لعام 2018 المعروف بالمرسوم رقم 10، سهل على غير السوريين تملّك العقارات في البلاد، وبينهم عناصر الميليشيات المدعومة من إيران.
تشريد قسري
وبدوره، اعتبر رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أن ما تشهده داريا هو "انتهاكات ممنهجة لقوات النظام مدعومة بالميليشيات الشيعية منذ التشريد القسري الأخير الذي حصل في آب/أغسطس 2016".
وأوضح أن قوات النظام منعت سكان داريا من العودة إليها من العام 2016 وحتى بداية العام 2019، حين سمحت لبعض العائلات بعودة مشروطة بموافقات أمنية.
واضطر البعض حتى إلى دفع رشاوى للعناصر الأمنية المسيطرة على الحواجز العسكرية المحيطة بالمدينة، بحسب عبد الغني.
وأكد تعرض السكان أيضا للابتزاز لبيع ممتلكاتهم إلى الميليشيات.
وأشار إلى أن التنسيق بين قوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران "واضح وموثق".
وذكرت مصادر وشهود عيان تواصلت معهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن عمليات بيع العقارات في داريا لا تتم بشكل مباشر بين المالك والميليشيات.
وأوضح عبد الغني أنها تتم عبر وسطاء وشخصيات تابعة للنظام، بما في ذلك رئيس بلدية المدينة مروان عبيد.
ونقل عن الأهالي قولهم إنه "تمت عمليات البيع جميعها والتي تصاعدت مؤخرا لأراض محيطة بمقام [سكينة] لقاء مبالغ ضخمة لأصحاب العقارات، وبالمنطقة القريبة من أوتوستراد درعا".
وختم قائلا "لذا لن تكون هناك عودة آمنة وكريمة للنازحين واللاجئين بظل تسخير النظام قواته ومراسيمه وقوانينه المشرعنة للاستيلاء على الممتلكات".