القاهرة -- قال سوريون للمشارق إن الأحوال المعيشية المتردية في سوريا منذ أكثر من عقد، والتي تفاقمت مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، ألقت بظلالها على التحضيرات لعيد الأضحى والذي يصادف هذا العام في التاسع من تموز/يوليو.
وأكدوا أن عيد الأضحى هذا العام يعتبر من أصعب الأعياد التي مرت على الشعب السوري منذ عقود، فأسعار الألبسة ارتفعت بنسبة تصل إلى 50 في المائة، وأسعار الطاقة والغذاء والضرائب ارتفعت هي الأخرى بشكل جنوني.
وقال الخبير الاقتصادي السوري والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق، محمود مصطفى، إن "الأوضاع في سوريا خلال فترة عيد الأضحى، وخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، تعتبر الأسوأ منذ عقود طويلة".
وأضاف أنه لا المواطن بات قادرا على شراء أقل الحاجيات ولا التاجر بات قادرا على الصمود بوجه توقف عملية الشراء، ويعود ذلك جزئيا إلى ارتفاع أسعار البضائع الجديدة.
وأكد أن ركود السوق سيكون له انعكاساته على الوضع الاقتصادي الذي يعاني أساسا من الانهيار.
وذكر أن معظم التجار ينتظرون فترة الأعياد لتنشيط تجارتهم، "الأمر الذي لن يحصل هذا العام".
ورجح مصطفى السبب الرئيس للضائقة الاقتصادية إلى اتكال النظام السوري على روسيا وإيران بشكل كبير للحصول على أموال ومساعدات وخطوط ائتمانية، لكن كل هذه الأمور تعطلت تماما جراء الأزمة الأوكرانية.
وأوضح أن "روسيا غير قادرة على تحمل أي تكاليف إضافية ووجهت كل مصادرها وأموالها باتجاه دعم الحرب والمضي قدما فيها".
من جهتها، تعاني إيران من ضغوط العقوبات الدولية بسبب استمرارها في تطوير برنامجها النووي ، كما تدخلها في شؤون دول المنطقة.
وقال مصطفى إن "الأسواق العالمية تعاني أساسا من حالة ركود بسبب الأوضاع في أوكرانيا وتوجه كل إمكانياتها نحو تأمين المواد الغذائية الضرورية".
وتابع "إلا أن النظام السوري عاجز في الوقت الحالي حتى عن تأمين الضروريات الأساسية".
ظروف صعبة
بدوره، قال محمد الحبال الذي يعمل حاليا بالأعمال الحرة إن "فرحة العيد غائبة كليا، فليس في مقدرتي على الإطلاق إقامة وليمة العيد السنوية ولا شراء الملابس الجديدة والألعاب والهدايا لأبنائي وأبناء أقاربي".
والحبال هو الابن الأكبر في العائلة، وجرت العادة بعد وفاة والده بأن تجتمع العائلة أول أيام العيد في منزله.
وأضاف "أزاح الجميع الحرج عني هذا العام بسبب الأوضاع الراهنة، واتفقنا على تقدمة أقل ما يمكن من عصائر وحلويات مصنوعة في البيت بدل الوليمة المعتادة".
ولفت الحبال إلى أنه اشترى لأولاده الثلاثة ملابس مستعملة هذا العام، وقامت زوجته بغسلها وترتيبها لتبدو جديدة قدر الإمكان ليرتدونها أيام العيد.
وتواصل أيضا مع دار الأوقاف الإسلامية المسؤولة عن توزيع المساعدات خلال الأعياد، للحصول على شيء من الأضاحي أو مبلغ من المال أو هدايا لأطفاله.
"لكن الجواب الصادم كان أن عملية توزيع الأضاحي هذا العام ستكون شبه معدومة، فلا المؤسسات الحكومية تستطيع تغطية نفقات ذلك بسبب العجز الكبير في ميزانيتها، ولا الجمعيات الخيرية المستقلة قادرة هي أيضا"، حسبما أوضح.
ويعود ذلك إلى انقطاع التمويل بشكل شبه كامل من الشركات والشخصيات التي كانت تدعم تلك المبادرات الخيرية، بحسب الحبال.
وقال إن هذا "أمر غير اعتيادي ناتج عن الأوضاع الاقتصادية العامة التي يعاني منها الجميع دون استثناء".
ارتفاع تكلفة المعيشة
وقال سوريون إن أجواء العيد غائبة أيضا في الشوارع والأسواق التجارية في الأيام التي تسبق عيد الأضحى.
وكشف صاحب متجر لبيع الملابس في العاصمة دمشق، عبد الحميد الصباغ، أن "عملية البيع والشراء متوقفة بالكامل".
وأضاف أن ركود السوق بلغ "حدا كبيرا لدرجة أنه لو باع أحد تجار الألبسة قطعة أو قطعتين، فإنه يعتبر الأمر انجازا كبيرا جدا يميزه عن باقي التجار".
وأوضح أن سعر قطعة من ملابس الأطفال تبدأ من 35 ألف ليرة سورية (1.40 دولار أميركي) لبضاعة متواضعة جدا وتصل إلى 200 ألف (80 دولارا أميركيا) لشراء طقم كامل.
وذكر أنه في الماضي، كان هذا المبلغ يكفي لطفلين أو ثلاثة لبضاعة تعتبر من الصنف الأول.
ورجح الصباغ سبب الارتفاع الكبير في الأسعار إلى ارتفاع تكلفة التصنيع لغلاء أسعار المواد البترولية وأسعار المواد الأولية، خاصة الأصباغ والإكسسوارات المستوردة.