إقتصاد

’عملية ابتزاز‘: روسيا تهدد بمجاعة عالمية نتيجة حصارها المفروض على أوكرانيا

أولها شيبيل

تحميل الشعير على سفينة الشحن الروسية سورموفو-2 في مدينة روستوف نا دون الروسية، يوم 11 حزيران/يونيو. [مراسل مستقل/وكالة الصحافة الفرنسية]

تحميل الشعير على سفينة الشحن الروسية سورموفو-2 في مدينة روستوف نا دون الروسية، يوم 11 حزيران/يونيو. [مراسل مستقل/وكالة الصحافة الفرنسية]

كييف - تواصل روسيا إغلاق الموانئ الأوكرانية الرئيسة في البحر الأسود وبحر آزوف، فتبتز العالم من خلال التهديد بمفاقمة أزمة الغذاء المتزايدة.

وكان الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا التي تعتبر تقليديا مصدّرا أساسيا للحبوب إلى العالم، قد تسبب في نقص حاد في الحبوب والأسمدة وارتفاع أسعارها عالميا، كما عرّض مئات الملايين من الناس لخطر الجوع.

وقبل الغزو الروسي، كانت أوكرانيا أكبر منتج لزيت دوار الشمس في العالم ومصدّرا رئيسا للقمح، ولكن أسفر حصار روسيا المفروض عليها عن منع تصدير أكثر من 20 مليون طن من الحبوب التي ما تزال محتجزة في الصوامع والموانئ.

وصرح المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي للصحافيين يوم الأربعاء، 15 حزيران/يونيو، أن أزمة الجوع قد تؤدي إلى أعداد كبيرة من النازحين حول العالم.

تفريغ سفينة الشحن الفنلندية ألبيلا في مدينة آكورونيا الإسبانيا يوم 13 حزيران/يونيو، وهي تحمل من أوكرانيا 18 ألف طن من حبوب الحيوانات. وأفادت جمعية إسبانية أن شحنة الحبوب الأوكرانية وصلت بعد مرورها في بحر البلطيق هربا من الحصار الروسي الذي فرض عقب اندلاع الحرب. [ميغيل ريوبا/وكالة الصحافة الفرنسية]

تفريغ سفينة الشحن الفنلندية ألبيلا في مدينة آكورونيا الإسبانيا يوم 13 حزيران/يونيو، وهي تحمل من أوكرانيا 18 ألف طن من حبوب الحيوانات. وأفادت جمعية إسبانية أن شحنة الحبوب الأوكرانية وصلت بعد مرورها في بحر البلطيق هربا من الحصار الروسي الذي فرض عقب اندلاع الحرب. [ميغيل ريوبا/وكالة الصحافة الفرنسية]

القوات الروسية التي تسرق الحبوب الأوكرانية تهدد بدفع البلدان النامية إلى المجاعة. [بيكسلز]

القوات الروسية التي تسرق الحبوب الأوكرانية تهدد بدفع البلدان النامية إلى المجاعة. [بيكسلز]

وأضاف غراندي أن الجهود المبذولة لمعالجة أزمة انعدام الأمن الغذائي العالمية والتي تفاقمت بشكل كبير بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، "لها أهمية قصوى... لمنع هجرة ونزوح عدد كبير من الناس".

وتابع "إني أجهل العدد... لكن الأرقام ستكون عالية جدا".

وأكد غراندي أن "تأثير ذلك سيكون مدمرا إذا لم تحل المسألة بسرعة. سيكون فعلا مدمرا".

من جهته، قال مدير جمعية دراسات الشرق الأوسط إيغور سيميفولوس وأصله من كييف، إن الدول الإفريقية والشرق أوسطية بحاجة أكثر من أي شيء آخر إلى حبوب الذرة والقمح التي يُمنع تصديرها.

وأوضح "بشكل عام، يذهب ما بين 40 و60 في المائة من الحبوب الأوكرانية إلى بلدان مختلفة في الشرق الأوسط".

وتابع "إنها مساهمة هائلة في الأمن الغذائي".

وما فاقم الوضع هو معاناة المواسم الزراعية الأخيرة في إفريقيا والشرق الأوسط من الجفاف، الأمر الذي دفع المحللين إلى التحذير من احتمال حدوث مجاعة عالمية.

من جانبه، قال نائب رئيس التعليم الاقتصادي في كلية كييف للاقتصاد أوليغ نيفيفسكي، "لو كان العالم يمتلك حاليا احتياطيات غذائية كبيرة، لما كان تأثر بشكل حاد من نقص الصادرات الأوكرانية".

ولفت إلى أنه "في السنوات القليلة الماضية، لم تكن المحاصيل العالمية وفيرة للغاية".

وأكد أن "احتياطيات الحبوب وصلت اليوم إلى أدنى مستوى لها منذ 15 عاما".

وقال نيفيفسكي "هذا إذا لم تحسب مخزونات الصين لأن لا أحد يعرف بالضبط كمية الحبوب التي لديها".

الطعام الروسي ’للابتزاز‘

ومع قيام روسيا بإغلاق الموانئ البحرية الأوكرانية، يمكن تصدير القمح والذرة الأوكرانية بواسطة الشاحنات والقطارات فقط. ولكن تعتبر قدرة هذه الوسائل محدودة للغاية مقارنة بالسفن.

ويمكن لناقلة واحدة استيعاب 60 ألف طن من الحبوب، بينما لا تستوعب الشاحنة النموذجية سوى 40 طنا.

وقال نيفيفسكي "الشهر الماضي، تم تصدير 1.7 مليون طن من الحبوب الأوكرانية. ونُقل نصفها بالقطار والنصف الآخر بالشاحنات. وفي غضون ذلك، هناك 20 مليون طن منها في الموانئ".

وأضاف "هل يمكنكم تخيل ذلك؟" لا تستطيع السكك الحديدية هنا التعامل مع ذلك".

ومنذ زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى كييف في أيار/مايو الماضي، تحاول الأمم المتحدة معرفة كيفية إخراج الحبوب من أوكرانيا.

وقال مسؤولون غربيون إن مطالب روسيا برفع العقوبات الدولية مقابل رفع الحظر عن صادرات الحبوب الأوكرانية ترقى إلى مستوى ابتزاز وحرب حبوب.

وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في محادثات افتراضية عقدت في واشنطن يوم 6 حزيران/يونيو "هذا كله متعمد".

وأوضح أن "الرئيس [الروسي فلاديمير] بوتين يوقف شحن الطعام ويستخدم آلة الدعاية الخاصة به بقوة لإبعاد المسؤولية أو تشويهها لأنه يأمل أن تجعل العالم يستسلم له وينهي العقوبات... إنه ابتزاز".

وقال نيفيفسكي من كلية كييف للاقتصاد، "يريد العالم كله تدمير روسيا بواسطة العقوبات".

وتابع "روسيا تفعل الشيء نفسه مع أوكرانيا، إنها تدمرها اقتصاديا. فهي تدرك أن المنتجات الزراعية الأوكرانية تصدر بحرا، و70 في المائة من جميع صادراتها تخرج عن طريق البحر وتشكل 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا".

سرقة روسية

إلى هذا، حذر مسؤولون ومهندسون زراعيون أوكرانيون من مشكلة أخرى.

وفي هذا الإطار، قال نائب مدير مديرية التنمية الصناعية الزراعية في مقاطعة زابوريزهيا مايكولا فينتشينكو، إن روسيا لا تغلق الموانئ فحسب، بل تأخذ الحبوب من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عيلها.

وكشف أن زابوريزهيا تملك أكثر من 130 ألف طن من الحبوب، بدأت القوات الروسية في سرقتها وتصديرها.

وأضاف "يأتون إلى المخازن ويقولون إنه باستطاعة المالكين شحن الحبوب ولكن فقط إلى شبه جزيرة القرم. وفي حال عدم حضور المالك، يعني ذلك أنها ليست ملك أحد ويمكن أخذها، ويسارعون إلى تحميلها على شاحنات وأخذها".

وتابع فينتشينكو أن مزارعين من الأراضي المحتلة يخبرونه يوميا أن الروس ينهبون معداتهم وحبوبهم من مواقع التخزين.

وتشهد مقاطعة خيرسون وضعا مماثلا، علما أنها تقع مثل زابوريزهيا تحت الاحتلال الروسي.

وإن القوات الروسية "تسرق بكل بساطة"، حسبما قال عالم الاقتصاد والسياسة فولوديمير مولتشانوف وأصله من خيرسون ويعمل منذ فترة طويلة مع عمالقة الأعمال الزراعية. وتابع "إنها تفرغ [الحبوب] على شاحنات سعتها 60 طنا وتأخذها إلى سيفاستوبول".

وأشار إلى أن "ميناء سيفاستوبول ليس جاهزا بعد لشحن الحبوب على نطاق واسع، إذ لا توجد فيه منشآت". وتابع "لذا يتم تفريغها بجرافات [حفارات] عادية. ثم يتم نقلها إلى سوريا ولبنان ومصر وتركيا لأن الجميع بحاجة إلى مواد غذائية".

وعلم مولتشانوف من مصادره الخاصة أن القمح الأوكراني يكلف نحو مائة دولار للطن بسعر الجملة في شبه جزيرة القرم، لكن سعره يتضاعف 4 مرات في السوق الدولية. وتشحن روسيا أيضا القمح الأوكراني لنفسها ثم تعيد بيعه مع هامش ربح كبير.

وأردف "إنها عملية احتيال بسيطة للغاية"، مضيفا "إنهم يشترون القمح المسروق في القرم بأسعار زهيدة جدا وينقلونه إلى سيبيريا، ومن هناك يبيعونه بأسعار عادية على أنه منتج روسي ويكسبون عائدا ماليا جيدا".

وفي الوقت الراهن، يعجز الأوكرانيون عن وقف نهب محاصيلهم.

وقال فينتشينكو "يسألني الناس عما يمكنهم فعله عندما ينهبهم الروس. اليوم، كل ما يمكنهم فعله هو إبلاغ الشرطة عن هذا النوع من الحوادث والإدلاء بإفادات لدى جهاز الأمن في أوكرانيا".

في المقابل، اختار المسؤولون الروس التظاهر بالجهل إزاء ما يجري وتغيير الرواية حول حقيقة الأمر.

وفي مؤتمر صحافي عقد في اسطنبول عقد يوم 8 حزيران/يونيو، سأل صحافي أوكراني وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بصراحة، "ما هي المواد التي سُرقت في أوكرانيا غير الحبوب، والتي تمكنت روسيا من بيعها حتى الآن؟".

ورد لافروف بذكر "النازيين الجدد" في أوكرانيا.

العمل مع تركيا

وسط كل ذلك، تحاول السلطات الأوكرانية حشد مساعدة تركيا.

واتصل السفير الأوكراني في تركيا فاسيل بودنار بالفعل بالسلطات التركية والإنتربول للحصول على مساعدة في التحقيق في عمليات تسليم الحبوب الأوكرانية عبر المياه التركية.

وبناء على طلب الأمم المتحدة، عرضت تركيا خدماتها مقابل خصم 25 في المائة على الحبوب لمرافقة القوافل البحرية من الموانئ الأوكرانية، وذلك على الرغم من وجود ألغام تم الكشف عن بعضها بالقرب من الساحل التركي.

وقال وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو يوم الأربعاء، إن تركيا مستعدة لاستضافة اجتماع رباعي مع الأمم المتحدة وروسيا وأوكرانيا لتنظيم تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وتابع أن الأمم المتحدة قدمت خطة لتسهيل الصادرات.

وأضاف أنه بموجب الخطة، يمكن إنشاء ممرات آمنة لصادرات الحبوب من أوكرانيا دون إزالة الألغام في البحر الأسود.

وحذر سيميفولوس من جمعية دراسات الشرق الأوسط من أن "الوضع ليس مشجعا للغاية".

وأوضح "من ناحية، لا تعارض أوكرانيا منح الأتراك فرصة الاستفادة من الوضع. لكن من ناحية أخرى، هناك مخاطر كثيرة".

وتابع "إذا أراد الروس مهاجمة الموانئ المفتوحة لنقل الحبوب، فهل ستتصدى تركيا لتلك [الاعتداءات]؟ لا أعتقد ذلك".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500