بات العراق يقف عند مفترق طرق سياسي منذ استقالة كتلة رجل الدين العراقي مقتدى الصدر المكونة من 73 نائبا منتصف الشهر الجاري، وذلك في خطوة غير مسبوقة يبدو أنها قد تمهد الطريق أمام حلفاء إيران لتشكيل حكومة جديدة.
وجاءت الاستقالة الجماعية بعد 8 أشهر من الانتخابات البرلمانية حيث فشلت الكتلتان الشيعيتان أي التيار الصدري من جهة والإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران من جهة أخرى، في تشكيل كتلة تمتلك الأغلبية في البرلمان.
وإن الصدر الذي فازت كتلته بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات، بدأ بتشكيل حكومة أغلبية مع الجماعات السياسية السنية والكردية مستثنيا الإطار التنسيقي الشيعي المنافس.
وكان قد رشح لمنصب رئاسة الوزراء ابن عمه السياسي جعفر الصدر.
وأعلن أيضا عزمه على تنفيذ برنامج حكومي لمكافحة الفساد واحتواء الميليشيات المدعومة من إيران وإنهاء التدخل الأجنبي في عملية صنع القرار العراقي.
ولكن اصطدمت طموحات الصدر بمعارضة شديدة من قبل الإطار التنسيقي الشيعي الذي سعى إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه، أي حكومة توافقية قائمة على نظام التحالفات الطائفية وتقاسم السلطة بين مختلف الأعراق.
ويُعتبر هذا المنحى الأنسب لطهران في سعيها لضمان استمرار نفوذها في العراق.
استقالة جماعية
وخلال جلسة استثنائية للبرلمان عقدت في 23 حزيران/يونيو، أدى مرشحون ينتمون إلى الإطار التنسيقي الشيعي اليمين الدستورية للحل محل نواب التيار الصدري الذين استقالوا.
ومنحت هذه الخطوة الكتلة الموالية لإيران الأغلبية الأكبر في البرلمان العراقي، وبات من المرجح أن تؤدي إلى تكليف الإطار التنسيقي الشيعي مهمة تشكيل الحكومة.
وتوقع الأمين العام لمجلس العشائر العربي الشيخ ثائر البياتي، أنه في حال تشكيل هكذا الحكومة "لن تستمر أكثر من بضعة أشهر".
وأوضح للمشارق أنها ستواجه المصير نفسه الذي واجهته حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، والتي أطيح بها في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ويرفض بعض أعضاء الإطار التنسيقي الشيعي وبينهم تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم، المضي قدما في تشكيل حكومة دون مشاركة كتلة الصدر.
ويشاركهم في هذا الموقف ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
من جهة أخرى، أنعش رحيل الصدريين آمال أعضاء آخرين في الإطار التنسيقي الشيعي كائتلاف دولة القانون الذي يريد تسمية زعيمه (ومنافس الصدر) نوري المالكي كرئيس للوزراء.
وسبق للمالكي أن خدم ولايتين في هذا المنصب.
وأكد البياتي أن قرار الصدر بالخروج من الساحة السياسية يهدف إلى النأي بنفسه تماما عن الأجندة الإيرانية.
وأشار إلى أن إيران سعت خلال الأشهر الماضية عبر وكلائها في العراق لعرقلة تشكيل حكومة قوية تكبح تنفيذ مصالحها وتدخلاتها الضارة في العراق.
وأضاف أن الصدر سبق أن طرح مبادرات عدة لحل الأزمة، منها التخلي عن جهود تشكيل الحكومة والتنازل بالتالي عن مهمته هذه لمنافسيه.
ولكن مع استمرار وكلاء إيران في ممارسة الضغط، أعلن الصدر أخيرا أنه لن يشارك مع أطراف فاسدة تحمي الفاسدين ولا تعرف سوى لغة السلاح وتنتهك الأمن والسيادة الوطنية.
وذكر البياتي أنه اختار الانسحاب والاصطفاف مع الشعب الغاضب من فشل النظام السياسي في تقديم الخدمات العامة ومعالجة الفقر والبطالة وانتشار المخدرات والسلاح.
العراق في ’مرحلة حرجة‘
وقبل يوم من جلسة اختيار بدلاء لنواب التيار الصدري، أصدر الصدر بيانا اتهم فيه "أذرع إيران" بارتكاب انتهاكات سياسية ضد القضاء والضغط على المستقلين والكتل غير الشيعية.
لكنه نفى أن يكون انسحابه قد جاء نتيجة "تهديد إيراني".
وقال "انسحبت من المشاركة معهم في إنهاء ما تبقى من العراق"، داعيا الكتل السياسية إلى "اتخاذ موقف شجاع من أجل الإصلاح وإنقاذ البلاد وعدم الخضوع لضغوطهم الطائفية".
وفي حديثه للمشارق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن الوضع السياسي في العراق يمر بمرحلة حرجة.
وأكد أن الوضع يستدعي من الجميع السير في طريق المفاوضات وبذل الجهود لتقريب وجهات النظر بهدف تجاوز الأزمة.
ولفت إلى إمكانية القيام بذلك عبر تبني مبادرات يتفق عليها جميع الأطراف، وتؤدي في نهاية المطاف إلى قيام حكومة تضع مصالح الشعب في المقام الأول ولا مكان فيها للفساد.
وأضاف الفيلي أن إدخال البلاد في نفق مظلم لن يصب في مصلحة أي من الأحزاب السياسية وعلى رأسهم الإطار التنسيقي الشيعي.