قال مراقبون سياسيون إن الفساد كان السبب الرئيسي وراء الهزيمة المدوية للأحزاب السياسية التي تمثل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في العراق يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر.
وقد وجد تحقيق أجرته وكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق من العام الجاري أن تلك الميليشيات منخرطة في عمليات فساد واسعة عبر العراق، حيث أنها تحول مليارات الدولارات من خزائن الدولة عبر التهرب الجمركي وحده لملء خزائنها.
وقد شغّلت نظاما موازيا وصفه وزير المالية العراقي بأنه "نظام ناهب للدولة" عبر قيامهم بتقسيم النقاط الحدودية البرية والبحرية بينها وتقاضي الرشى والانخراط في أنواع أخرى من الابتزاز.
وقد شعر العراقيون إلى حد كبير بتأثير هذا النوع من الفساد، حيث أنه أدى إلى تآكل الخدمات العامة وتردي البنية التحتية وتصاعد مؤشرات الفقر، لذا امتنعوا عن التصويت لصالح هذه الأحزاب.
وقد ركّزت حكومة مصطفى الكاظمي على استئصال الفساد عبر ملاحقة كبار المسؤولين، وغالبيتهم تعمل تحت حماية ونفوذ الفصائل المسلحة.
وقد حققت هذه الجهود نتائج ايجابية، كما أكد أستاذ العلاقات الاقتصادية بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني.
وفي آب/أغسطس، شكّل الكاظمي لجنة حكومية للتعامل مع قضايا الفساد الكبرى وأصدرت منذ ذلك الحين مذكرات توقيف بحق أكثر من 52 من القيادات الإدارية والمسؤولين السياسيين على خلفية قضايا فساد.
وكان ضمن القائمة محافظ نينوى السابق نوفل العاكوب الذي كان مدعوما من الميليشيات. وهو متهم باختلاس ملايين الدولارات، بما في ذلك المساعدات المخصصة للمواطنين الذين كانوا قد فروا من منازلهم في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وإن العاكوب والمقربين منه متهمون باختلاس نحو 64 مليون دولار من الأموال العامة.
القضاء على الفساد
وأكد المشهداني أنه يدعم كل الخطوات العملية التي تقوم بها الحكومة، حيث أنها "إجراءات ملموسة ضد الفساد وليست مجرد كلام".
وأشار إلى أنه "يقع على عاتق الحكومة المقبلة مواصلة العمل الجدي بهذا الإطار" والإطاحة بكل رؤوس الفساد "بدءا من أعلى الهرم وحتى قاعدته".
وشدد على أن الشعب حاسب عبر الانتخابات كل الجهات والأحزاب السياسية المتورطة بالفساد وسوء الإدارة وأيضا أولئك الذين منعوا ملاحقة الفاسدين ووفروا الدعم والغطاء لأنشطتهم.
وأوضح أنه عندما تهيأت الفرصة للشعب، "قام بالتصويت ضدها كرد فعل عقابي".
هذا وكان سوء الخدمات وفساد الميليشيات قد دفعا العراقيين لتنظيم حركة احتجاجات ضخمة في العام 2019 أدت بالنهاية للإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي.
وعملت الحكومة الجديدة على تلبية مطالب المحتجين من خلال شن حملات لضبط الحدود في محاولة للتصدي للأنشطة الفاسدة التي تقوم بها الفصائل المرتبطة بإيران.
وأشار المشهداني إلى أن الحكومة قادت الجهود الرامية لوقف تدفق ملايين الدولارات كعائدات يومية من عمليات تهريب النفط والبضائع عبر الموانئ البحرية والمعابر البرية، والتي كانت تذهب لخزينة أكثر من 40 فصيلا من تلك الفصائل.
كما أنها فرضت رقابة صارمة على مزاد الدولار الذي كان يباع لمصارف مملوكة بشكل غير مباشر لزعماء ميليشيات وأحزاب نافذة يديرون أنشطة غسيل وتهريب الأموال لصالح إيران.
وفي إطار جهودها لتحسين الخدمات العامة، أبرمت الحكومة عقودا استثمارية كبرى مع بلدان كالسعودية ومصر وفرنسا لتحسين إمدادات الكهرباء وتطوير البنى التحتية.
وبالمقابل، لم ترضخ الحكومة لتهديدات وكلاء إيران الذين أخفق ممثلوهم في الحكومة في تمرير صفقة ترهن عائدات النفط العراقي بيد الصين لعشرين عاما مقابل تنفيذ مشاريع خدمية.
كسر هيمنة الميليشيات
من جانبه، اعتبر الأكاديمي والسياسي طه اللهيبي أن تجفيف مصادر تمويل الميليشيات والقضاء على فسادها لا يزال يشكل تحديا كبيرا.
وقال إن الميليشيات "لا تزال تتحصل الأموال عبر فرض الإتاوات على التجار والمزارعين وقائدي الشاحنات التجارية".
وأضاف أن المكاتب الاقتصادية للميليشيات تسرق مقدرات المناطق المحررة من داعش، وأنها "تتدخل بصفقات ومشاريع الإعمار وتبتز شركات الاستثمار".
وأكد أن "إخفاق وكلاء إيران بالانتخابات كان تعبيرا واضحا عن رفض شعبي لكل انتهاكاتهم وفسادهم وفشلهم في إدارة الدولة".
واستدرك أنه "دليل على رغبة الشعب بالتخلص من هيمنة الميليشيات التي لم تجلب له خلال السنوات الماضية غير الخراب في كل مناحي الحياة".
نعم
الرد1 تعليق